يثير التفاوت في ردود الأفعال حول عوائد اتفاقية الغاز المبرمة بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي تساؤلات حول مدى استفادة مصر من الصفقة، وهل هي فرصة سانحة أمامها في مسعاها نحو التحول إلى مركز إقليمي للطاقة؟ وما إمكانياتها اللوجيستية في التحول إلى معبر للغاز الإسرائيلي إلى أوروبا؟
وتم توقيع الاتفاق الأربعاء الماضي في القاهرة، ويمتد 3 سنوات قابلة للتجديد تلقائيا لمدة عامين، وينص على نقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى محطات الإسالة في مصر (إدكو ودمياط في الشمال)، ومن ثم يشحن شمالا إلى السوق الأوروبية.
وفي حين لم تعلن أطراف الاتفاقية قيمة الصفقة، التي من المنتظر أن تعوض نحو 10% من الغاز الروسي إلى أوروبا، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيدعم الاقتصاد المصري بـ100 مليون يورو؛ للتغلب على الآثار السلبية التي أحدثتها الحرب الأوكرانية.
وتأتي الاتفاقية في وقت أصبح فيه قطاع الغاز مجالا خصبا لتوطيد العلاقات المصرية الإسرائيلية، منذ الإعلان عن الاكتشافات الضخمة من الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط.
وثمة خلفية مرتبطة باتفاقية الغاز الثلاثية تعود إلى عام 2018، حين وُقع اتفاق لتصدير الغاز الطبيعي من حقلي تمار ولوثيان البحريين الإسرائيليين إلى شركة مصرية خاصة، في واقعة وصفتها إسرائيل بـ"أهم اتفاق منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979″، وقال عنها -آنذاك- الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن "مصر أحرزت هدفا".
وفي 2019، توصلت القاهرة إلى اتفاق ودي مع تل أبيب تدفع بموجبه 500 مليون دولار تعويضا لإسرائيل، في إطار التحكيم الدولي الذي جرى بعد انهيار اتفاق تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل في أعقاب ثورة يناير/كانون الثاني 2011.
وفي حين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إن الاتفاق الثلاثي "تاريخي"، ويعزز اقتصاد بلاده ويجعلها لاعبا أساسيا في سوق الطاقة، تسعى الجزيرة نت إلى الإجابة عن تساؤلات حول مكاسب مصر من هذه الصفقة، خاصة أن القاهرة تحولت من مورد للغاز إلى مستورد له من إسرائيل في سنوات معدودة.
الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب يفسر ذلك بالإشارة إلى أن إسرائيل لا تملك البنية الأساسية المطلوبة لتصدير الغاز بشكل مباشر إلى أوروبا، سواء عبر سوريا- تركيا، أو عبر قبرص-تركيا.
ولذلك -وفق حديث عبد المطلب للجزيرة نت- لم يكن لدى إسرائيل حل غير مصر واستخدام خط غاز شرق المتوسط الموجود منذ صفقة تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل.
بينما لا تزال بنود الاتفاقية الموقعة لعبور الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا بعد تسييله في مصر غامضة، اتفق مراقبون على أن تل أبيب هي الرابح الأكبر منها، وتبقى هناك مبالغة في ما أثير عن مكاسب مصر والاتحاد الأوروبي منها.
ومنطلقا من غموض الاتفاقية لتحديد من المستفيد منها، يرى عبد المطلب أن الإجابة عن هذا التساؤل تحتاج إلى معرفة البنود بشكل كامل، وشروط الاتفاق، ولمعرفة ذلك يجب البحث عن إجابة لهذه الأسئلة:
أما الخبير في صناعة النفط والغاز والنقل البحري إبراهيم فهمي فيشير في حديثه للجزيرة نت عن تحديد المستفيد من الاتفاقية إلى أنه:
وبناء على ذلك، يشكك فهمي في استفادة مصر من الاتفاقية، مشيرا إلى أن مصر تنازلت عن فرصة ثمينة في أن تصبح إحدى الدول الكبرى في مجال الطاقة والغاز.
وأضاف أن إنتاج مصر من الغاز من حقل ظهر (تم اكتشافه عام 2015 من قبل شركة إيني الإيطالية شرق البحر المتوسط)، كان من المفترض أن يكون المصدر الأساسي الذي يمد مصانع الإسالة في دمياط وإدكو بالغاز، ومنه إلى أوروبا، لكن تم استبداله باتفاق تصدير الغاز من إسرائيل لمصر العام الماضي، وتبعته اتفاقية التصدير لأوروبا.
