يتّجه النمو الاقتصادي في الصين نحو الجمود؛ إذ ولت أيام تسجيل نسبة نمو برقمين، ويبدو أن الأزمة التي يواجهها الاقتصاد الصيني المتعثر أعمق بكثير من الضرر الناجم عن عمليات الإغلاق نتيجة كوفيد-19.
قال إيان ويليامز، في التقرير الذي نشرته مجلة "ذا سبيكتاتور" (spectator) البريطانية، إن الناتج المحلي الإجمالي للصين في الربع السنوي الثاني لهذا العام -من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران- سجل نموا يسيرا بنسبة 0.4% مقارنة بالعام السابق، لكن وفقا للأرقام الصادرة تعد هذه النسبة أقل بكثير من توقعات المحللين. وقد انكمش الاقتصاد الصيني على أساس ربع سنوي بنسبة 2.6% مقارنة بالربع السنوي من يناير/كانون الثاني إلى آذار/مارس.
وأوضح الكاتب أنه من السهل إلقاء اللوم على تأثير عمليات الإغلاق، حيث فُرضت قيود على المدن الرئيسية في جميع أنحاء البلاد في مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيين. وألزمت شنغهاي سكانها بالبقاء في منازلهم خلال معظم تلك الفترة، لتشهد العاصمة التجارية للصين انكماشًا سنويًا بنسبة 13.7% في الربع الثاني من السنة، بينما انكمش الإنتاج في العاصمة بكين بنسبة 2.9%. وهناك مخاوف واسعة النطاق في الصين من إمكانية إجراء المزيد من عمليات الإغلاق بعد تسجيل بعض المدن، بما في ذلك شنغهاي، حالات تفشي جديدة لفيروس كوفيد-19، وأثار وصول المتحور "بي إيه.5" (BA.5) قلق الشركات والمستهلكين.
لكن إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من عمليات الإغلاق، فإن التوقعات الاقتصادية لا تزال محبِطة بمواجهة الصين أزمات في قطاعي البنوك والعقارات المثقلين بالديون.
وذكر الكاتب أنه عند انهيار 4 مقرضين إقليميين في مقاطعة خنان، وجهت أصابع الاتهام إلى العصابات الإجرامية التي سيطرت على البنوك في ما عدّ مشكلة محلية صغيرة. لكن البنوك المحلية الصينية غير الشفافة على وجه الخصوص مثقلة بالديون والقروض المتعثرة، وقد تواطأت لسنوات مع الشركات المحلية القوية والسلطات المحلية.
يضاف إلى ذلك تعثّر سوق العقارات الذي يمثل حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ليصبح حجم التحديات أكثر وضوحًا. وقد تراجعت مبيعات العقارات من حيث القيمة بنسبة 29% في النصف الأول من العام رغم جهود الحكومات لدعم السوق بالإعانات.
وبالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، فإن انفجار فقاعة العقارات يثير نوعا جديدا من الاحتجاج. وهو احتجاج أكثر صمتا من الحشد الصاخب من المودعين المتضررين الذين تم تفريقهم بوحشية في عاصمة خنان الأحد الماضي. ولكن من المحتمل أن تغرق الصين في أزمة الرهن العقاري الخاصة بها.
وأشار الكاتب إلى أن أصحاب المنازل بدؤوا إضرابًا عن الرهن العقاري من خلال الامتناع عن سداد دفوعاتهم على المشاريع المتأخرة أو غير المنجزة، مع توجيه اتهامات بسرقة أموالهم أو اختلاسها بطريقة أخرى. وقد أوقف مالكو المنازل مدفوعات الرهن العقاري لما لا يقل عن 100 مشروع في أكثر من 50 مدينة حتى الأربعاء الماضي، وذلك وفقًا لشركة الأبحاث "تشاينا ريل ستيت إنفورميشن" (China Real Estate Information). ويمثل ذلك أقل من 2% من إجمالي الرهانات العقارية، لكن الإضراب آخذ في الازدياد بتضاعف الأعداد 4 مرات خلال يومين.
ومن المفترض أن يقوم المطورون العقاريون بإيداع المدفوعات التي يتلقونها في حسابات مصرفية محددة، يتم السحب منها على دفعات في أثناء البناء، لكن المريب هو أن البنوك تتواطأ مع المطورين الذين يتعرضون لضغوط شديدة وتقوم بصرف الأموال لأغراض أخرى.
وأفاد الكاتب بأن الآفاق الاقتصادية الدولية آخذة في التدهور. ولا شك أن تأثير تكاليف الطاقة الباهظة والحرب في أوكرانيا والركود العالمي المحتمل ستطال الصين مثل أي بلد آخر. وفي الأثناء، تدرس الشركات الغربية عن كثب سلاسل التوريد العالمية الخاصة بها. ومع تصاعد التوترات الجيوسياسية، أصبحت المرونة الآن هي الشعار، وهذا يعني تنويع مصادر الإمداد بعيدًا عن الصين.
وأشار الكاتب إلى أن التباطؤ يأتي في وقت سياسي حساس بالنسبة للرئيس شي جين بينغ، الذي يهدف إلى تأمين فترة ثالثة غير مسبوقة زعيما للبلاد في اجتماع الحزب الشيوعي الصيني في وقت لاحق من هذا العام. ولا تزال الحكومة تصر على أنها ستحقق نموًا بنسبة 5.5% هذا العام، وهو أمر غير وارد.
وذكر الكاتب أن قلة من المحللين الاقتصاديين يثقون بالإحصاءات الحكومية الصينية رغم تحسنها من حيث الدقة. وعندما كان مقيمًا في الصين، وصف له محلل مالي غربي مقيم في شنغهاي الإحصاءات الصينية بأنها "واحدة من أعظم أعمال الخيال الصيني المعاصر".
وأضاف الكاتب أن الأرقام والإحصاءات الاقتصادية تخدم بالأساس الأهداف السياسية. وقد استخدم المحللون مجموعة من التقنيات السريّة لمحاولة التأكد مما كان يحدث بالفعل مع الاقتصاد، مثل النظر في الطلب على الديزل والكهرباء، والمستويات المتقلبة لتلوث الهواء المزمن في البلاد، ومبيعات السيارات والازدحام. وكان أحد المحللين المغامرين يرسل بانتظام جواسيس إلى الموانئ لحساب عدد السفن وحمولات الشاحنات.
وأقرّ الكاتب بأنه ليس مطلعًا على مستجدات هذه الإجراءات غير الرسمية، لكن المؤكد أن جميعها تنذر بالخطر