بعد 6 أشهر من تأكيدها أن ما تتعرض له الولايات المتحدة من تضخم ما هو إلا "أمر عارض قصير الأجل، وليس مشكلة طويلة الأجل" رفضت وزير التجارة جينا ريموندو في حديث مع شبكة "سي إن إن" (CNN) الاعتراف بخطئها، وأكدت أنه من المستحيل أن تتنبأ بأن حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أوكرانيا ستؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز والنفط بهذه الصورة، أو أن التعافي من تبعات "كوفيد-19" سيكون بهذا البطء.
وعلى العكس من ريموندو، اعترفت وزيرة الخزانة جانيت يلين بخطأ تقديراتها السابقة حين قللت من مدى سوء الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة.
وفي حديث أمام مجلس الشيوخ أمس الأول، قالت يلين التي ترأست سابقا بنك الاحتياط الفدرالي "نواجه حاليا تحديات على صعيد الاقتصاد الكلي، بما في ذلك مستويات غير مقبولة للتضخم وأيضا التأثير السلبي المرتبط بالتعطل الناتج عن تأثير جائحة كورونا على سلاسل التوريد وآثار اضطرابات أسواق النفط والغذاء الناتجة عن حرب روسيا على أوكرانيا على المعروض".
ويزداد شعور الأميركيين بقسوة الأوضاع الاقتصادية، مع غياب أي بريق أمل في انتهائها قريبا.
اعتبر جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لمصرف "جيه بي مورغان-تشيس" (JPMorgan & Chase) -وهو أكبر المصارف الأميركية- أن هناك "عاصفة تلوح في الأفق بالنسبة للاقتصاد الأميركي" وأشار إلى أن أركان الاقتصاد قوية لكنه غير متأكد من أنه "لا يزال في جيوب المستهلكين ما يمكن إنفاقه".
ويشهد الاقتصاد الأميركي استمرار ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي، لكن استمرار ارتفاع نسب التضخم لا يزال يهدد بحدوث ركود في المستقبل القريب.
وقال ديمون أمام مؤتمر استثماري "الجميع يعتقدون أن بنك الاحتياط الفدرالي يمكنه التعامل مع التضخم" وأضاف "هناك إعصار موجود وقادم في طريقنا، نحن فقط لا نعرف ما إذا كان الأمر يتعلق بإعصار صغير أم عاصفة ضخمة، أو شيء من هذا القبيل، ومن الأفضل أن تستعد بنفسك لما هو قادم".
ويتأهب "الاحتياطي الفدرالي" لما يعتبرها علامات على حالة ركود اقتصادي تلوح في الأفق، وبادر البنك بمحاولة ترويض نسب التضخم التي حققت ارتفاعا هو الأعلى خلال الـ 40 عاما الماضية، عن طريق رفع أسعار الفائدة بهدف ضبط الطلب الاستهلاكي بالقدر الكافي حتى تتوقف الأسعار عن الارتفاع، دون سحقه إلى الحد الذي يؤدي إلى دفع البلاد إلى الركود.
وبالفعل رفع البنك نسبة الفائدة مرتين، ويُنتظر أن يرفعها 4 مرات إضافية فيما تبقى من عام 2022، ونتج عن هذه الارتفاعات في أحد أبعادها انخفاض في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. وتكشف بيانات "الاحتياطي الفدرالي" أن الاقتصاد نما بوتيرة سنوية بلغت 0.9% فقط خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، وهو انخفاض حاد عن تقديراته السابقة البالغة 1.3%.
وإذا استمرت حالة الانخفاض في حجم الناتج القومي الإجمالي لتصل 6 أشهر، سيعني ذلك دخول مرحلة الركود الاقتصادي بصورة رسمية، إذ يتم تعريف حالات الركود من الناحية الفنية من خلال نسب نمو سلبية في ربعين متتاليين من النمو الاقتصادي.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر منتج للنفط والغاز في العالم، يستمر ارتفاع أسعار البنزين الذي يؤثر سلبا على العائلات، دون ظهور أي مؤشرات على انخفاض الأسعار قريبا.
ومنذ وصول الرئيس جو بايدن للحكم في يناير/كانون الثاني 2021، قفزت أسعار النفط والغاز داخليا بنسبة أكثر من 100%.
وسجلت أسعار البنزين هذا الأسبوع رقما قياسيا جديدا، حيث وصل سعر غالون البنزين العادي إلى ما معدله 4.9 دولارات (لا يتم تعديله حسب التضخم) وفقا لأحدث البيانات الصادرة عن جمعية السيارات الأميركية "إيه إيه إيه" (AAA).
وسجلت ولاية كاليفورنيا أعلى متوسط سعر، إذ بلغ سعر الغالون بها 6.3 دولارات، في حين وصل بالعاصمة واشنطن 5.1 دولارات، وذكر أندرو غروس، المتحدث باسم جمعية السيارات الأميركية، في بيان "المواطنون مستمرون في استهلاك البنزين رغم هذه الأسعار المرتفعة. في مرحلة ما، قد يغير السائقون عاداتهم اليومية في قيادة السيارات أو نمط حياتهم بسبب هذه الأسعار المرتفعة، لكننا لم نصل إلى ذلك بعد".
وردا على الارتفاعات المستمرة في أسعار البنزين، دعا ديفيد هولت رئيس منظمة تحالف مستهلكي الطاقة (Consumer Energy Alliance) -الذي يضم أعضاء منظمته العديد من شركات النفط والغاز- إلى زيادة إنتاج النفط والغاز بالولايات المتحدة.
تتوقع إدارة معلومات الطاقة أنه، بالنسبة للمستهلكين، سيتعين على العائلات الأميركية المتوسطة إنفاق حوالي 450 دولارا إضافيا على البنزين هذا العام مقارنة بما كانت عليه عام 2021، وذلك بحساب معدلات التضخم.
ومع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، يقول معظم الأميركيين إن الاقتصاد والتضخم وارتفاع أسعار البنزين أهم القضايا في تحديد كيفية التصويت للكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وفقا لاستطلاع جديد لآراء أكثر من 542 أميركيا، أجرته شبكة "إيه بي سي نيوز" (ABC News) ومؤسسة "إيبسوس" (Ipsos).
ومع استمرار ارتفاع نسب التضخم، يشكو الأميركيون بشكل كبير من ارتفاع اسعار كل السلع والخدمات، ويقول 83% من المواطنين إن الاقتصاد سيكون قضية بالغة الأهمية في تحديد كيفية تصويتهم بالانتخابات القادمة.
وانخفضت معدلات تأييد طريقة تعامل بايدن مع القضايا الاقتصادية لتصل إلى 37% فقط، وهو ما يؤكد وجود مشكلة للرئيس والمرشحين الديمقراطيين قبل الانتخابات القادمة.
وقد غرد بروس بيرل، مدرب فريق كرة السلة بجامعة أوبرون بولاية لويزيانا، مهاجما بايدن بالقول "لقد غمر إنفاق حكومتكم الاشتراكية اقتصادنا حين كان يتعافى من جائحة كوفيد، وهو ما خلق التضخم! سياسة الطاقة الخاصة بك تسببت في نقص الغاز وارتفاع الأسعار بشكل قياسي، سياساتكم تضر بالطبقة العاملة، تنحى جانبا، غير سياستك، افعل شيئا مختلفا من فضلك".