يعيش الجنيه المصري في مقابل الدولار الأميركي حالاً من الاستقرار الموقت، تزامناً مع الأنباء التي تحمل بشرى قرب إتمام الحكومة المصرية اتفاقها مع مسؤولي صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض جديد لا تقل قيمته عن خمسة مليارات دولار أميركي، في الوقت الذي يؤكد المحللون في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" أن حال الاستقرار تلك ما هي إلا الهدوء الذي يسبق العاصفة.
وأعلنت السلطات المصرية مع نهاية زيارة الوفد الخاص بها إلى واشنطن مساء الأحد الماضي نجاح الاجتماعات الفنية التي جرت بين الجانب المصري ومديري وخبراء صندوق النقد الدولي. وأكد بيان رسمي لوزارة المالية أن القاهرة اتفقت مع الصندوق على برنامج للإصلاح الاقتصادي يتضمن ثلاثة محاور رئيسة، تتمثل في الإصلاحات والتدابير الخاصة بالسياسة المالية والنقدية والإصلاحات الهيكلية للاقتصاد المصري.
ويبدو أن البشارة الآتية من واشنطن دعمت موقف الجنيه المصري في مقابل الدولار الأميركي على مدار الأيام الثلاثة الماضية، إذ بقيت العملة المصرية مستقرة أمام نظيرتها الأميركية على شاشات البنك المركزي المصري عند 19.70 جنيه في مقابل كل دولار لسعر البيع، في حين سجل الشراء 19.63 في مقابل كل دولار.
هدوء ما قبل العاصفة
ووصف المحللون والمتخصصون حال الاستقرار التي يعيشها الجنيه المصري في مقابل الدولار الأميركي بـ "الهدوء الذي يسبق العاصفة". ترى نائب رئيس بنك مصر السابق سهر الدماطي ثبات العملة المحلية في مقابل الدولار "ما هو إلا مسألة لحظية"، مؤكدة أن حصول القاهرة على قرض صندوق النقد الدولي "لن يكبح تحركات الدولار في مقابل الجنيه حتى لو تخطت قيمته حدود خمسة مليارات دولار".
وقالت الدماطي "العبرة ليست بالدولارات التي ستحصل عليها مصر من الصندوق لعدة أسباب، أولها أن الأخير لن يدفع لنا قيمة القرض دفعة واحدة، بل ستكون على أقساط سنوية، فقد تصل قيمة القسط الأول إلى ملياري دولار على سبيل المثال".
وتساءلت الدماطي "هل تكفي قيمة القسط الأول للوفاء باحتياجات قائمة الانتظار الطويلة للاعتمادات المستندية للتجار والمستوردين المترقبين لسداد قيمة الفواتير للمصدرين بالخارج؟"، مؤكدة أن "استقرار الجنيه وثباته أمام الدولار لن يحدث إلا بعد تلبية احتياجات الاعتمادات المستندية، والطلب الجامح على العملة الخضراء يفوق حتى حجم المعروض من الدولار".
وتمر القاهرة بأزمة شح الدولار في البنوك المحلية كان لها تداعيات سلبية على عدد من الصناعات المحلية، كان آخرها صناعة الدواجن، إذ يحتجز مليونا طن من الذرة الصفراء و500 مليون طن من فول صويا التي تستخدم كأعلاف لتسمين الدواجن وصغار الفراخ بالموانئ المصرية بانتظار الدولار حتى يفرج عنها.
استقرار غير منطقي
من جانبه أكد المحاضر بالجامعة الأميركية هاني جنينة استحالة استقرار الجنيه المصري في مقابل الدولار الأميركي خلال الفترة المقبلة، موضحاً "من المستحيل في ظل تلك العوامل والمتغيرات أن تستقر العملة المحلية حتى بعد الحصول على تمويل جديد من صندوق النقد. الهدوء الذي يخيم على أسواق الصرف المصرية هو الهدوء الذي يسبق العاصفة".
