اظهر تقرير البنك الدولي ان حزم التحفيز التي أعلنتها الحكومات ليست كافية لتجاوز الأزمة وسط أكبر أربعة مخاطر مرتبطة بكورونا تهدد اقتصاد العالم الديون السيادية تواصل الإرتفاع وتسجل مستويات قياسية.
و كشف تقرير حديث، أنه في عام 2020، بينما كانت المجتمعات المحلية في شتى أنحاء العالم تكافح لاحتواء تفشي فيروس كورونا وإدارة ما فرضته الجائحة من تكاليف صحية وبشرية، أطلقت الحكومات مجموعة كبيرة من تدابير الدعم الطارئ للتخفيف من حدة أسوأ الآثار المباشرة لهذه الجائحة. وتضمنت هذه التدابير، عمليات الإغلاق التي أدت شملت منشآت الأعمال، وحزم التحفيز المالي التي غطت الدعم النقدي المباشر للقطاع العائلي وقطاع الشركات، والسياسات النقدية التي خفضت أسعار الفائدة وخففت شروط الإقراض للمؤسسات المالية، وسياسات القطاع المالي مثل تأجيل سداد ديون القطاع العائلي وقطاع الشركات، إضافة إلى برامج ضمان الائتمان.
و بالفعل، ساعدت هذه السياسات التي وضعت لمواجهة الأزمة في الحد من أسوأ النتائج الاقتصادية للجائحة على المدى القصير. وعلى الرغم من ذلك، أماطت هذه السياسات اللثام عن عدد من جوانب الهشاشة الاقتصادية التي يمكن أن تهدد تحقيق تعاف اقتصادي مستدام ومنصف، بل وأدت إلى تفاقمها. ويُعد هذا الأمر مصدر قلق حقيقي بالنظر إلى أن الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا ستكون أطول أمداً وأكثر حِدة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
و كشف البنك الدولي في تقرير حديث، نظرة شاملة على المخاطر الاقتصادية المرتبطة بالجائحة، وأشار إلى أنه على الرغم من أن القطاع العائلي وقطاع الشركات كانا الأشد تأثراً بالأزمة على نحو مباشر، فإن لتداعيات أزمة كورونا انعكاسات على الاقتصاد بأكمله من خلال قنوات عديدة يعزز بعضها بعضاً، تربط بين السلامة المالية التي يتمتع بها هذان القطاعان والمؤسسات المالية والحكومات. وبسبب هذا الترابط، من الممكن أن تنتشر المخاطر المالية المتزايدة في أحد القطاعات بسهولة وتؤدي إلى زعزعة استقرار الاقتصاد الأوسع نطاقاً إذا تُركت دونما مواجهة. وعندما يتعرض القطاع العائلي وقطاع الشركات لضغوط مالية، يواجه القطاع المالي مخاطر أكبر من حيث عدم سداد القروض، ويصبح أقل قدرة على توفير الائتمان.
وبالمثل، عندما يتدهور المركز المالي للقطاع العام، نتيجة ارتفاع الديون وخدمة الدين على سبيل المثال، قد تضعف قدرته على دعم القطاع العائلي وقطاع الشركات. وهذه العلاقة ليست محددة سلفاً. ويمكن لسياسات المالية العامة والقطاع النقدي والقطاع المالي جيدة التصميم مواجهة هذه المخاطر المتشابكة والحد منها، ويمكن أيضاً أن تساعد في تحويل الروابط بين قطاعات الاقتصاد المختلفة من "حلقة الهلاك" المفرغة إلى حلقة حميدة. ومن ثم، تُعد إدارة المخاطر المالية المترابطة التي يتعرض لها القطاع العائلي وقطاع الشركات والبنوك والحكومات والحد منها أمراً أساسياً لتحقيق التعافي الاقتصادي في البلدان النامية.
أربعة أزمات أبرزها ارتفاع الديون السيادية.
أشار البنك الدولي إلى ضرورة إنهاء المخاطر المالية عن طريق سياسات فعالة لتحقيق تعافٍ منصف. وتطرق إلى إيجاد حلول لأربعة مجالات رئيسة للمخاطر هي: ضعف الميزانيات العمومية للبنوك، وتأخر إعادة توزيع الأصول الإنتاجية المتبقية في الشركات المتعثرة، والتحديات التي تواجه المقرضين في تحديد المقترضين المناسبين في أثناء فترة الاضطراب الاقتصادي، وزيادة حجم الديون السيادية بنسب كبيرة منذ بداية ظهور جائحة كورونا وحتى الآن.
ومن حيث الوضع الأمثل، يمكن للحكومات وضع السياسات ذات الصلة موضع التنفيذ بالتوازي في كل مجال من هذه المجالات الأربعة. ومع ذلك، فنظراً لأنه لا تتوافر سوى لبضع حكومات الموارد وهوامش المناورة السياسية اللازمة للتصدي لكافة التحديات الاقتصادية في آن واحد، فسيتعين على البلدان إعطاء الأولوية للإجراءات المطلوبة الأكثر أهمية على صعيد السياسات.
