تتجه الشرطة البريطانية إلى اعتماد سياسة قريبة من سياسة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في عام الرمادة الذي كان عام مجاعة وفقر، وذلك بوقف حد السرقة نظرا للظروف الاستثنائية التي كانت تمر بها الدولة الإسلامية في تلك الفترة.
وفاجأ المفتش العام للشرطة البريطانية الجميع من خلال توصيته الشرطة باستعمال صلاحياتها بالكثير من الترشيد والحكمة في التعامل مع من يتورط في سرقة المواد الغذائية، والأخذ بعين الاعتبار أن البلاد تمر بأزمة غلاء غير مسبوقة.
وقال المفتش العام للشرطة البريطانية أندي كوك إن تأثير الفقر وتراجع فرص العمل وارتفاع تكاليف المعيشة سوف يؤدي إلى ارتفاع الجريمة، مما يعني المزيد من الضغط على رجال الشرطة الذين سيكون عليهم تطبيق صلاحياتهم لكن دون تشدد.
لم تمر أزمة معيشية على البريطانيين منذ الحرب العالمية الثانية كما هي عليه الآن، وذلك بعد وصول نسبة التضخم إلى 9% والتي من المتوقع أن تصل إلى 10%، وهو أعلى معدل منذ أكثر من 50 سنة.
هذه الظروف دفعت المفتش العام للشرطة البريطانية لتقديم اقتراح إلى الشرطة البريطانية بالتعامل بحكمة مع المتورطين في سرقة المواد الغذائية لتلبية حاجياتهم من الأكل، بسبب العجز المتزايد في صفوف الأسر البريطانية عن توفير غذائها.
تصريحات المسؤول البريطاني أثارت الكثير من الجدل وتحذيرات من أن تتم إساءة فهمها كأنها تعطيل للقانون، ليرد المفتش العام بأن تصريحاته "ليست شيكا على بياض للصوص من أجل السرقة ولكن محاولة إيجاد معادلة بين الحفاظ على النظام العام ومراعاة الظروف التي تمر بها البلاد".
ومع ذلك، لم ترق هذه التصريحات لوزير الشرطة في الحكومة البريطانية الذي اعتبر أن الربط بين أزمة غلاء المعيشة وارتفاع الجريمة هو "تفكير قديم" ولا يمكن أن يبرر ارتكاب جرائم السرقة.
"أصبحت أتخلى عن وجبة في اليوم لكي أستطيع إطعام أطفالي" كان التصريح الصادم الذي أدلت به ربة أسرة لإحدى القنوات البريطانية وتحول إلى شعار لحملة مساعدة الفقراء ودق ناقوس الخطر حول تردي الوضع المعيشي للأسر البريطانية، حيث بات 14 مليون بريطاني يعانون من الفقر، ويتم احتساب خط الفقر في بريطانيا انطلاقا من أي شخص يقل مدخوله في الأسبوع عن 150 دولارا.
وعند سؤال محمد عبد الرحمن -وهو مسؤول عن أحد بنوك الغذاء في شرق العاصمة لندن- أكد للجزيرة نت أنهم يتعاملون مع وضع غير مسبوق "يمكن أن أقول إن الطلب على السلال الغذائية ارتفع هذه السنة بأكثر من 100%".
وأضاف الناشط الإنساني البريطاني أن هناك عدة أسر باتت تفضل الحصول على الوجبات الباردة، لأنها لا تريد تحمل تكاليف تسخينها في المنزل بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة.
وكثيرة هي القصص الصادمة حول تدهور الأوضاع المعيشية في بريطانيا، منها مثلا سيدة قالت للإعلام البريطاني إنها تقضي يومها متنقلة بين الحافلات للحصول على الدفء، لأنها لم تعد قادرة على دفع فاتورة الغاز في بيتها.
أما أم ياسين -وهي سيدة عاملة في أحد متاجر المواد الغذائية- فأكدت للجزيرة أنها تعمل حاليا ليس مقابل المال ولكن لكي تحصل على حصة من المواد الغذائية بشكل يومي، لأن راتبها لا يمكنها من شراء أي شيء لأطفالها.
وبحسرة وباختصار اعتبرت أم ياسين نفسها حالة من بين حالات كثيرة بات همها الأكبر هو توفير الغذاء لأفراد أسرتها، فالوضع يزداد سوءا، وقد خفضت الحكومة المساعدات الحكومية بحوالي 25 جنيها إسترلينيا في الأسبوع.
تتفق أغلب التقارير الاقتصادية على وصف الأزمة التي تعيشها الأسر البريطانية بأنها الأسوأ منذ الحرب العالمية الأولى، وفي تقرير المعهد البريطاني لأبحاث السياسات العامة "آي بي بي آر" (IPPR) أكد أن نسبة الفقر في البلاد بلغت سنة 2021 مستوى غير مسبوق منذ قرن من الزمان.
وعلى سبيل المثال، انتقل معدل الفقر من 13% سنة 1996 إلى 17.4% خلال سنة 2020، ومن المتوقع أن يستمر هذا الرقم في الارتفاع خلال السنة الحالية.
وفي تقرير آخر للمؤسسة الوطنية للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية "إن آي إي إس آر" (NIESR) كشفت المعطيات أن حوالي 250 ألف أسرة بريطانية مهددة بالفقر المدقع خلال العام المقبل، مما قد يرفع عدد الأسر التي تعيش فقرا حادا إلى أكثر من 1.2 مليون أسرة.
صيف ساخن ينتظر الشرطة البريطانية في مختلف مناطق البلاد، وهو ما دفع المؤسسات الأمنية والمخابرات للتحضير لسيناريو الاضطرابات والانفلات الأمني المدفوع بالأزمة الاقتصادية.
وحسب صحيفة "تايمز" (The Times) البريطانية، فإن القوات الأمنية تقوم باستقبال تقارير مختلف أجهزة المخابرات حول احتمال حدوث خروقات كبيرة للنظام العام خلال فصل الصيف، كما تم وضع مخطط لمساندة الأجهزة الأمنية عند الحاجة لضمان عدم خروج الأمور عن السيطرة.
وحسب مصادر الصحيفة، فإن تقارير المخابرات حتى الآن لا تتوقع حدوث أزمة أمنية كبيرة، لكنها تتعامل مع كل الاحتمالات، خصوصا أن الصيف سيشهد احتفالات الملكة باليوبيل الماسي لاعتلائها العرش، وألعاب الكومنولث، إضافة إلى عدد من المهرجانات الفنية، وهو ما يحتاج للكثير من الجهود الأمنية.
لكن أكثر ما تخشاه الشرطة البريطانية هو تزايد حالات العنف وشعور الغضب المتزايد في صفوف البريطانيين بسبب ضغط الأزمة الاقتصادية، وهي التي قد تدفع لارتفاع عدد الجرائم.