وأضاف جنينة "ما يدعم فكرة أن هذا الاستقرار وقتي ولن يستمر هو عدم إعلان لجنة التسعير التلقائي للمحروقات الأسعار الجديدة لمدة ثلاثة أشهر على رغم انتهاء الاجتماعات واتخاذ القرار منذ أسبوعين على الأقل"، مؤكداً أن "هذا التريث في عدم الإعلان في ظل هذا الاستقرار غير المنطقي وفي ظل شح الدولار وعدم قدرة البنوك المحلية على تدبير العملة الخضراء لإنهاء طوابير الاعتمادات المستندية العالقة منذ أكثر من أربعة أشهر يؤكد أن العاصفة مقبلة".
وفي المقابل لم يجد نائب رئيس البنك العقاري المصري وليد ناجي تفسيراً لحال الاستقرار الحالية بين العملتين المصرية والأميركية، قائلاً "أعتقد هناك تثبيت للعملة من قبل البنك المركزي المصري في تلك الفترة لسبب ما لا نعلمه"، مؤكداً أنه "لم تحدث طفرة في حصيلة العملة الأميركية أوقفت زحف الدولار أمام الجنيه".
وفي مطلع مارس (آذار) الماضي أوقف البنك المركزي المصري التعامل بمستندات التحصيل في عمليات الاستيراد والعمل بنظام الاعتماد المستندي بدلاً منها، باستثناء 15 سلعة من السلع الأساسية، الأمر الذي خلق أزمة لدى المستوردين لعدم قدرتهم على توفير العملة الأجنبية، وتسبب القرار في تكدس البضائع داخل الموانئ المصرية، وبدأت آثاره تنعكس على السوق المحلية، بخاصة في ما يتعلق بندرة بعض السلع واتجاه التجار إلى رفع أسعارها بنسب قياسية عبر القطاعات التجارية كافة.
انخفاضات منتظرة
في تلك الأثناء قالت وكالة "بلومبيرغ" في تقرير إن المستثمرين يستعدون لانخفاضات أكثر حدة في الجنيه المصري، إذ من المتوقع أن تعقد مصر صفقة أولية مع صندوق النقد الدولي في غضون أيام فقط.
وقال المحلل في كولومبيا ثريدنيدل إنفستمنتس بالعاصمة البريطانية لندن غوردون باورز، "أتوقع أن تبدأ وتيرة خفض الجنيه المصري السريعة للضعف الآن. ستكون خطوة رئيسة لمصر، قبل أن تتمكن من الفوز بموافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على قرض جديد".
ووفقاً لـ"بلومبيرغ"، قالت بعض أكبر البنوك في العالم إن "الجنيه المصري لا يزال مرتفع المستوى وسط صعود الدولار الأميركي حتى بعد أن خفض البنك المركزي قيمته منذ 20 مارس وحتى الآن، حيث صعد الدولار خلال هذه الفترة بنحو 25 في المئة في مقابل العملة المصرية"، مؤكدة أن "الجنيه يحتاج إلى الهبوط إلى 24.6 جنيه في مقابل كل دولار للوصول بالعجز التجاري المصري إلى مستوى معقول"، ومشيرة إلى أن العقد الأجل على الجنيه المصري لمدة شهر واحد في سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم يصل إلى 21.7 لكل دولار، بينما انخفض لمدة ثلاثة أشهر إلى 22.9 جنيه للدولار.
في غضون ذلك قال مستشار محافظ البنك المركزي هشام عز العرب إن "التضخم هو المشكلة الأساسية للاقتصاد المصري"، موضحاً في تصريحات إعلامية أن "ارتفاع سعر الدولار في مقابل الجنيه بنسبة 10 في المئة سيسهم في ارتفاع معدل التضخم أربعة في المئة".
وتشهد مصر خلال الأشهر الأخيرة تسجيل معدلات تضخم مرتفعة تتجاوز 15 في المئة، وهي الأعلى في آخر أربع سنوات، وذلك تأثراً بعدة عوامل ناتجة من تداعيات الحرب في أوكرانيا وسياسة التشديد النقدي التي انتهجتها البنوك المركزية العالمية هذا العام، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
واستقر معدل التضخم السنوي في مصر لإجمالي الجمهورية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي عند المستوى نفسه في أغسطس (آب) الماضي مسجلاً 15.3 في المئة، بحسب بيان للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بينما صعد معدل التضخم السنوي في المدن خلال سبتمبر الماضي إلى 15 في المئة في مقابل 14.6 في المئة خلال أغسطس الماضي.