تواصل العملة الروسية تحقيق المفاجآت، ولكن في الاتجاه المعاكس هذه المرة بعد أن وصل سعر الروبل هذا الأسبوع إلى نحو 64 مقابل الدولار، عقب أن كان قد وصل إلى 50، في حالة لم تستمر طويلا، وشذت عن القاعدة التي استمرت لسنوات وشهدت تراجعا ثابتا للعملة الروسية أمام العملات الصعبة.
ويوم الثلاثاء الماضي تراجع الروبل مقابل الدولار بنسبة 10.7%، واستمر في الانخفاض يوم الأربعاء واقترب من 65 مقابل الدولار، و66.65 مقابل اليورو، خاسرا بذلك "انتصاراته" اليومية التي بدأ يحققها منذ نحو الشهرين.
وبدأ الروبل يقوى بعناد لفترة طويلة، ووصل إلى أكبر نجاح له في 29 يونيو/حزيران الماضي، متوقفا خطوة واحدة عن الحد "المثالي" البالغ 50 لكل دولار (كان الحد الأقصى 50.01)، وفي نفس اليوم قال وزير المالية أنطون سيلوانوف إن وزارته مستعدة لإجراء تدخلات في النقد الأجنبي من أجل دعم الروبل وشراء عملات الدول الصديقة من عائدات الصادرات.
وبعد الانهيار التاريخي في 10 مارس/آذار الماضي عندما انخفض الروبل لأول مرة إلى ما دون 121 للدولار وارتفع اليورو إلى 132 عاد ليرتفع إلى أعلى مستوياته في عامين في أوائل مايو/أيار الماضي.
ولا يوجد سبب واضح للضعف الذي أصاب الروبل فجأة وجعله يفسح المجال مجددا لصعود الدولار، إذ لم تنشر بيانات رسمية تفيد بأن الواردات الروسية بدأت تنمو بشكل حاد، فيما تراجعت الصادرات الروسية، فقد ظل الميزان التجاري (تصدير-استيراد) في الواقع العامل الرئيسي الذي حدد سعر صرف الروبل في الأشهر الأخيرة.
يشار إلى أن الانخفاض الحاد في الواردات مع الحفاظ على أحجام الصادرات المرتفعة أدى إلى وصول سعر الروبل في وقت سابق إلى ما يقارب 50 مقابل الدولار.
وبدأ سعر الروبل بالتراجع بعد يوم واحد من تصريح لمديرة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا في 29 يونيو/حزيران الماضي حذرت فيه من أن تحقيق القيم السابقة لسعر صرف الروبل في ظل الظروف الجديدة يهدد بتراجع استقلالية روسيا عن السياسة النقدية للدول الأخرى.
وقالت إن سعر الصرف العائم للروبل يجعل من الممكن تكييف الاقتصاد مع الظروف المتغيرة، في حين أن محاولات إعادة سعر الصرف القديم تجعله مصطنعا.
وأوضحت نابيولينا -خلال مؤتمر الاتحاد الروسي للصناعيين ورجال الأعمال- أن هذا ينذر بتخفيض قيمة العملة ويجعلها ترتبط بالعملات الأجنبية.
كما تحدثت عن أن التضخم في هذه البلدان بلغ الآن أعلى مستوى له منذ 40 عاما، وعلى هذا النحو فإن روسيا ستكون أمام خيار "استيراد التضخم" ومزامنة سياستها النقدية مع هذه البلدان.
بدوره، يعتبر الخبير الاقتصادي يفغيني نادورشين أن الروبل آخذ في الانخفاض بسبب ما وصفه بـ"هروب المستثمرين في الأسواق الخارجية إلى الأصول الوقائية (الدولار واليورو)، وزيادة نشاط المضاربة في البورصة، فضلا عن انتهاء الفترة الضريبية التي يتوقف فيها المصدرون عن بيع العملات الأجنبية بشكل جماعي لدفع الضرائب".
ويرى نادورشين أنه من المحتمل ألا يستمر تراجع الروبل طويلا كون الواردات لا تنتعش بالسرعة الكافية، في حين أن الصادرات مستقرة.
وبرأيه، فإنه عندما يهدأ الوضع في الأسواق الخارجية وتبدأ الفترة الضريبية التالية في روسيا يمكن رؤية أعلى مستويات سعر الروبل وعلى مدار سنوات طويلة.
من جانبه، يرجح محلل الشؤون الاقتصادية فيكتور لاشون أنه يمكن معالجة هذا الضعف في الروبل إذا تدخلت الدولة.
وأوضح أنه في وقت سابق جرى الحديث على المستوى الرسمي بأن مستوى 70-80 روبلا لكل دولار يمكن اعتباره المعدل الطبيعي للاقتصاد.
ويتابع لاشون -في حديث للجزيرة نت- أنه يمكن إعادة تعزيز سعر الروبل بتشديد القيود المفروضة على تداول العملة الصعبة، وتحقيق توازن إيجابي بين مدخولات الميزانية وحجم الاتفاق، والوصول إلى الحالة التي يتجاوز فيها المبلغ الإجمالي لتدفقات العملة إلى البلاد نظيرتها الخارجة منها.