يرى خبراء أن توصل تونس إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد للحصول على قرض بنحو 1.9 مليار دولار يتوزع على 4 سنوات، سيمكنها من النفاذ إلى الأسواق المالية العالمية لتمويل موازنتها وإصلاح الاقتصاد، في حين قال آخرون إن تردي التصنيف الائتماني لتونس سيصعّب عليها عملية الحصول على قروض.
وبعد مفاوضات طويلة وشاقة وسط تقلبات سياسية واختلال توازنات المالية العمومية، ظفرت تونس في 15 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، باتفاق مبدئي للحصول على قرض جديد من الصندوق، في انتظار الموافقة النهائية من المجلس التنفيذي للصندوق في ديسمبر/كانون الأول المقبل للحصول على قسط أول.
وعندما تُوقع تونس رسميا الاتفاق مع صندوق النقد -وربما سيكون ذلك على الأرجح عقب الانتخابات التشريعية المقررة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل- ستحصل تونس على قسط أول من القرض بقيمة 237 مليون دولار، وفق ما أكده الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان.
ويقول سعيدان للجزيرة نت إن القرض الذي سيمنحه صندوق النقد بقيمة 1.9 مليار دولار على 4 سنوات سيتم صرفه على 8 أقساط، بمعدل قسطين في السنة الواحدة، لكن الصندوق سيشترط على تونس قبل صرف كل قسط، الالتزام ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، كما سيقوم بنفسه بمراقبة مدى تقدم الإصلاحات.
قد تفتح موافقة صندوق النقد على إقراض تونس الباب أمامها للنفاذ إلى السوق المالية العالمية من أجل تعبئة قروض جديدة على مستوى ثنائي بين الدول أو من قبل المانحين الدوليين، على غرار البنك الدولي أو البنك الأفريقي أو الصناديق العربية، لكن عملية الاستدانة لن تكون بالسهولة التي يظنها البعض.
ويؤكد سعيدان أنه رغم الضمان الذي سيضفيه الاتفاق مع صندوق النقد فإن صورة تونس على مستوى قدرتها على الالتزام بسداد ديونها أصبحت على المحك، موضحا أن تصنيفها الائتماني تراجع نحو الأسفل بعد سنة 2010 بـ9 مرات ووصل إلى مستوى "سي سي سي -" (ccc-) مع آفاق سلبية؛ أي أنها ذات مخاطر عالية.
ومن أبرز العوامل التي حطت من التصنيف الائتماني لتونس هو انعدام الاستقرار السياسي الذي يتيح القيام بإصلاحات اقتصادية وتدهور كل المؤشرات المالية والاقتصادية.
فكلما تراجع الوضع السياسي ارتفعت مخاطر سداد الديون وصعبت عملية الاقتراض، أحد أهم الآليات المعتمدة لتمويل ميزانية الدولة.
وبالعودة إلى قرض صندوق النقد فإن صرف القسط الأول بنحو 237 مليون دولار بعد التوقيع على الاتفاق بفترة قصيرة لا يسمن ولا يغني من جوع وفق سعيدان، الذي يؤكد أن هذا المبلغ لا يسمح سوى بتأمين 3 أيام من التوريد، وأنه لن يغطي احتياجات تونس من العملة الصعبة خاصة في سنة 2023.
يضيف سعيدان، أن العام المقبل سيكون صعبا وثقيلا بسبب حلول آجال تسديد خدمة الدين الخارجي بقيمة تصل إلى 14 مليار دينار (4.5 مليارات دولار)، لكن الحكومة تظل صامتة حتى الآن ولا تتكلم عن كيفية تعبئة الموارد المالية لتمويل ما تبقى من نفقات العام الجاري أو تمويل موازنة سنة 2023.
والحكومة، كما يقول، لم تصمت عند هذا الحد فحسب، بل عبّرت عن فرحها مما تعتبره إنجازا بالحصول على قرض من صندوق النقد، دون أن تفصح لا للرأي العام عن ملامح البرنامج الذي تفاوضت به مع الصندوق، متسائلا مقابل أي ثمن به حصلت على هذا القرض وما تداعياته على التونسيين؟
ولئن لم تستعرض الحكومة برنامج الإصلاحات الذي تفاوضت به مع الصندوق، فإن وزير المالية الأسبق سليم بسباس قال للجزيرة نت إن محاور الإصلاحات تقليدية وتتعلق أساسا بالضغط على كتلة الأجور التي تمثل 17% من الناتج الإجمالي الخام والتخلي الكلي عن دعم بعض المواد النفطية.
ويؤكد أن تونس لم تعد لديها الصلابة المالية الكافية لمواصلة دعم المحروقات لا سيما مع ارتفاع أسعار النفط، موضحا أن تونس كانت ترصد نحو 1.5 مليار دينار (500 مليون دولار) لدعم المحروقات في 2010، لكن المعادلة تغيرت كليا؛ حيث وصل هذا المبلغ إلى 7 مليارات دينار حاليا (ملياري دولار).
رفعت الحكومة التونسية أسعار المحروقات 4 مرات منذ مطلع العام الجاري بسبب تفاقم عجز الموازنة، فبعد أن قدّرت شراء النفط من السوق العالمية بقيمة 75 دولارا، قفزت الأسعار إلى أكثر من 90 دولارا.
وبالنسبة إلى وزير المالية الأسبق سليم بسباس فإن قيمة إبرام اتفاق مع صندوق النقد في هذا الظرف الصعب لا تكمن في حجم القرض، بل على العكس، ذلك أن تونس تقدمت أصلا للحصول على 4 مليارات دولار، لكن إبرام الاتفاق سيجعلها تحت رقابة صندوق النقد وهذا يعطي ضمانة للمانحين الدوليين.
ويقول بسباس إن أغلب المانحين الدوليين ينسقون بشكل مباشر مع صندوق النقد الدولي ويهمهم كثيرا أن تكون تونس تحت رقابة الصندوق، مضيفا أن أي بلد يدخل في اتفاق مع الصندوق سيتحتم عليه الشروع في إنجاز إصلاحات اقتصادية؛ وهو ما ستكون له تبعات جيدة لتحسين التصنيف الائتماني.
وبعد توقيع الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد سيتعلق أول امتحان صعب للحكومة بمدى التزامها بتعهداتها لإدراج الإصلاحات في قانون المالية لسنة 2023.
وتوقع بسباس أن يكون العام المقبل صعبا جدا بسبب حلول آجال سداد الديون التي تجاوزت في مجملها 100% من الناتج الإجمالي الخام.
وتعيش تونس تحت وطأة أوضاع اقتصادية ومالية متأزمة ألقت بظلالها على الموازنة التي تعاني من عجز مهم، وأفرزت انكماشا في معدل النمو (2.8% خلال النصف الأول من العام الجاري)، وارتفاعا في التضخم (9.1% إلى حدود سبتمبر/أيلول الماضي)، وارتفاعا في البطالة (15.3%).