حتى الأثرياء قد يحتاجون إلى كبح جماح الإنفاق مع تذبذب الاقتصاد العالمي. فهل بدأت الطبقة المتوسطة العليا والمتسوقون الأثرياء يشعرون بالضيق من ارتفاع الأسعار والمخاوف الجيوسياسية؟ إذا كان الأمر هكذا، فماذا يعني ذلك لبقية المستهلكين؟ حيث كشف تقرير حديث، أن تقلب سوق الأسهم والتضخم والمخاوف بشأن ارتفاع أسعار الفائدة قريباً، قد يؤدي إلى إبطاء جميع أجزاء الاقتصاد- حتى الطلب على السلع الكمالية.
غاري فريدمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أر أتش"، للأثاث الراقي، قال في بيان حول تفاصيل أرباحه خلال الأسبوع الماضي: "شهدنا تراجعاً في الطلب خلال الربع الأول الذي تزامن مع الحرب الروسية في أوكرانيا أواخر فبراير (شباط) الماضي وتقلب السوق بعدها". وأضاف: "لا أعتقد أن أي شخص يفهم حقاً كيف ستذهب الأسعار المرتفعة في كل مكان، في المطاعم والسيارات وكل شيء"، منوهاً بأن تلك الزيادات ستضر بجميع المستهلكين، وأن الشركات مثل شركته ستكون في "وضع صعب".
"فاو" تحذر من ارتفاعات جديدة
في الوقت نفسه، قال جوزيف شميدهوبر، نائب مدير قسم الأسواق والتجارة بمنظمة الأغذية والزراعة "فاو"، إن مؤشر المنظمة لأسعار الغذاء قد سجل قفزة هائلة إلى أعلى مستوى له على الإطلاق في شهر مارس (آذار) الماضي، وذلك منذ إنشائه عام 1990. وأوضح أن المؤشر سجل زيادة بنسبة 12.6 في المئة عن شهر فبراير (شباط) الماضي، حيث عكست الزيادة الأخيرة أعلى المستويات على الإطلاق لمؤشرات الزيوت النباتية والحبوب واللحوم في حين ارتفعت أيضاً مؤشرات السكر ومنتجات الألبان بشكل ملحوظ.
ولفت مسؤول المنظمة الدولية، إلى أن متوسط مؤشر الفاو لأسعار الحبوب سجل زيادة نسبتها 17.1 في المئة عن فبراير، حيث عكست الزيادة ارتفاع الأسعار العالمية للقمح والحبوب الخشنة مدفوعة إلى حد كبير بالصراع وتعطل الصادرات من أوكرانيا، وبدرجة أقل من الاتحاد الروسي.
وذكر أن الخسارة المتوقعة للصادرات من منطقة البحر الأسود أدت إلى تفاقم التوفر العالمي المحدود بالفعل للقمح. ونوه إلى أنه مع المخاوف بشأن ظروف المحاصيل في الولايات المتحدة الأميركية فقد ارتفعت أسعار القمح العالمية بشكل حاد في مارس.
تقلبات غير مسبوقة
وتراجعت أسهم "أر أتش"، التي تمتلك "بيرك شاير هاثاوي"، ويمتلك الثري الأميركي وارن بافيت، حصة فيها، وذلك بسبب التعليقات الحذرة والتوقعات الأضعف. كما بدأت الشركات الأخرى التي تقدم خدماتها للمستهلكين الأكثر ثراء في التحذير من أن الطلب قد يتأثر بكل العناوين الرئيسة المثيرة للقلق.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "بي في أتش"، ستيفان لارسون: "تشهد السوق تقلباً غير مسبوق من التأثيرات المتزايدة لعدد من تحديات الاقتصاد الكلي والجيوسياسية... وتشمل هذه الحرب في أوكرانيا إضافة إلى الضغوط التضخمية، التي تؤثر على كل من أعمالنا التجارية والإنفاق الاستهلاكي الإجمالي".
وأوضح لارسون، أن الشركة "ستواصل مواجهة الرياح المعاكسة للوباء، لا سيما سلسلة التوريد والتأخيرات اللوجيستية، بخاصة في أميركا الشمالية، إضافة إلى عودة ظهور الفيروس في آسيا". لكن بعض محللي "وول ستريت"، ما زالوا متفائلين بأن الشركات الفاخرة ستستمر في العمل بشكل جيد.
زاكاري وارينج، المحلل في "سي أف آر أي"، قال: "يجب أن تتفوق العلامات التجارية الفاخرة في الأداء، حيث من المرجح أن تستمر في امتلاك قوة التسعير، والتي ستحافظ على ارتفاع هوامش الربح، ويمكن أن تشهد تعزيزاً إذا عاد السفر الدولي إلى مستويات ما قبل الوباء".
شهية جيدة
في الوقت نفسه، هناك ما يبرر القلق بشأن تباطؤ كبير في الولايات المتحدة. يقول إروان رامبورغ، الرئيس العالمي لأبحاث المستهلكين والتجزئة في "أتش أس بي سي"، في تقرير الأسبوع الماضي: "نحن لا نشتري السيناريوهات القاتمة للرفاهية حتى الآن... لقد فوجئنا بسماع بعض الحديث عن سيناريوهات انخفاض حاد في المبيعات في الولايات المتحدة، بالنظر إلى استمرار وجود دليل على وجود شهية جيدة للعلامات التجارية الفاخرة".
وأشار رامبورغ، إلى أن "أل في أم أتش" عملاق السلع الفاخرة الذي اشترى "تيفاني" في أوائل العام الماضي ويمتلك أيضاً "لويس فويتون وديور"، يجب أن يثير إعجاب المستثمرين عندما يعلن أرباحه في وقت لاحق من هذا الشهر. يقول رامبورغ، إن المبيعات في معظم أنحاء العالم يجب أن تكون قوية، باستثناء الصين بشكل ملحوظ.
رامبورغ لم يستبعد أيضاً إمكانية حدوث تراجع اقتصادي في السوق العالمية مما أدى في النهاية إلى تضرر مبيعات السلع الفاخرة. وقال في التقرير، إن الركود والانخفاض الحاد في أسعار الأسهم والصراع المطول في أوكرانيا هي المخاطر الرئيسة التي تواجه الشركات الاستهلاكية الراقية.