أشعلت الحرب الروسية على أوكرانيا أسواق الطاقة العالمية، فارتفعت أسعار النفط والغاز لمستويات قياسية، وهو ما جعل إمدادات النفط عرضة للتأثر بالتقلبات، وسط تهافت الدول على بدائل تؤمن احتياجاتها.
في خضم تفاقم الأزمة يرتفع الطلب على النفط الخام، فهل تحولت أنظار المشترين إلى منطقة الشرق الأوسط -وخاصة العراق- لتوفر بديلا للنفط الروسي؟
قبل عدة أيام، لامس سعر خام "برنت" بحر الشمال 140 دولارا للبرميل، وكان في طريقه لتسجيل أعلى سعر له منذ 14 عاما. وجاء ذلك بعد تصريح لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بأن واشنطن وحلفاءها يبحثون في حظر واردات النفط الروسية، ردا على حرب روسيا على أوكرانيا.
وتعد روسيا من أكبر منتجي النفط في العالم، وتهدد هذه التوترات إمدادات الخام. فروسيا تنتج أكثر من 10 ملايين برميل يوميا، كما أنها تنتج 16% من الغاز الطبيعي في العالم. وأوروبا تستورد من روسيا نحو 25% من حاجتها من النفط و40% من حاجتها من الغاز الطبيعي.
وعن إمكانية قيام العراق بتعويض النفط الروسي في حال حظر الاستيراد من روسيا، أوضح المتحدث باسم وزارة النفط العراقية عاصم جهاد، أن العراق ملتزم باتفاقات "أوبك بلس" (+Opec)، ولا يحيد عنها.
وفي حديثه للجزيرة نت، بيّن جهاد أن العراق يحترم التزاماته مع الشركات الرصينة التي تشتري النفط العراقي منذ فترة طويلة.
وأضاف أن الوزارة تعقد اجتماعا كل شهر برئاسة الوزير والوكلاء والدوائر المعنية والرقابية والجهات المعنية في شركة تسويق النفط (سومو)، ويتم خلال هذه الاجتماعات اتخاذ قرارات تسعيرة للنفط العراقي للشهر الذي يلي، والحصص المطلوبة والتقسيمات على الشركات المتقدمة للشراء، وذلك بعد مراجعة تطورات السوق.
وعن أهم الدول التي تشتري النفط العراقي، أشار جهاد إلى أن العراق يتعامل مع الأسواق الآسيوية التي تعد سوقا واعدة، ومن ثم الأوربية والأميركية.
من جهته، استبعد أستاذ علم الاقتصاد في جامعة البصرة، الدكتور نبيل المرسومي، أن يتمكن العراق من أن يأخذ مكان روسيا في تزويد الأسواق الآسيوية بحاجتها من النفط، خاصة أن روسيا هي ثاني أكبر مصدر للنفط إلى الصين بمعدل مليون و590 ألف برميل يوميا، في حين أن العراق هو ثالث أكبر مصدر للصين بمعدل مليون و87 ألف برميل يوميا، وتأتي السعودية كأكبر مصدر للنفط للصين بنحو مليون و700 ألف برميل يوميا.
ويقول المرسومي -للجزيرة نت- إنه في ظل العقوبات الحالية على روسيا التي أدت إلى تقليص الطلب الأوربي على النفط، اضطرت روسيا لوضع خصومات في تصدير النفوط، وكان آخر خصم منحته لشركة "شل" (Shell) بمقدار 25 دولارا على سعر البرميل، مشيرا إلى أن الاتجاه الروسي المرتقب نحو الأسواق الآسيوية، وخاصة الهند والصين، من خلال إغراء هذه الدول بالخصومات، ربما سيؤثر سلبا على النفط العراقي، وقد يفقده جزءا من الحصة السوقية.
ويرى المرسومي أن العراق غير قادر على اكتساب حصة جديدة في الأسواق الأوروبية بسبب محدودية التصدير، لأن 97% من صادرات العراق تتجه جنوبا نحو البحار، وأن نحو 100 ألف برميل تتجه شمالا من ميناء جيهان التركي الذي ينقل نفط كركوك، وبالتالي فإن غياب منافذ التصدير سيصعب على العراق زيادة صادراته إلى أوروبا ليعوض النقص من الخام الروسي، وهذا تحد كبير يواجه النفط العراقي مستقبلا إذا استمرت الحرب في أوكرانيا.
وكانت شركة سومو أعلنت قبل أيام عن تحقيق أعلى معدل تصدير خلال عامين، وذلك في فبراير/شباط الماضي بمعدل 3.314 ملايين برميل يوميا، بزيادة مقدارها 112 ألف برميل يوميا عن الشهر الذي سبقه، وبأعلى إيراد مالي منذ 2014 بمبلغ قدره 8.54 مليارات دولار في الشهر.
يرى الخبير في اقتصاديات النفط الدكتور فلاح العامري أن دول أوبك وشركاءها لديهم كميات احتياطية نفطية قليلة، وهي غير قادرة على تلبية حاجة السوق الحالية في حال توقف تصدير النفط الروسي بسبب العقوبات الأميركية الأوروبية.
ويقول العامري -للجزيرة نت- إن العراق يمتلك مرونة محدودة في زيادة إنتاجه، لذلك لا يمكن أن يحل النفط العراقي محل الكمية المتوقع أن يفقدها السوق العالمي من النفط الروسي، وإنما بإمكان العراق زيادة إنتاجه ما بين 200 و300 ألف برميل يوميا فقط.
وأشار إلى أن سوق النفط العالمية ستكون بحاجة إلى تعويض إنتاج ما بين 3 و4 ملايين برميل من النفط الروسي المخصص للتصدير يوميا إذا فرضت أميركا وأوروبا عقوبات على النفط الروسي.
ويوضح العامري أن أكبر زبائن العراق هما الصين والهند اللتان تستوردان نحو 70% من النفط ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻲ، والباقي يصدر إلى أوروبا وأميركا، وربما يحدث تغييرا في نسبة النفط الذاهب إلى أوروبا.
عضو المبادرة الوطنية للشفافية في الصناعات الاستخراجية سعيد ياسين موسى يرى -في حديث للجزيرة نت- أن الحرب في أوكرانيا تهدد الأمن الغذائي في الكثير من الدول ومن بينها العراق، بسبب ارتفاع أسعار القمح دوليا، كما أن العراق يلتزم بسقوف الإنتاج والتسويق بما تقرره أوبك+ في تلبية حاجة الأسواق، ولكن العراق قادر على رفع الإنتاج بنحو مليون برميل يوميا.
أما المحلل الاقتصادي ضرغام محمد علي، فيرى أن العراق -بسبب اعتماده على مبيعات النفط- سيستفيد من ارتفاع أسعاره في تعزيز ماليته، لكنه بالمقابل سيتضرر كثيرا من ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والغاز المستورد، أي أن النمو في الأسعار ستمتصه أسعار المشتقات والغاز والتضخم في أسعار المواد الغذائية عالميا.
ويقول محمد علي -للجزيرة نت- إن أسعار النفط مرشحة للارتفاع أكثر مع قلة الإمدادات، وفي الوقت نفسه سيتم اعتماد الصين أكثر على النفط الروسي، مما سيسد جزءا من حاجة أحد أكبر مستوردي النفط والغاز، وهذا ما سيحد -في المرحلة المقبلة- من هذا الارتفاع.