في ظل معاناة الصين من ارتفاع تكاليف الوقود والأسمدة إلى جانب أزمة عمالة جراء قيود كوفيد، يواجه موسم الحصاد الخريفي في هذا البلد تحديات كبيرة ما قد يضغط على الطلب على السلع الأساسية في وقت لا تبدو دول العالم قادرة على تحمل أعباء إضافية.
وارتفعت أسعار الأغذية العالمية منذ الحرب في أوكرانيا، التي تعد منتجا رئيسا في العالم للقمح والذرة وزيت دوار الشمس، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية.
وتتهم موسكو بدفع العالم إلى حافة كارثة عبر محاصرة موانئ أوكرانية والاستيلاء على مخزونات سلع أساسية، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي أزمة جوع في دول العالم الأفقر.
وبحسب "الفرنسية"، تعتمد الصين نسبيا على نفسها إذ تنتج أكثر من 95 في المائة من احتياجاتها من الأرز والقمح والذرة.
لكن الاضطرابات التي أحدثها كوفيد نتيجة القيود على حركة البضائع والعاملين في مجال الزراعة، فضلا عن ارتفاع تكاليف الأسمدة والوقود وصعوبات الوصول إلى المعدات، تهدد حصاد الخريف لمحاصيل رئيسة مثل حبوب الصويا والذرة.
ويحذر الخبراء من أن أي ازدياد، مهما كانت ضئيلة، في الطلب من البلد الأكبر في العالم لجهة عدد السكان، قد تؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية.
وقالت إيفين باي المحللة المتخصصة في مجال الزراعة لدى شركة "تريفيوم تشاينا" للاستشارات، إن "آخر ما تحتاج إليه أسواق العالم حاليا هو ازدياد نشاط الشراء في الصين".
وبلغت أسعار الذرة أعلى مستوى لها منذ تسعة أعوام في نيسان (أبريل)، بينما بلغت أسعار حبوب الصويا أعلى مستوى لها منذ عشرة أعوام هذا الشهر.
وتعد الصين آخر أكبر قوة اقتصادية تتمسك بسياسة "صفر إصابات كوفيد".
ومن غير الواضح كيف سيترجم ذلك في موسم الحصاد المقبل، لكن باي أشارت إلى أن "المسائل اللوجستية المرتبطة باللحظات الأخيرة" تعقدت بفعل قيود كوفيد المفروضة في المناطق الريفية التي تخشى تفشي الفيروس.
وأضافت "قاومت القرى بشدة السماح بدخول أشخاص من الخارج خلال فترة مكافحة انتشار كوفيد".
بدوره، أكد المؤسس المشارك لشركة "سيتونيا للاستشارات" المعنية بالأبحاث المرتبطة بالزراعة دارن فريدريكس أنه في حال لجأت الصين إلى الأسواق العالمية لسد أي نقص، فسيكون هناك "تأثير كبير" على الأسعار.
بذور شك
في الوقت الحالي، تتابع بكين من كثب محصول القمح في البلاد.
وأفاد لي كه تشيانج رئيس الوزراء الصيني، خلال اجتماع الشهر الماضي، بأن الوصول إلى محصول صيفي قوي مع أسعار يمكن التعامل معها، يعتمد جزئيا على وصول العمال والآليات "من دون معوقات" إلى المقاطعات التي تزرع القمح من آنهوي شرقا إلى شانشي شمالا.
وحصدت الصين حتى الآن نحو 80 في المائة من محاصيلها من القمح الذي زرعته في الشتاء، بحسب الإعلام الرسمي، رغم أن فريدريكس حذر من أن الأسعار أعلى 25 في المائة مما كانت عليه العام الماضي، إذ بلغ سعر الطن نحو ثلاثة آلاف يوان "450 دولارا".
وذكرت باي أنه بينما يعد حصد محصول قمح جيد إيجابيا بالنسبة إلى الأسواق العالمية، إلا أن "الاضطرابات المرتبطة بكوفيد لم تختف"، مشيرة إلى أن أسعار الأسمدة والوقود ترتفع.
وبحسب آندرو وايتلو المحلل لدى "توماس إلدر كاركتس"، فإن الصين "زادت بشكل كبير عمليات شراء القمح والذرة والشعير" في الأعوام الأخيرة، من أقل من 20 مليون طن في العام قبل أربعة أعوام إلى نحو 50 مليون طن حاليا.
لكن التضخم العالمي والضبابية سترفع التكاليف بالنسبة إلى الصين إذا قررت زيادة وارداتها. واشترت الصين بالفعل قمحا تم حصاده أخيرا لمخزوناتها بأسعار مرتفعة للغاية هذا الشهر. ولم تغفل الصين عن الإشارة إلى البعد السياسي لإطعام سكانها.
وقال رئيسها شي جينبينج، إن على الصين أن تبذل "جهودا متواصلة لضمان أمن الحبوب"، وفق ما نقل عنه الإعلام الرسمي.
وازدادت أهمية المسألة منذ 2020 عندما تفشي فيروس كورونا حول العالم، بحسب فريدريكس.
وقال "كانت هناك مخاوف من اضطرابات عالمية في سلاسل التوريد، ولدينا الآن أزمة غذاء عالمية ضاعفت التركيز على الأمن الغذائي".