عقب تضارب الأنباء عن عزم البرلمان الإيراني فتح تحقيق في بيع المشتقات النفطية بثمن بخس، قطع جليل سالاري مساعد وزير النفط المدير التنفيذي للشركة الوطنية لتكرير وتوزيع المشتقات النفطية الشك باليقين، وأكد أن سعر صادرات البنزين خلال جائحة كورونا لم يبلغ ثلث سعر البنزين المدعوم من قبل الحكومة داخل البلاد.
وكشف سالاري الثلاثاء قبل الماضي في مؤتمر صحفي، عن تضرر 4 من كبرى الشركات الوطنية في قطاع النفط بسبب بيع المشتقات النفطية بأسعار زهيدة دون الاهتمام بتوسعة المخازن اللازمة في هذا القطاع طيلة العقد الماضي.
من جانبه، أوضح المتحدث باسم لجنة الطاقة البرلمانية مصطفى نخعي، أن اللجنة تلقت تقارير عن بيع المشتقات النفطية بأسعار زهيدة خلال عام 2020 ما أدى إلى مطالبة نواب البرلمان بفتح تحقيق في الملف.
ونقلت الصحافة الناطقة بالفارسية عن نخعي قوله، إن سعر البنزين المُصدّر للخارج كان قد تراجع إلی أقل من سعر إنتاجه، مضيفا أن "الحكومة السابقة كانت فيما يبدو تسعى لرفع حجم صادرات البنزين مهما كلفها الأمر، ما أدى إلى تضرر صناعة النفط الوطنية".
وكانت الحكومة الإيرانية قد رفعت أسعار البنزين عام 2019 بنسبة 50% حتى حصة 60 لترا في الشهر، وبنسبة 300% لمن يتجاوز الحصة الشهرية التي تدعمها الدولة، ما أثار احتجاجات شعبية واسعة في كبرى المدن الإيرانية.
أعلن المتحدث باسم الجمارك الإيرانية روح الله لطيفي، أن بلاده قامت بتصدير 5 ملايين و300 ألف لتر من البنزين يوميا خلال العام الإيراني الماضي (انتهى في 20 مارس/آذار الماضي) بسعر 38 سنتا للتر.
وأوضح لطيفي، للجزيرة نت، أن حجم صادرات البنزين خلال العام الماضي بلغ مليونا و934 ألفا و567 طنا بقيمة 732 مليونا و66 ألفا و638 دولارا، في حين كان حجم صادرات إيران من البنزين عام 2019 قد تجاوز 7 ملايين و800 ألف طن، بقيمة أكثر من مليارين و900 مليون دولار.
واستدرك لطيفي بأن الأعداد الحقيقية لحجم وقيمة الصادرات الإيرانية تفوق 20% من الإحصاءات المعلنة، وذلك بسبب النفقات الباهظة التي تسددها طهران لنقل البضاعة جراء العقوبات الأميركية على صادرات النفط الإيراني ومشتقاته.
وتشير إحصاءات الجمارك الإيرانية إلى ارتفاع حجم صادرات البنزين عقب الأزمة الروسية الأوكرانية إلى 630 مليونا و878 ألفا و839 لترا (بنسبة 33%) خلال شهر مارس/آذار الماضي، في حين شهدت الأسعار زيادة بنسبة نحو 10% مقارنة مع فبراير/شباط الماضي.
أشار لطيفي إلى العقوبات الأميركية الرامية إلى تصفير صادرات النفط الإيراني عام 2019، وقال إن الحكومة كانت مضطرة لتحويل النفط إلى مشتقات مرغوبة مثل البنزين وبيعها في الأسواق الخارجية، ورغم الصعوبات التي واجهتها طهران في تصدير النفط الخام فإنها لم تتوقف نهائيا.
وأضاف أن إيران تحولت خلال السنوات الماضية من مستورد للبنزين إلى مصدر لهذه المادة الإستراتيجية، وأن صادرات البنزين شكّلت نحو 9% من صادرات البلاد غير النفطية عام 2019.
وعقب انسحاب الإدارة الأميركية عام 2018 من الاتفاق النووي الإيراني، أدت العقوبات إلى تراجع كبير في صادرات النفط الإيراني لكن السلطات الإيرانية اعتبرت التقارير العالمية عن تراجع صادراتها إلى نحو 500 برميل يوميا كاذبة، وامتنعت عن بيان حجم صادراتها على اعتبار أن الكشف عن الأرقام لا يصب في مصلحة البلاد.
ويرى مراقبون في إيران أن العقوبات الأميركية أرغمت طهران على بيع النفط ومشتقاته في السوق الرمادية بأسعار منخفضة جدا لإفشال سياسة الضغوط القصوى والالتفاف على العقوبات النفطية.
من ناحيته، يشير عالم الاقتصاد الإيراني بهمن آرمان، إلى أن سياسة مشبوهة وراء بيع الثروات الوطنية بأسعار زهيدة إلى بعض الأطراف الأجنبية، موضحا أن بلاده تنتهج سياسة خاطئة في قطاع النفط منذ سنوات عديدة حالت دون توسعته وتأخره عن الحركة التنموية التي شهدتها صناعة النفط في الدول الخليجية.
وأشار آرمان -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن بلاده اعتمدت على بعض الوسطاء في بيع نفطها ومشتقاته من أجل الالتفاف على العقوبات الأميركية، موضحا أن الأرقام المعلنة لا تعني بالضرورة سعر البنزين الذي تم تصديره وإنما ما تم استلامه من الأطراف الوسيطة.
ونفى أن تكون حاجة البلاد إلى العملة الصعبة سببا وراء بيع البنزين بأسعار أقل من سعر الاستهلاك الداخلي، مؤكدا أن الشعبوية التي لطالما شجعت تهريب الوقود طيلة السنوات الماضية هي السبب الأساس وراء التفريط بالثروات الوطنية جراء عدم تطوير قطاع النفط وتعطيل بعض المشاريع التنموية التي كانت قد انطلقت فيه.
ولعل أحد الأسباب وراء بيع النفط الإيراني بأسعار زهيدة، العجز الذي يعاني منه قطاع النفط في تجهيز المخازن الحديثة خلال السنوات الماضية ما يدفع الشركة الوطنية لتكرير وتوزيع المشتقات النفطية إلى بيع الفائض منه سريعا، وفق جليل سالاري مساعد وزير النفط الإيراني.