يبدو أن أزمة الكهرباء في العراق لن تنتهي، فهي تضع السكان من جديد على لهيب أيام فصل الصيف، الذي تتجاوز فيه درجة الحرارة في بعض المناطق 50 درجة مئوية، إذ قللت وزارة الكهرباء التجهيز الوطني للطاقة في أغلب المحافظات منذ نهاية الشهر الماضي.
وبعد الغضب الشعبي الذي نقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن سوء الطاقة، أصدرت وزارة الكهرباء العراقية مطلع الشهر الجاري بيانا رسميا بيّنت فيه أن سبب تقليل التجهيز الكهربائي يعود لتخفيض إيران كمية الغاز المصدر إلى العراق نتيجة عدم تمكن بغداد من سداد المستحقات المالية.
ووفق المتحدث الإعلامي باسم الوزارة أحمد العبادي، فإن هناك اتفاقات مسبقة مع إيران لتوريد الغاز إلى العراق بنسب مختلفة صيفا وشتاء تتراوح بين 50 و70 مليون متر مكعب يوميا من أجل تشغيل محطات الكهرباء العراقية.
وكشف عضو مجلس النواب العراقي عارف الحمامي أن حجم الديون المستحقة لإيران من تصدير الغاز يبلغ نحو مليار و800 مليون دولار.
وقال الحمامي للجزيرة نت إن تلك الديون تعود إلى العام 2020 عن شراء العراق الغاز الإيراني لتشغيل المحطات الكهربائية، لافتا إلى أن حكومة تصريف الأعمال العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي هي من تتحمل مسؤولية تأخير سداد مستحقات طهران.
ويتساءل العراقيون لماذا لم تسدد الحكومة ثمن الغاز الإيراني المستورد خصوصا مع الوفرة المالية التي حققها العراق مؤخرا جراء ارتفاع أسعار النفط العالمية؟
وللإجابة عن التساؤل، يقول الأكاديمي الاقتصادي الدكتور نبيل المرسومي إنه في ظل العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، فإن بغداد اعتمدت سابقا آلية الأغراض الخاصة، التي تسمح لها بدفع ثمن الطاقة الإيرانية المستوردة عن طريق إيداع أموال بالدينار العراقي في حساب مصرفي خاص لدى المصرف التجاري العراقي، إذ يمكن لإيران استخدام الحساب لشراء البضائع الإنسانية حصرا.
ويستطرد المرسومي قائلا إن إيران لن تكون قادرة على سحب تلك الأموال من العراق، لكنها في الوقت ذاته ستتمكن من استخدامها لشراء سلع من خارج العراق.
وفي ظل تعذر دفع العراق المستحقات الإيرانية بالدولار نتيجة العقوبات الأميركية، فإن ذلك يعني توقف العمل بالآلية السابقة، وفق المرسومي، مما دفع طهران لخفض تصديرها الغازي للعراق بنحو 5 ملايين متر مكعب يوميا، وهو ما أثر سلبا على المنظومة الكهربائية العراقية.
ودعا الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن المشهداني إلى يطبق العراق الآلية التركية في التعامل مع الغاز الإيراني، إذ إن أنقرة لا تطبق العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، رغم أن أنقرة حليفة لواشنطن وتسدد مستحقات طهران عن استيراد الغاز والمنتجات الأخرى.
وقال المشهداني للجزيرة نت إن العراق يحصل بين الفترة والأخرى على مدة إعفاء من أميركا لتسديد الديون عن استيراد الغاز الإيراني، إلا أن الجانب العراقي متلكئ في هذا الأمر، وهو تلكؤ يعتقده المشهداني بأنه مرتبط بضعف وغموض موقف الجانب العراقي.
وبيّن الاقتصادي أن بغداد سددت ديون طهران عن استيراد الغاز لعام 2021، ولم تستطع تسديد ديون عام 2020، مما يطرح علامات استفهام كثيرة عن التخصيصات المرصودة للغاز المستورد، و"أين تذهب؟".
وتساءل المشهداني مستغربا إلى متى يبقى العراق مستوردا للغاز وهو بلد غني بموارده النفطية والغازية؟
بدوره يؤكد المهندس النفطي المتقاعد في وزارة النفط العراقية مناضل عبد أن الغاز المصاحب أثناء عمليات إنتاج النفط الخام العراقي والذي يُحرق في الجو يوميا بكميات كبيرة، يستطيع تغطية حاجة محطات الكهرباء والمصانع الحكومية في البلاد.
وقال مناضل عبد للجزيرة نت إن شركة غاز البصرة ستنتهي من إنجاز معامل جديدة لصناعة الغاز بحلول العام 2023 لاستثمار 400 مقمق (مليون قدم مكعب قياسي) من الغاز المصاحب لرفد شبكة الغاز الجاف بكمية إضافية لا تقل عن 350 مقمق من الغاز الجاف، إضافة إلى مشاريع أخرى لصناعة الغاز، قسم منها قيد الإنشاء كاستثمار الغاز لحقلي الناصرية والغراف جنوبي العراق.
وأضاف أنه يوجد في محافظة ميسان (جنوب) مشروع قيد الإنجاز لصناعة الغاز المنتج في حقول الحلفاية والعمارة ونور، فضلا عن مشاريع أخرى قيد الدراسة لدى وزارة النفط لاستثمار بعض الحقول وإمكانية إنشاء معامل صناعة الغاز بعد إكمال دراسة الجدوى الاقتصادية.
وأكد المهندس النفطي أن تلك الخطط الاستثمارية ستسهم في تقليل استيراد الغاز أو إنهائه بتحقيق الاكتفاء الذاتي لتشغيل المحطات الكهربائية.
من جهته، اعتبر المختص في شؤون الطاقة يوسف النبهاني أن العراق ينتج حاليا 13 ألف ميغاواط من الكهرباء في حين يشكل الاحتياج الكلي 30 ألف ميغاواط، وهذا ما يحتم عليه الذهاب نحو الاستثمار في الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء.
ويبيّن النبهاني للجزيرة نت أن الاستثمار في الطاقة الشمسية يوفر للعراق 3 مليارات دولار سنويا كونها تقلل من استيراد الغاز المستخدم في المحطات الكهربائية، إضافة لانعكاساتها الإيجابية على الصناعة والاقتصاد من خلال تقليل تكاليف الإنتاج.
ويشير المختص إلى أن العراق غني بالطاقة الشمسية ولديه 300 يوم مشمس، مما يعني أن مشاريع الاستثمار في هذا القطاع تقلل نسبة البطالة من جانب، وتوفير طاقة كهرباء للشبكة الوطنية من جانب آخر.