وفي المقابل، توقع وزير البترول والثروة المعدنية الأسبق أسامة كمال أن تعود الاتفاقية على مصر بفوائد اقتصادية وسياسية، موضحا -في تصريحات صحفية- أنها ستدعم الاستفادة من تسييل الغاز المصدر من الدول المجاورة عبر محطات الإسالة التي تشارك الدولة في ملكيتها إلى جانب رسوم العبور عبر الشبكة القومية للغاز.
كما تحقق -حسب كمال- موقفا سياسيا جيدا من خلال دور مؤثر بين بعض الأطراف في شرق المتوسط، التي قد تشهد خلافات قد تكون متعلقة بالغاز مثل النزاع الحالي على منطقة امتياز بين لبنان وإسرائيل.
في السنوات الأخيرة، تسعى مصر إلى أن تصبح مركزا إقليميا للطاقة عبر تصدير فائض ما لديها من إنتاج الغاز الطبيعي إلى جانب تصدير فائض الدول المجاورة من الغاز، عبر محطتي الإسالة الواقعتين على شاطئ البحر المتوسط بإدكو ودمياط.
وفي هذا الصدد، يتوقع عبد المطلب أن تساعد الاتفاقية على جذب المزيد من الاستثمارات في قطاعات نقل وإسالة الغاز وتنشيط الموانئ، بما قد يؤدي إلى تعظيم دور مصر كمركز إقليمي رئيسي في مجال الطاقة.
وشدد على أن كل اتفاقيات التعاون تسهم في إنعاش الاقتصاد المصري، مشيرا إلى ما حصلت عليه مصر من معونة قدرها 100 مليون يورو بمجرد توقيع الاتفاقية الثلاثية.
على الضفة الأخرى، يستبعد فهمي ذلك، قائلا إنه على مدار عقد كامل مضى لم يحسن النظام المصري قراءة الواقع واستشراف مستقبل الطاقة، ولم يضع التخطيط السليم لاستخدام الموارد التي تملكها بلاده، خاصة المخزون الهائل للغاز في الحقول البحرية العميقة في البحر المتوسط، والموجودة في المياه الاقتصادية شمال مصر (غاز شرق المتوسط).
وحمّل فهمي النظامَ المصري مسؤولية ترسيم الحدود البحرية برغبة منه مع دول الجوار، بما لا يخدم المصلحة العليا للدولة والأجيال القادمة والأمن القومي، مشيرا إلى أن النظام أضاع على البلاد الملكية الكاملة لأكبر حقول بحرية للغاز في العالم تم اكتشافها حديثا وذات احتياطات مثبتة، وكان من المفترض أن تنقل مصر إلى مركز ثقل دولي لإنتاج وتصدير الغاز.
كما رأى أن فرصة هائلة وسهلة الاقتناص ضاعت على الاقتصاد المصري، ليكون صاحب حصة "معتبرة" من بدائل حصة الغاز الروسي لأوروبا، ودخل سنوي يقدر بعشرات المليارات من الدولارات.
يعتقد عبد المطلب أن بلاده قد حققت مكسبا كبيرا في ملف الغاز من خلال توقيع هذه الاتفاقيات، لكنه استدرك بالقول "أخشى أن ذلك قد يكون على حساب القضية الوطنية العربية وعلى حساب مكانة مصر التاريخية في المنطقة"، وذلك في إشارة إلى ما يثار عن ملكية فلسطين للحقول التي تستخرج منها إسرائيل الغاز.
وأوضح أن الهدف تسويق الغاز الإسرائيلي في الأساس، لكنه حذر من أن تدفق الغاز الإسرائيلي إلى مصر قد يقضي على تنافسية التنقيب واستكشاف المزيد من حقول الغاز في مصر.
ورغم ذلك، فمن المؤكد -وفق عبد المطلب- وجود مكاسب حقيقية للاقتصاد المصري، حتى وإن كانت محطة الإسالة بدمياط تدار بواسطة شركة إيني الإيطالية بنسبة 100%، مبينا أن ذلك ليس جديدا على قطاع الغاز والنفط على مستوى العالم.
من تداعيات الحرب الأوكرانية على سوق الغاز، يشير فهمي إلى أن: