هبط سعر صرف العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، الأسبوع الماضي، بنسبة نحو 1 في المئة مقابل الدولار بعد قرار البنك المركزي الأوروبي في اجتماعه نهاية الأسبوع، الإبقاء على سعر الفائدة كما هو، واستمرار برنامج التيسير الكمّي (شراء البنك للأصول، بخاصة سندات الدين) خلال الربع الثاني من العام الحالي.
وانخفض سعر صرف اليورو إلى 1.08 دولار في نهاية تعاملات الأسبوع للمرة الأولى منذ شهر مايو (أيار) 2020. وبذلك، يفقد اليورو حتى الآن 5 في المئة من قيمته هذا العام، تضاف إلى هبوطه بنسبة 6.9 في المئة العام الماضي.
البنك المركزي الأوروبي تردد في أن يحذو حذو الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي وبنك إنجلترا (المركزي البريطاني) في تشديد السياسة النقدية بوقف برنامج التيسير الكمّي، الذي بدأ العام قبل الماضي مع أزمة وباء كورونا، والبدء برفع سعر الفائدة في دول منطقة اليورو. وقرر البنك الأوروبي الإبقاء على سعر الفائدة قرب الصفر كما هو، والاستمرار في برنامج شراء الأصول الذي تبلغ قيمته 5.3 تريليون دولار (4.9 تريليون يورو). ويبدو أن البنك يخشى أن يؤدي تشديد السياسة النقدية إلى الإضرار أكثر بفرص النمو في منطقة اليورو، التي تشير التوقعات إلى انكماشها بسبب الحرب في أوكرانيا.
التضخم والنمو
رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، اعترفت بما وصفته "زيادة المخاطر السلبية على توقعات النمو في الأشهر المقبلة نتيجة الحرب في أوكرانيا". وأضافت أن معدلات التضخم في دول منطقة اليورو ستظل مرتفعة في الأشهر المقبلة، بسبب صعود أسعار الطاقة خصوصاً. كما أشارت إلى أنه "من المحتمل أن تكون دول منطقة اليورو أكثر عرضة للمخاطر، وأن تعاني تبعات أشد للحرب في أوكرانيا" من الولايات المتحدة وغيرها من المناطق في العالم.
وكانت الأسواق تتوقع أن يقرر اجتماع "المركزي الأوروبي" موعداً محدداً قريباً لإنهاء برنامج التيسير الكمّي، وربما البدء برفع سعر الفائدة بنسبة 0.25 في المئة، بخاصة أن معدلات التضخم في منطقة اليورو وصلت إلى 7.5 في المئة في مارس (آذار) الماضي. وتشير التوقعات إلى تضاعف معدلات التضخم في المتوسط لهذا العام ربما ثلاث مرات أكثر من المعدل الذي يستهدفه البنك عند 2 في المئة. وكانت التوقعات السابقة للبنك قبل حرب أوكرانيا أن يرتفع متوسط معدل التضخم خلال 2022 إلى 3 في المئة، والآن سيزيد هذا المعدل إلى أعلى مستوى له في 13 عاماً، ليصل إلى 6 في المئة بالمتوسط السنوي للعام الحالي.
المحللون في بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري أشاروا إلى أن "الصدمة في جانب الإمداد والتوريد أدت إلى صعوبة موازنة قرار مجلس المحافظين (للبنك المركزي الأوروبي)، بخاصة في ظل توقعات النمو الضعيف جداً وارتفاع معدلات التضخم". في حين دافعت لاغارد عن قرار البنك، الذي جاء مخالفاً لتقديرات الأسواق، مشيرة إلى أن "آخر ما يمكننا توقعه أو القيام به هو المخاطرة بالتخلي عن المستوى المستهدف (لمعدلات التضخم)"، في إشارة منها إلى أن البنك معني بمواجهة معدلات التضخم أكثر من قلقه بشأن أرقام النمو الاقتصادي المتردية. وقالت، "سنتعامل مع رفع سعر الفائدة حين نصل إلى ذلك الأمر". وهو ما ترك الأسواق في حيرة من أمرها حول ما إذا كان البنك الأوروبي سيبدأ رفع سعر الفائدة في اجتماعه في يونيو (حزيران) المقبل، أو أن على السوق الانتظار حتى سبتمبر (أيلول) قبل أن تبدأ أسعار الفائدة في دول منطقة اليورو بالارتفاع عن الصفر.
مخاطر أوروبية أكبر
على الرغم من إشارة كريستين لاغارد إلى أن أوروبا ستعاني اقتصادياً أكثر من الولايات المتحدة وغيرها من تبعات الحرب في أوكرانيا، فإن تردد البنك المركزي الأوروبي في تشديد السياسة النقدية يعكس، ليس فقط القلق من الإضرار بفرص النمو الاقتصادي في أوروبا، وإنما أيضاً عدم الوضوح لجهة تقدير التأثير النهائي للحرب في الاقتصاد الأوروبي.
في المسح الأخير للبنك المركزي الأوروبي حول توقعات الاقتصاديين لمعدلات التضخم، تبدو الصورة أقل قتامة مما ترجّحه الأسواق وتظهر مؤشراته في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وغيرها. كما أن زيادة معدل التضخم في دول منطقة اليورو للشهر الماضي عند 7.5 في المئة، وإن جاء أعلى من نظيره في الاقتصاد البريطاني، الذي سجل ارتفاعاً بنسبة 7 في المئة، يظل أقل من نظيره الأميركي، الذي ارتفع الشهر الماضي بنسبة 8.5 في المئة.
لكن بنك إنجلترا بدأ رفع سعر الفائدة حتى قبل الاحتياطي الفيدرالي، ورفعها مرتين الآن، كل مرة بربع نقطة مئوية، أي زيادة بنسبة 0.5 في المئة. لكنه عاد وقرر التروي قبل الإسراع في معدل وحجم الزيادة في ظل انعدام نمو الاقتصاد البريطاني تقريباً بعد الحرب في أوكرانيا، واحتمال أن ينكمش ليدخل في ركود.
كذلك، رفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة بالمعدل ذاته، وتتوقع الأسواق أن يكون أكثر تشدداً في اجتماعه، في مايو المقبل، ويقرر رفع الفائدة الأميركية بمقدار نصف نقطة مئوية (0.5 في المئة)، ويكرر ذلك مرات ثلاث على الأقل. إلا أن مخاوف تباطؤ الاقتصاد الأميركي واحتمالات الركود أيضاً ربما تحد من سرعة وحجم الزيادة في أسعار الفائدة.