بعد تحذيرها من خطر التداول بالعملات الرقمية في عام 2017، تجدد السلطات المالية المغربية حظرها التداول بتلك العملات، بدعوى غياب حماية المتاجرين فيها في حال الخسارة، إضافة إلى التأثير الكبير لتقلبات سعرها على السوق المالية وعلى المجال الاقتصادي، وكذلك إمكان استخدامها في المجالات غير المشروعة.
خصوصيات
وأوضح أحمد وزاني الأستاذ المحاضر في الاقتصاد النقدي والمالي أن العملة الافتراضية أو العملة المشفرة هي وحدة حساب لا مركزية، أنشئت من قبل مجموعة من الأشخاص الذاتيين او الاعتباريين، اعتماداً على تقنية "بلوك تشين"، مضيفاً أن العملة الافتراضية يتم تداولها عبر الإنترنت فقط، بالتالي لا توجد في شكل عملات معدنية أو ورقية، مذكراً أنه توجد اليوم أكثر من 5000 عملة، منها "بيتكوين" التي تعتبر الأكثر نجاحاً، والتي يتم تداولها في سوق غير منظمة، وليس لها سعر رسمي، ووصلت قيمتها إلى 69 ألف دولار أميركي في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وأشار الخبير المالي إلى أن هذه العملات الافتراضية، التي أصبحت محط اهتمام كبير للعديد من المؤسسات والأشخاص على الصعيد الدولي، وحتى الوطني، قد لا تكون مناسبة لمن ليست لهم دراية كافية بالتكنولوجيا، وليست لهم ميول للمجازفة نظراً لتقلباتها العالية في السوق الدولية.
دواعي الحظر
وأعادت السلطات المالية المغربية التأكيد على منع التداول بالعملات الرقمية، بهدف حماية الاقتصاد الوطني بشكل عام وكذلك المتاجرين بها من تقلبات أسعارها الدائمة، وشدد مكتب الصرف على أن "المعاملات بهذه النقود الافتراضية يشكل مخالفة لقانون الصرف الجاري به العمل، ويعرض مرتكبيها للعقوبات والغرامات المنصوص عليها في النصوص ذات الصلة"، داعياً إلى "الاحترام التام لمقتضيات قانون الصرف الجاري بها العمل، والتي تنص على أن المعاملات المالية مع الخارج يجب أن تتم عن طريق المصارف المعتمدة بالمغرب، وبواسطة العملات الأجنبية المعتمدة من طرف بنك المغرب".
وأوضح أحمد وزاني أنه نظراً لطبيعة العملات المشفرة، فإن وزارة الاقتصاد والمالية، وبنك المغرب، والهيئة المغربية لسوق الرساميل، قامت منذ 2017 بحظر استخدام العملات الافتراضية، نظراً لنقص حماية المستهلك، وذلك لعدم وجود حماية تنظيمية لتغطية الخسائر في حال فشل منصات تداول العملات الافتراضية، إضافة إلى غياب إطار قانوني لحماية مستخدمي العملات الافتراضية في المعاملات التجارية، وبخاصة في حال السرقة أو الاختلاس، وكذلك لتقلب سعر صرف هذه العملات الافتراضية مقابل العملة القانونية، إذ قد يتغير السعر بشكل كبير صعوداً أو هبوطاً، في وقت قصير لا يمكن التنبؤ به، الأمر الذي قد يؤدي لتقلبات كبيرة في السوق المالية، وينعكس أثره على الأنشطة الاقتصادية المنتجة، يضاف لتلك الأسباب استخدام هذه العملات لأغراض غير مشروعة أو إجرامية، وعلى وجه الخصوص غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إضافة لعدم الامتثال للأنظمة المعمول بها، لا سيما تلك المتعلقة بتنظيم الأنشطة بأسواق رؤوس الأموال وتشريعات الصرف الأجنبي.
وأكد الخبير المالي على كون مسألة فقدان السيادة المالية تبقى من أهم الأسباب الحقيقية وراء منع هذه العملات، على اعتبار أن السلطات المالية (بخاصة بنك المغرب) ستفقد آلية من أهم آليات تأكيد السيادة السياسية والاقتصادية عن طريق سك العملة وتمويل الاقتصاد الوطني، اعتماداً على منظومة نقدية ومالية يلعب فيها البنك المركزي والنقود الورقية الرسمية دوراً محورياً.