وأوضح أنه يمكن للحكومات والمؤسسات المالية التخفيف من حدة تعثر القروض وتقليصها عن طريق التأكيد على الشفافية، وإدارة القروض الحرجة، وتنفيذ تدخلات استباقية لمساعدة البنوك المتعثرة. وقد أدى تأجيل سداد الديون وإمهال المدينين وتيسير قواعد تقارير الاستعلام الائتماني التي طُبقت لتخفيف الضغط على المقترضين والمقرضين في أثناء الجائحة إلى غياب الشفافية بشأن سلامة الميزانيات العمومية للبنوك، لا سيما الاعتراف بمشكلة القروض غير العاملة، مما يؤثر على قدرة القطاع المالي على تنفيذ عمليات الإقراض.
وذكر أنه من شأن وجود أنظمة فعالة للإعسار، والتأكيد على عمليات تسوية الديون خارج المحاكم التي تتضمن أطراً مبسطة وأكثر سرعة للشركات الصغيرة، أن يساعدا في تجنب مخاطر المديونية الحرجة طويلة الأجل وغير القابلة للتسوية. ولا يمكن للدائنين حالياً الاعتماد على التحليل التقليدي لمخاطر الائتمان لتقييم ما إذا كان المقترضون الذين يعانون من مديونية حرجة يواجهون نقصاً في السيولة على المدى القصير، أو الإعسار على المدى الطويل. إضافة إلى ذلك، ليس بمقدور المقترضين إعلان إعسارهم في البلدان التي لا توجد فيها آليات للتعامل مع حالات الإعسار، أو توجد فيها آليات محدودة.
وشدد البنك الدولي على ضرورة ضمان استمرار القدرة على الحصول على التمويل، لافتاً إلى أن الابتكارات في الأدوات المالية الرقمية ونماذج الإقراض، بما في ذلك مصادر البيانات البديلة وتصميم المنتجات والسياق الذي يتم فيه الإقراض، يمكن أن تساعد في الحفاظ على تدفق الائتمان في البيئات التنظيمية التي تدعمه وتوفير آليات لضمان حماية المستهلك والسوق على حد سواء. ويمكن للتأثير المستمر لأزمة فيروس كورونا على أداء قطاع الشركات ودخل القطاع العائلي أن يثبط عمليات الإقراض بسبب زيادة مخاطر الائتمان، وقلة الوضوح فيما يتعلق بقدرة المقترض على السداد، وتراجع القدرة على تحصيل قيمة الضمانة.
وفيما يتعلق بإدارة مستويات أعلى من الدين الحكومي، أوضح أن البلدان غير القادرة على خدمة ديونها تصبح عرضة لحدوث ركود لفترة طويلة. وتتطلب الحيلولة دون الوصول إلى هذه المرحلة إدارة فاعلة للديون عن طريق تعديل شروط الديون أو إعادة هيكلتها، وإجراء إصلاحات على الأمد الأطول في شفافية الديون والسياسة الضريبية. وقد لجأ العديد من الحكومات إلى الاقتراض لدفع تكاليف برامج الدعم الاقتصادي الهائل، مما أدى إلى زيادة بنحو 9 نقاط مئوية في إجمالي أعباء ديون البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
سيتعين على البلدان، عند صياغة أولويات سياساتها الدقيقة للوصول إلى تحقيق تعافٍ منصف، النظر في المزيج الذي تتعرض له من مخاطر داخلية وخارجية. وبالنسبة للعديد من البلدان منخفضة الدخل، ستأتي مسألة التصدي لمشكلة الدين الحكومي غير المستدام على رأس أولوياتها. أما البلدان متوسطة الدخل التي تكون قطاعاتها المالية أكثر عرضة لمخاطر ديون الشركات والقطاع العائلي، فقد يتعين عليها التركيز على السياسات الداعمة للاستقرار المالي.
وذكر البنك الدولي، أنه على الرغم من أن مطبوعة تقرير عن التنمية في العالم لعام 2022 تركز على ما تسببه جائحة كورونا من مخاطر مالية واقتصادية جوهرية على المستوى المحلي، فإن الأحداث التي يشهدها الاقتصاد العالمي هي أيضاً ما سيحدد شكل آفاق التعافي في أي بلد. ويتضح مثال آخر في مخاطر أسعار الصرف وأسعار الفائدة، التي يمكن أن تظهر مع تعافي النشاط الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة وسحب برامج التحفيز، مما يؤدي إلى تشديد البنوك المركزية أوضاع السيولة العالمية ورفع أسعار الفائدة.
وأوضح أن التصدي للمخاطر المالية التي ظهرت في أثناء الجائحة يعد أمراً مهماً لضمان قدرة الحكومات والمؤسسات المالية على دعم التعافي، بما في ذلك من خلال الاستثمارات في خدمات مثل الرعاية الصحية والتعليم. ومن الأهمية بمكان أيضاً ألا يفقد القطاع العائلي وقطاع الشركات القدرة على الحصول على الخدمات المالية التي تدعم النمو الاقتصادي الذي تمت استعادة القدرة على تحقيقه، والقدرة على الصمود في وجه الصدمات الاقتصادية. وسيساعد النجاح في مواجهة هذه المخاطر على الحد من الأضرار التي تلحق بنواتج عملية التنمية والحفاظ على الزخم من أجل "تخضير" الاقتصاد العالمي لمكافحة تغير المناخ.