logo

الاقتصاد البريطاني يصطدم بغيوم الحرب

16 مارس 2022 ، آخر تحديث: 16 مارس 2022
الاقتصاد البريطاني يصطدم بغيوم الحرب
الاقتصاد البريطاني يصطدم بغيوم الحرب

تساءلت كارين وورد، كبيرة استراتيجيي السوق لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في "جي بي مورغان" لإدارة الأصول، في مقال كتبته لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، تحت عنوان "هل يعود اقتصاد بريطانيا إلى فوضى السبعينيات؟". وقالت وورد إن ارتفاع أسعار السلع الأساسية واحتمال حدوث تضخم مرتفع للغاية، إن لم يكن من رقمين، يفسر قلق المستثمرين الحاصل اليوم في الأسواق. وأضافت أن الاقتصاديين يبثون، بمن فيهم أولئك العاملون في البنوك المركزية، الطمأنينة، وعلى رأسها تصريحات محافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي في شهادته أمام لجنة اختيار وزارة الخزانة البريطانية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حين قال، "نحن بعيدون جداً عن السبعينيات".

وتتابع وورد أن المجتمع الاقتصادي يشير إلى اثنين من التغيرات الهيكلية حدثا في اقتصاد المملكة المتحدة، الأول هو إلغاء النقابات في سوق العمل، فبالعودة إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما تصاعد التضخم العام، ضغطت النقابات من أجل زيادة الأجور تحت تهديد الإضراب، وأدت الزيادة في التضخم بسبب أسعار النفط إلى ارتفاع الأجور بسرعة، وارتفاع تكاليف الشركات بشكل أكبر، ما أجبرها على رفع الأسعار مرة أخرى.

في هذا الوقت، حددت الحكومة أسعار الفائدة، ولكن مما لا يثير الدهشة، كانت مترددة للغاية في تشديد السياسة وسط تفشي التضخم واستياء الرأي العام على نطاق واسع، وكانت الزيادات الكبيرة جداً في أسعار الفائدة، والركود العميق للغاية ضروري لكسر دوامة الأجور وأسعارها.

أما التغيير الهيكلي الثاني، بحسب وورد، فيتعلق باستقلالية البنك المركزي والأهداف التشريعية الواضحة للتضخم، والتي ينبغي أن تمنع الارتفاع اللولبي لأسعار الأجور على حد قولها. وتضيف، يقال إن العمال سيعرفون أنهم إذا بدأوا في المطالبة بأجور أعلى، فإن التضخم سيرتفع أكثر، بالتالي سترتفع معدلات الفائدة ومدفوعات الرهن العقاري، لذلك لن ترفع الشركات الأسعار ولن يطلب العمال المزيد من الأجور، وإذا فعلوا ذلك، فسيتصرف بنك إنجلترا.

دوامة الأجور

وتقول وورد إنها بينما تقدر هذه النظرية، لا يسعها إلا أن تتساءل عن آلية عمل تلك الممارسة. وتابعت، لنأخذ سوق العمل، في أواخر السبعينيات، كان نحو 50 في المئة من عمال المملكة المتحدة في النقابات، والرقم اليوم هو 24 في المئة. وتساءلت وورد مجدداً إن كان بإمكان ريشي سوناك وزير الخزانة رفع النمو في أجور العالمين في الخدمات الصحية بنسبة ثلاثة في المئة هذا العام، في الوقت الذي نحدق في نسبة تضخم تتراوح بين ثمانية و10 في المئة.

وتعتقد وورد أن العمال غير المنتمين إلى النقابات سيطالبون بأجور أعلى في سوق عمل تعتبر اليوم ضيقة للغاية، وفي ظل معدل شواغر قياسي، قائلة إنه في حال شعر العمال غير المدرجين في النقابات، بالثقة في عدم وجود مرشح محتمل جاهز ومستعد لاستبدالهم في مواطن الشغل، فسوف يطالبون بالمزيد من المال، وهو ما نراه حاصلاً اليوم، ففي يناير (كانون الثاني)، بلغ التضخم 5.5 في المئة، بينما بلغ نمو الأجور 6.3 في المئة على أساس سنوي.

وفي نوفمبر، قالت لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، "الحديث عن دوامة الأجور وأسعارها خاطئ تماماً". وتوضح وورد أنها ليست متأكدة من صحة تلك المقولة، ولكن "بالتأكيد يمكننا الاعتماد على التغيير الهيكلي الثاني، المتمثل في استقلال بنك إنجلترا، وتدخله في وقت مبكر وحاسم لتبريد الاقتصاد ومنع التضخم من أن يصبح راسخاً".

وتؤكد كبيرة استراتيجيي السوق في "جي بي مورغان" لإدارة الأصول، ثقتها في نزاهة بنك إنجلترا قائلة، "لا أشك في نزاهة المؤسسة المصرفية العملاقة، ولكنني لا أحسدها على المهمة التي تنتظر لجنة السياسة النقدية. لقد تعرض محافظ بنك إنجلترا لانتقادات كثيرة بعد أن أوضح أمله في نمو متواضع في الأجور لمنع التضخم من السيطرة. إن رفع معدلات الرهن العقاري، جنباً إلى جنب مع فواتير الخدمات العامة المرتفعة، لن يجعل اللجنة تحظى بشعبية كبيرة".

دخل الأسر البريطانية في مواجهة التضخم

وتابعت وورد أن بنك إنجلترا سيكون على دراية بمدى اعتماد الشؤون المالية في البلاد على قرار وزير الخزانة ريشي سوناك، فالكمية الهائلة من السندات الحكومية التي اشتراها البنك أثناء الوباء تجعل التدفقات النقدية للخزانة حساسة للغاية للتغيرات في السعر الأساسي، ويقوم بنك إنجلترا بحسم الأرباح من الفجوة بين مدفوعات القسيمة المستلمة على هذه السندات ومعدل الفائدة الذي يدفعها للبنوك التجارية التي تحتفظ بأموال في البنك المركزي، ومع ارتفاع السعر القياسي، يتقلص حسم الأرباح هذا، وبالنظر إلى أن سوناك سيتعرض هو الآخر لضغوط من أجل إنفاق المزيد ودعم دخل الأسرة في مواجهة ارتفاع التضخم، فمن شأن ذلك أن يزيد من مخاوفه.

سنوات من أسعار الفائدة السلبية

أضافت ورود، "لكي أكون واضحة، ووفقاً لحساباتي، التي تتغير بسرعة نظراً لتحركات أسعار السلع الأساسية، فقد يرتفع التضخم إلى ما فوق تسعة في المئة، ويستمر عند هذا المستوى لجزء كبير من عام 2022، قبل أن ينخفض ببطء نحو ثلاثة في المئة حتى عام 2023". وتضيف، "لكن، على عكس البعض، لا أستبعد سيناريو أكثر سلبية، مذكرة بأنه في العقد الذي سبق السبعينيات، بدا التضخم كما لو كان تحت السيطرة من الناحية الهيكلية، ثابتاً تقريباً عند 2.5 في المئة، وقد أدى ذلك إلى التراخي في الاقتصاد وصنع السياسات، ما زرع بذور الفوضى الاقتصادية في السبعينيات"، على حد قول وورد التي ختمت بأن أوضح تأثير علينا كمستثمرين هو أننا "سنواجه سنوات من أسعار الفائدة الحقيقية السلبية للغاية، وبينما قد تكون السندات الحكومية قد خففت من المحافظ في ضوء بيئة العزوف عن المخاطرة الحالية، يجب أن نتساءل عن دورها كأصل (بلا مخاطر) في شتى الظروف".

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024