العملات الرقمية تجذب المغاربة
وأشارت إليزابيث روسيلو، الرئيسة التنفيذية المؤسسة لشركة "AZA Finance" العالمية للتكنولوجيا المالية، إلى أن القارة الأفريقية تعد موطناً لثاني أكبر سوق لعملة "بيتكوين"، حيث نمت سوق التشفير بأكثر من 100 مليار دولار في العام الماضي، موضحة أنه وفقاً لـ "تقرير أفريقيا" الصادر في سبتمبر (أيلول) 2021، وصلت سوق التشفير في القارة إلى مرحلة بارزة عندما حقق المتداولون في جنوب الصحراء الكبرى أكثر من 80 مليون دولار من حيازة العملة المشفرة، موضحة أن "المغرب يحتل مرتبة جيدة، ولديه أعلى نسبة من السكان الذين يتداولون العملات المشفرة، ويملك 2.5 في المئة من مواطنيه نوعاً من أنواع العملة الرقمية".
ولفت الخبير المالي وزاني إلى أن تقديرات استخدام المغاربة هذه العملات تشير إلى حوالى 0.9 مليون شخص، أي 2.4 في المئة من إجمالي سكان البلاد، يمتلكون حالياً عملات مشفرة، وفقاً لتقرير نشرته منصة "Triple A" المتخصصة في الأبحاث عن العملات المشفرة، مؤكداً أنه على الرغم من الحظر الرسمي الذي فرضته السلطات المالية الوصية على استخدام العملات المشفرة منذ عام 2017، فإن المغاربة يسعون للتعامل بهذه العملات، وسجل المغرب حجم تداولات بعملة "بيتكوين" قدره ستة ملايين دولار أميركي، وهو الأعلى في شمال أفريقيا، مضيفاً أنه "وفقاً لهذه الدراسة، فإن المملكة المغربية تحتل المرتبة الرابعة في القارة الأفريقية، بعد نيجيريا وجنوب أفريقيا وكينيا، ما يؤكد تطلع المغاربة وانفتاحهم على تداول العملات المشفرة، ووصل حجم التداولات إلى ما يقارب 2.18 مليون درهم مغربي (ما يفوق 200 ألف دولار) عام 2020".
ضرورة التقنين
وأمام تنامي أعداد المغاربة المتداولين في مجال العملات الرقمية، لم يعد أمام السلطات المالية المغربية سوى البحث عن التأطير القانوني لهذا المجال، وأشار أحمد وزاني إلى أنه "أمام هذا الوضع، فإن بنك المغرب (البنك المركزي)، مثل عدد من البنوك المركزية في العالم، وبدعم وتوجيه من صندوق النقد والبنك الدوليين، يعمل على التفكير في إنشاء ما يسمى بالبنك المركزي الرقمي، وأضحى جلياً أن المصارف المركزية ستقوم بإصدار هذا النوع من العملات، ما يسمى أيضاً العملة الأساسية الرقمية"، مشدداً على ضرورة قيام السلطات المالية الوصية المغربية بتحديث التشريع المغربي، بهدف وضع إطار عمل ملائم يحدد العملات المشفرة والتقنيات المصاحبة لها، إضافة إلى وضع تعريف قانوني للأنشطة المتعلقة بها، بخاصة أن عالم العملات المشفرة واسع للغاية وفي تطور دائم، ما يتطلب تأطيراً جيداً لمكوناته المختلفة، وقال إنه يجدر التذكير أنه في عالم العملات المشفرة، لا شيء ممنوعاً، باعتبار أن التكنولوجيا تجعل من الممكن التحايل إلى حد كبير على الحظر، لذلك، من الأفضل التنظيم وكسب إيرادات جديدة، بدلاً من حظر استخدامها وفقدان مكاسب مالية مهمة، لا سيما أن العديد من المغاربة الذين يتعاملون بهذه العملات المشفرة فضلوا مغادرة البلاد بعد تحقيقهم أرباحاً تقدر بملايين الدولارات، خوفاً من فقدان هذه المكاسب الثمينة.
واعتبر الخبير المالي أنه إذا كان الإطار التنظيمي على الصعيد المحلي غير مؤات للتعامل بهذه العملات المشفرة، فإن العالم يشهد انفجاراً في التمويل اللامركزي الذي تحول في ظرف وجيز لصناعة مالية دولية كاملة الأركان والمعالم وجد مزدهرة وواعدة، تتعامل بتريليونات الدولارات، وهي الآن في بحث مستمر عن أسواق جديدة تمكنها من الازدهار.