شهد الدينار العراقي خلال 90 عامًا من عمره ارتفاعًا في قيمة الصرف تارة وهبوطًا حادًا تارة أخرى، نتيجة ما تعرض له العراق من أزمات سياسية وعسكرية واقتصادية متواترة.
ففي مثل هذا اليوم من عام 1932، أصدر العراق عملته الوطنية باسم الدينار حاملة صورة الملك فيصل الأول وطبعتها في لندن شركة "برادبري ويلكينسون وشركاه" (Bradbury Wilkinson and Company) البريطانية .
يقول المستشار المالي الدكتور مظهر محمد صالح قال إن عام 1931 شهد تأسس مجلس عملة العراق في لندن لأغراض إصدار العملة الورقية والاحتفاظ باحتياطي العملة الجديد، ومثّله من العراق السياسي العراقي البارز آنذاك جعفر العسكري، حيث صدر القانون رقم 44 لسنة 1931 الذي نص على إصدار دينار عراقي يساوي الجنيه الإسترليني في القيمة عام 1932.
ويسترسل صالح بالحديث أنه على ضوء ذلك تم الإصدار الأول للدينار في أواخر عهد الملك فيصل الأول، وكانت الأوراق النقدية من فئات الربع والنصف دينار والدينار الواحد و5 دنانير و10 دنانير و100 دينار.
أما القطع النقدية المعدنية الصغيرة -وفق صالح- فكانت من فئة الفلس والفلسين و4 فلوس و10 فلوس و20 فلسا و50 فلسا و200 فلس، وقد استمر مجلس العملة العراقية بإصدار العملات الورقية والمعدنية إلى حين تأسيس المصرف الوطني العراقي عام 1947.
وقال الباحث المصرفي عمار شهاب إن فترة سبعينات القرن الماضي شهدت انتعاش قيمة الدينار العراقي، إذ كان يساوي 4 دولارات، ويحدد أسباب ذلك الانتعاش باستقرار الحكم وقتها برئاسة أحمد حسن البكر للفترة (1968-1979)، إضافة إلى قرار تأميم المصارف وشركات التأمين في 14 يوليو/تموز 1964 الذي أسهم في تعزيز الصيرفة.
وقالت الخبيرة المصرفية الدكتورة سلام سميسم إن "سعر صرف الدينار العراقي الواحد كان يعادل 3.3 دولارات خلال فترة الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988)، بسبب قلة مديونية البلاد مع وفرة مالية كبيرة إضافة للدعم النقدي العالمي لبغداد وقتها".
أما بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990 وحرب الخليج التي تبعت ذلك والحصار الأممي الذي فرض على البلد آنذاك، كشفت سميسم عن انحدار قيمة الدينار العراقي ليصل نحو 3 آلاف دينار مقابل كل دولار واحد، نتيجة صدور قرار مجلس الأمن الدولي بفرض العقوبات الاقتصادية على العراق، مما أدى إلى تهاوي موقف بغداد في سوق النفط العالمية.
وأشارت سميسم -في حديثها مع الجزيرة نت- إلى أن "قوة الاقتصاد الوطني تأتي من تصدير العراق للنفط، للحصول على العملة الأجنبية، وهذا ما انعكس سلبًا خلال فترة تسعينيات القرن الماضي".
وكانت طباعة الدينار العراقي خلال فترة تسعينيات القرن الماضي تتم داخل مطابع رديئة سببت انخفاض قيمة العملة المحلية، كما يقول المصرفي عبد الرحمن الشيخلي.
ويضيف الشيخلي أن "الدينار العراقي المطبوع في فترة التسعينيات كان قابلا للتزوير بعكس الطبعات القديمة السويسرية التي تتمتع بقيمة كبيرة وأمان أعلى".
وعن تلك الفترة في أثناء تغيير النظام الحاكم في العراق، تقول الخبيرة النقدية الدكتورة رجاء البندر إن "الدينار العراقي شهد تحسنًا مفاجئًا وهبوطا في قيمة العملة الأجنبية؛ إذ وصل متوسط سعره 1443 دينارا مقابل الدولار خلال مايو/أيار 2003، بعد أن كان 2361 دينار بداية مارس/آذار من العام ذاته".
وتضيف البندر أنه خلال النصف الثاني من عام 2003 عاد الدينار العراقي للتذبذب والتدهور لمصلحة الدولار الذي سجل ارتفاعا، وتراوح بين 1459 إلى 2185 دينارا مقابل الدولار الواحد، وترجع ذلك لقاعدة العرض والطلب التي تتحكم بسوق العملة فضلا عن موعد اقتراب تبديل العملة من الطبع المحلية إلى الطبع الدولية في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2003.
وخلال عملية استبدال العملة ودخول الجديدة للتداول التي تتمتع بالأمان واستحالة تزويرها والتلاعب بحقوق حامليها زاد الطلب على الدينار العراقي الجديد بوصفه خزينا للقيمة بدلا من الدولار.
وعلى إثر ذلك ارتفعت قيمة الدينار العراقي خلال الشهرين الأخيرين من عام 2003؛ إذ سجل سعر الصرف 1998 دينارا للدولار، ثم انخفض إلى 1690 دينارا للدولار نهاية ديسمبر/كانون الأول للعام نفسه، نتيجة فتح البنك المركزي العراقي نافذة لبيع العملة الأجنبية بغية المحافظة على استقرار سعر صرف الدينار.
ويكشف الباحث الاقتصادي بسام رعد عن حصول المالية العامة على ما يقرب من 20 تريليون دينار عراقي عام 2021، جراء تغيير سعر الصرف من 1180 دينارا إلى 1450 دينارا مقابل الدولار الواحد.
إلا أن تلك الأموال لم تسخر لخدمة طبقات الشعب العراقي، مما أدى إلى انخفاض القيمة الحقيقية للدخول النقدية لعامة الشعب، وفق رعد الذي يضيف -للجزيرة نت- أن "القرار خلف آثارا اجتماعية خطيرة أدت لزيادة الفقر وارتفاع البطالة فضلاً عن ارتفاع التضخم السنوي لشهر ديسمبر/كانون الأول 2021 بنسبة 5.3%".
ويلفت الباحث إلى أن "سعر الصرف الجديد سيبقى ثابتًا لفترة طويلة كون التراجع عنه سيؤدي إلى إضعاف السياسة النقدية ولهيب في أسعار المواد والسلع والخدمات".
يرتبط استقرار سعر صرف الدينار العراقي بعوامل تقوية عديدة، أبرزها الاستقرار والانتعاش الاقتصادي، إضافة إلى التنسيق المشترك بين السياستين المالية والنقدية، كما يرى الخبير المصرفي عبد الحسين المنذري، في حديثه للجزيرة نت. ويؤكد ضرورة عدم إعداد الموازنة العامة للدولة بعجز كبير يمول من خلال القروض الداخلية والخارجية التي تربك التخطيط الاقتصادي السليم.
ومن العوامل التي يرى المنذري أهميتها لتقوية العملة العراقية هو ثبات سعر الصرف والمحافظة على قيمته أوقات الأزمات الداخلية والخارجية مع ضمان تدفق مستمر للعملات الأجنبية للاقتصاد الوطني عن طريق الرسوم الجمركية والضرائب على السلع وأرباح الشركات العالمية العاملة في العراق.