تباينت وجهات نظر الخبراء والأكاديميين حول الحالة المستقبلية للدولار الأميركي، فبينما يقول البعض إنه سيضعف تدريجيا أو إن ضعفه سيتسارع يقول آخرون إنه سيظل قويا حتى إنه سيصبح العملة الدولية الوحيدة المستقرة المتداولة.
ويقول الكاتب هي جان في مقال بموقع "مودرن ديبلوماسي" (Modern Diplomacy) إن العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا كان لها تأثير في النظم الاقتصادية والتجارية والمالية العالمية على نحو أثار مخاوف في السوق والأوساط الأكاديمية بخصوص تعديل النظام المالي العالمي، وأضاف أن أحد القضايا الرئيسة التي تخضع للمناقشة هي حالة الدولار الأميركي.
وأشار إلى أن غيتا غوبيناث النائبة الأولى للمدير العام لصندوق النقد الدولي حذرت من أن هذه العقوبات قد تضعف تدريجيا دور الدولار الأميركي في العالم، وذلك سيؤدي إلى مزيد من تفتت النظام النقدي الدولي.
وقال محللون مثل كريستينا تيساري، الخبيرة الاقتصادية في بنك "غولدمان ساكس"، إن تصرفات واشنطن وحلفائها لتجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي من النقد الأجنبي أثارت مخاوف من أن الدول قد تشرع في التخلص من الدولار بسبب المخاوف بشأن القوة التي يمكن أن تحشدها أميركا جراء هيمنة العملة
وقال كينيث روغوف، أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، في مقابلة مع بلومبيرغ، إن هيمنة الدولار قد تنتهي في غضون 20 عاما، والسبب هو أن "تسليح الدولار" سيحفز تسريع الحلول البديلة من قبل الدول الأخرى، مضيفا أن قوة العقوبات على روسيا قد تؤدي إلى تسريع التغييرات في النظام المالي الدولي للتنافس مع الدولار الأميركي.
وقال روغوف إنه في حين أن هذا لن يحدث بالتأكيد بين عشية وضحاها، فإن ما كان يمكن أن يستغرق 50 عاما قد يستغرق الآن 20 عاما فقط لتحقيقه
يبدو أن هذا السرد مدعوم بتغيرات البيانات في وضع الدولار في الأسواق العالمية. ووفقا لأحدث بيانات تكوين العملات لاحتياطيات النقد الأجنبي الرسمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي، بلغت احتياطيات العملات الأجنبية العالمية المقومة بالدولار الأميركي 7087 تريليون دولار أميركي في الربع الرابع من عام 2021، مع حصة سوقية بلغت 59.15% في الربع الثالث كانت قد انخفضت إلى 58.81%، وبلغت حصة الدولار من العملة الاحتياطية العالمية 72% في مطلع القرن
في المقابل، يرى الخبير تشان كونغ أن استمرار الوضع العالمي في اتجاه التنمية الحالي سيبرز الدولار الأميركي في العالم، وإذا لم تكن هناك تقلبات في أسعار الصرف ناتجة عن التضخم أو الطوارئ فسيكون الدولار الأميركي في وضع فريد عند مقارنته بالعملات الرئيسة في العالم.
ويكمن الاختلاف بشكل أساسي في تنوع الآراء حول تأثير الحدث الجيوسياسي للحرب في أوكرانيا، إذ يعتقد البروفيسور روغوف أن الدولار قد انخفض من حيث حجم السوق، وأن بدائل جديدة للعملات ستظهر، وذلك يضعف مكانة الدولار.
ومع ذلك، يعتقد تشان كونغ أن بدائل الدولار الأميركي لا يمكن أن تنجح لأن سوق هذه البدائل ضعيفة، واقتصادها الاجتماعي مضطرب، وبعضها لا يزال في مناطق الحروب. لهذه الأسباب، سيظل الدولار الأميركي قويا، حتى إنه سيصبح العملة الدولية الوحيدة المستقرة المتداولة. وبوجه عام، تضطلع العوامل الجيوسياسية بدور مهم في العملات العالمية، وسيدعمها الدولار
تشان كونغ أشار في في مقال له بعنوان "الاستعداد لعصر النقص الاقتصادي" إلى أنه خلال فترة من عدم اليقين الاقتصادي قد تكون دول المحور الأنجلو-أميركي ملاذات أكثر أمانا في مواجهة الاضطرابات الجيوسياسية، ويعتقد أنه بمجرد حل الحرب الجيوسياسية في أوروبا ستظهر البلدان البحرية واقتصاد القارة الأميركية من جديد
ومن منظور النمط المكاني للعالم، تكون الصراعات والسباقات أكثر حدة في المنطقة القارية من العالم، أي المنطقة القارية حيث توجد أوروبا وروسيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى والصين والهند. وسيكون من الصعب إنشاء مناطق عازلة بينها، ومن ثم هناك تصادمات مباشرة مع بعضها.
وفي المقابل يقع الموقع الجغرافي للمحور الأنجلو-أميركي وسط المحيط، وتربط طرق المحيط الأطلسي والمحيط الهادي القارة الأميركية بعدد كبير من البلدان الجزرية والمناطق ذات الأحجام المختلفة، وغالبا ما تكون هناك انقسامات محيطية بينها.
وتاريخيا ونسبيا، توجد عداوات أقل حدّة بين هذه الأجزاء من العالم، وهي تعتمد على بعضها تجاريا. لذلك، ففي حين أن المناطق القارية تشهد اضطرابات عنيفة فإن لدى المحور الأنجلو-أميركي والدول البحرية والأميركيتين فرصًا أكثر بروزا للتنمية والتمتع برخاء أكبر من ذي قبل