على عجالة، جمعت نهى قطع مصوغاتها من معدن الذهب، بعدما وصلت مؤشرات سعره إلى أعلى مستوى له في قطاع غزة. فقد قررت بيع ما تملك من قطع ثمينة لعلها تحقق هامشاً من الربح.
في سوق الصاغة، الذي يعرف محلياً بـ"القيسارية"، وصل سعر الأونصة إلى نحو 1982 دولاراً، بينما ثمن غرام الذهب نحو 71 دولاراً أميركياً عند الشراء، وينخفض عند البيع إلى 55 دولاراً. ويعد هذا السعر الأعلى منذ 25 عاماً، في حين كان متوسطه قبل التغيرات العالمية نحو 55 دولاراً عند الشراء و45 دولاراً لدى البيع.
التوقيت الأفضل للبيع
وعادة، ينخفض سعر الذهب في قطاع غزة إلى ما دون السعر العالمي، وينخفض مستوى الدمغ، إذ تتجاوز الأونصة في الأسواق الدولية حاجز 2000 دولار. ويعود السبب في ذلك إلى مدى سماح إسرائيل بتصدير الذهب من غزة إلى الضفة الغربية.
وتقول نهى إنها منذ بدء النزاع العسكري بين روسيا وأوكرانيا، وهي تراقب برفقة زوجها الأسعار اليومية للمعادن الثمينة في أسواق قطاع غزة، وعندما وصلت إلى أعلى مستوياتها قررت بيع مصوغاتها من الذهب.
تملك نهى مصوغات وزنها نحو 130 غراماً من الذهب، وباعتها بمبلغ 9200 دولار أميركي، فيما كانت اشترتها بمبلغ 4200 دولار أميركي قبل أربع سنوات. ومثل نهى تقدم معظم نساء غزة على بيع مصوغاتهن بعد ارتفاع سعر الذهب جراء التطورات في الساحة الدولية.
ووفقاً للبيانات المتوافرة، فإنه خلال فبراير (شباط) المنصرم ومارس (آذار) الحالي، باع نحو 22 ألف مواطن في غزة مدخراتهم من الذهب. ويعد هذا الرقم الأكبر منذ سنوات. لكن المدير العام لمديرية المعادن الثمينة في وزارة الاقتصاد، جمال مطر، يقول إن هذه الأرقام غير دقيقة بالنسبة إلى الجهات الحكومية.
وتعتقد نهى أن ارتفاع سعر الذهب فرصة يجب استثمارها، خصوصاً أنه لم يشهد وصول غرام الذهب إلى 71 دولاراً منذ سنوات طويلة. لكن وزارة الاقتصاد في غزة ترى أن هذا التفكير خاطئ ويجب على السكان الاحتفاظ بالمصوغات بدل بيعها.
في الواقع، تنوعت دوافع سكان غزة من وراء بيع الذهب، إذ يرغب بعضهم في تحقيق الربح، بينما تدفع الحاجة إلى المال جزءاً آخر للبيع، وآخرون يرغبون في فتح مشاريع استثمارية من الأرباح التي يحققونها عند بيع المعدن الأصفر.
لا نصيحة للبيع
يؤكد مطر أن إدارته "لاحظت نشاطاً لحركة بيع الذهب، لذلك حذرت المواطنين من هذه العملية التي تعد مخاطرة، خصوصاً أن الذهب يعد ملجأً آمناً للأشخاص أكثر من العملات الورقية التي تتغير قيمتها". وينصح الناس بشراء المعدن الأصفر وإن ارتفعت أسعاره.
ويوضح مطر أن "السوق المحلية في غزة لن تشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار كما الأسواق العالمية، وسيبقى ارتفاع ثمن الذهب محدوداً، كون السوق الفلسطينية مغلقة بخلاف الأسواق العالمية المفتوحة، وبالتالي التأثير محلياً يكون ضعيفاً".
وعلى الرغم من إقبال السكان على البيع فإن هناك حركة شراء جيدة على الذهب، حسب رئيس نقابة العاملين في صناعة وتجارة الذهب والفضة والمجوهرات في قطاع غزة، محمود حمادة، الذي يضيف أن "كثيرين من أصحاب رؤوس الأموال والمواطنين لجأوا إلى شراء الذهب وبيعه خلال الأسبوعين المنصرمين، واستغلوا التقلبات السريعة في الأسعار في ظل التوتر العالمي".
وبالعادة، تسمى أشهر فبراير ومارس وأبريل (نيسان) في قطاع غزة، بأشهر العرائس، ففي تلك الفترة ترتفع معدلات الزواج في فلسطين، وتعد هذه الفترة موسماً مهماً للتجار يشتري خلاله المواطنون الذهب، لكن هذا العام انقلبت الآية فأصبحت موسماً لشراء التجار الذهب من المواطنين، وفقاً لما يقول حمادة.
ويشير إلى أن هذا الوقت من العام يشهد إقبالاً من العرسان لشراء الذهب، لكنهم مع ارتفاع سعره يؤجلون عملية الشراء، ويأملون انتهاء الأزمة ليعود سعر الذهب إلى سابق عهده، وهذا لن يحصل خلال الفترة الحالية في الأقل.
انخفاض في استيراد الذهب
ورأت وزارة الاقتصاد الفلسطينية أن كميات الذهب الواردة إلى مديرية المعادن الثمينة لدمغها، انخفضت خلال فبراير الماضي، بنسبة ستة في المئة، مقارنة مع الشهر ذاته من العام المنصرم، وأن نسبة شراء التجار الذهب من المواطنين خلال مارس الحالي تعد الأعلى، ولم يشهد لها مثيل منذ عام 2009، وهي تغطي الحاجات السنوية للسوق المحلية من الذهب.
ويقول مطر إنه خلال الأشهر الثلاثة الماضية تدمغ مديرية المعادن الثمينة 110 كيلوغرامات كل شهر، وهذه الكمية متقاربة مع السنوات الماضية، على الرغم من تأثر السوق الفلسطينية بالتغير العالمي.
ويضيف مطر، "يتم تداول نحو عشرة أطنان من الذهب سنوياً في الأسواق الفلسطينية، سواء عبر الاستيراد أو البيع والشراء".
وتسمح إسرائيل لنحو سبعة تجار ببيع الذهب من غزة إلى الضفة. وبحسب مطر، فإن غزة تصدر شهرياً إلى الضفة 111 كيلوغراماً، وهي الكمية الأقل منذ سنوات.