تشبه أسواق رأس المال المحركات التي تساعد في دعم الاقتصاد العالمي، ومن أجل قياس التقدم المحرز بشكل أفضل في إصلاحات تنظيم السوق والمكاسب الإضافية المطلوبة، استطلع صندوق النقد الدولي في أبحاث حديثة برامج تقويم القطاع المالي التابعة للصندوق في عدد من البلدان على مدى السنوات السبع الماضية.
وتتبعت هذه المراجعات المنتظمة لأخطار ونقاط الضعف والترتيبات الخاصة بالإشراف على السوق وإدارة الأزمات، مع التركيز على شبكات الأمان لإدارة أية إخفاقات محتملة للشركات الكبرى.
كما نظرت إلى مرونة الأطراف المركزية المقابلة والكيانات التي تعمل كمشتر لكل بائع وبائع لكل مشتر، لضمان أداء العقود المفتوحة التي نمت في إطار إصلاحات مقاصة المشتقات، كما درست المراجعات ضعف مديري الأصول مثل صناديق أسواق المال وصناديق السندات، وما إذا كانت أماكن التداول خارج البورصات التقليدية منظمة بشكل كاف.
نمو سريع لشركات الخدمات المالية
أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت صندوق النقد الدولي يرى الحاجة إلى إصلاح أكبر حتى بعد التقدم الكبير الذي ظهر خلال السنوات الأخيرة، أنه ترافق مع نمو سريع لشركات الخدمات المالية التي ليس لديها تراخيص بنكية أو تقبل الودائع، مثل شركات التأمين والصناديق المشتركة والتبادلات.
وتشير البيانات المتاحة إلى نمو الوساطة المالية غير المصرفية كما هو معروف، لتمثل ما يقرب من نصف أصول النظام المالي العالمي، وبالتالي تلعب دوراً أكبر بكثير في الاقتصاد العالمي.
ويجب على المنظمين أن يضمنوا بشكل أفضل أن نقاط الضعف ونماذج الأعمال لا تؤدي إلى تضخيم الصدمات المستقبلية للأسواق والاستقرار المالي، وعند تطبيقه على قطاع إدارة الأصول فإن الأولوية الرئيسة هي توسيع نطاق أدوات إدارة السيولة المتاحة لمديري صناديق الاستثمار.
ومن الأولويات الأخرى للمنظمين تعزيز شبكات الأمان المالي وترتيبات إدارة الأزمات، بينما تتمثل الأولوية الثالثة في تعزيز قدرات الإنذار المبكر من خلال أدوات وقدرات محسنة لاختبار الضغط.
وذكر صندوق النقد أن مثل هذه القضايا تمثل تحدياً من تلقاء نفسها، لكن لا يمكن لمنظمي الأوراق المالية أن يقتصروا على مجرد تنفيذ أجندة إصلاح أسواق رأس المال التي أعقبت الأزمة المالية العالمية، وبدلاً من ذلك يجب أن تتطور أولوياتهم أيضاً وتتسع بالتوافق مع الأنظمة المالية التي يقومون بحمايتها.
وهذا صحيح بشكل خاص في أسواق رأس المال، إذ تعد المرونة الإلكترونية والتكنولوجيا المالية وتغير المناخ من القضايا الرئيسة الناشئة، كما تعتبر أماكن التداول محوراً للأمن السيبراني، إذ يهدف كل من المشرفين والمشاركين في السوق إلى تعزيز مرونتهم التكنولوجية والتشغيلية لتقليل الاضطرابات المحتملة في السوق، وينطوي وعد التكنولوجيا المالية أيضاً على أخطار ناجمة عن الأصول المشفرة والتمويل اللامركزي.
وشدد صندوق النقد على ضرورة أن يكون المنظمون يقظين وسط التحول بعيداً من المعايير القياسية، مثل سعر الفائدة المعروض بين البنوك في لندن إلى مراجع جديدة لمقايضات أسعار الفائدة والعقود المالية الرئيسة الأخرى.
وأخيراً، يجب أن ينعكس تأثير تغير المناخ بشكل مناسب في البيانات المالية والتقويمات، وإفصاحات المصدر التي يعتمد عليها المستثمرون.
التقييمات الجديدة تكشف أوجه القصور
تتمثل إحدى الأولويات الرئيسة التي من أبرزها برنامج العمل المستقبلي الواسع النطاق، في ضمان ملاءمة محيط التنظيم المالي بحيث يغطي جميع الجهات الفاعلة والأنشطة والأدوات ذات الصلة، ولا تزال تقويمات صندوق النقد للقطاع المالي تكشف عن أوجه قصور مهمة على الرغم من كل التقدم الذي تم إحرازه منذ بدء الأزمة المالية العالمية قبل عقد ونصف العقد.
وذكر الصندوق أن بعض البلدان لديها ثغرات تنظيمية لشركات إدارة الأصول، وأيضاً يحتاج صانعو السياسات إلى النظر بشكل أكثر وضوحاً في المشتقات التي يجب تنظيمها كجزء من الجهود المبذولة لإدارة الأخطار من السلع والمناخ والانبعاثات والأدوات الأخرى المتعلقة بالكربون.
وتثير مجموعة التحديات هذه القلق، نظراً إلى عدم كفاية الموارد المتاحة للمشرفين حتى في بعض أكبر الأسواق وأكثرها تطوراً في العالم، وهو ما تؤكده تقويمات القطاع المالي لصندوق النقد الدولي. وتضمنت إصلاحات ما بعد الأزمة توسعاً كبيراً في المحيط التنظيمي ورفع توقعات الإشراف اللازم لتقويم الأخطار وتخفيفها، لكن نادراً ما شهد منظمو الأوراق المالية زيادة متناسبة في الموارد.
وكشف صندوق النقد عن أن التحديات الناشئة مثل تكنولوجيا السوق الجديدة وتوسيع المحيط التنظيمي يجعلان من المهم للمنظمين أن يكون لديهم نطاق أوسع من الخبرات المتخصصة وأن يضمنوا مواكبة تقنياتهم الإشرافية، لكن في الوقت نفسه تتفاقم الموارد المجهدة في بعض الولايات القضائية بسبب الافتقار إلى الاستقلال التشغيلي للسلطات، مما يحد من قدرتها الإشراف الفعال على الأخطار والاستجابة لها، ولذلك يجب أن يستمر الجميع في إعطاء الأولوية لإحراز مزيد من التقدم في هذه الجوانب الرئيسة للإطار المؤسسي والتنظيمي الذي تقوم عليه أسواق رأس المال للحيلولة دون تفاقم أزمة انهيارها.