لقد أضحت السعادة اليوم لاعباً مهماً في الاقتصاد ولعل السؤال الذي يتردد دائماً ما هو الشيء الذي يجعلك سعيداً؟ بالطبع ستكون أغلب الإجابات المال، فالمال هو محرك أساسي لجلب السعادة فبالمال تستطيع أن تستهلك أي سلعة مفضلة كما يمكنك السفر والتجول والترفيه ذلك أنه من الناحية الاقتصادية: كلما أرتفع دخل الفرد فإنه يستطع تحقيق أكبر منفعة ممكنة وبالتالي ستزيد نسبة سعادته ورضاه.
يقول الخبير الاقتصادي السويسري برونو فراي Bruno Frey بأن : الناس الذين لهم دخل أفضل، هم أكثر سعادة ويعد برونو من أوائل الباحثين الاقتصاديين ممن اهتموا بموضوع السعادة وعلاقتها بالنماذج الاقتصادية وفق معايير ومقاييس تعتمد على الاستقصاء والأسئلة الميدانية وقد توصل في أبحاثه إلى أن النمو الاقتصادي والازدهار يجعل الشعوب أكثر سعادة وقال: عندما نقارن البلدان الفقيرة مع بلدان أخرى، يكون فيها متوسط الدخل مرتفعا، يتضح بشكل جلي أن البلدان الغنية ومواطنيها غالبا ما يكونون أكثر سعادة بيد أن برونو أشار إلى نقطة جديرة بالاهتمام وهي أنه كلما ضاعف الغني من ثروته وأملاكه فإنه لا يصبح أكثر سعادة وقال إن الصحة والعائلة والأصدقاء عوامل مهمة للسعادة.
دار ويدور جدل واسع النطاق في دائرة خبراء وفلاسفة علم الاقتصاد حول ما إذا كان الناتج المحلي الإجمالي هو المؤشر الحقيقي للرفاهية الاقتصادية وما اذا كان بالإمكان اضافته للناتج المحلي الإجمالي من خلال مؤشر السعادة والتي يصعب معها في ذات الوقت إيجاد قياس كمي لها ، بيد أن الاقتصاد السلوكي يأخذ على محمل الجد مكونات السعادة والرفاه وتحويل إجمالي السعادة الوطنية GNH إلى شيء ملموس يمكن قياسه بمؤشرات التنمية وبيانات الاستطلاع والاستقصاء وخاصة تلك التي ترتبط بالدخل ومشاعرهم العاطفية حول ذلك وفي أوقات محددة .
في المقابل يرى عدد كبير أن الناتج المحلي الإجمالي يجب أن يكون داخل دائرة الأنشطة الاقتصادية التي تركز على القيمة السوقية للسلع والخدمات فقط محذرين من قياس أثر الرفاهية وربطه بذلك كونها أمرا غير ثابت وصعبا ومعقدا وتتداخل معها التقلبات الاقتصادية والظروف المختلفة لإعادة تشكيلها بأنماط متغايرة صعودا وهبوطا فيصعب قياسها.
ينظر الكثير من الاقتصاديين إلى أن توفير فرص العمل يجلب السعادة المجتمعية حتى وإن كانت تلك الوظائف ضمن تصنيفات ساعات العمل الأقل أو الوظيفة بالإنتاجية في حين أن فقدان الوظيفة أحد أهم مسببات التعاسة، لذلك قد تكون العلاقة نسبية بين مستويات الدخل والمجتمع فما يمكن أن يكون دخلا مرتفعا في مجتمع ما قد لا يكون بذات القدر في مجتمع آخر.
في كتابه دروس في السعادة AN ECONOMIST’S LESSONS ON HAPPINESS يجيب مؤلفه الخبير الاقتصادي ريتشارد أ. إيسترلين أستاذ الاقتصاد بجامعة بنسلفانيا في العام 1974 على الكثير من الأسئلة التي تتعلق باقتصاديات السعادة مثل هل يمكننا قياس السعادة؟ هل سيجعلنا المزيد من المال أكثر سعادة؟ هل سيجعلنا الزواج، والإنجاب، وممارسة التمارين الرياضية أكثر سعادة؟ من هم أكثر سعادة، الرجال أم النساء؟ الشباب أم كبار السن؟ الأغنياء أم الفقراء؟ هل تختلف مستويات السعادة باختلاف المراحل العمرية؟ هل للحكومات دور في سعادة شعوبها؟ وهل عليها العمل على رفع مستوى هذه السعادة؟ ما هي الدول الأكثر سعادة؟ وهل سعادة الشعوب مرتبطة بغنى شعوبها؟ هل يترافق النمو الاقتصادي بنمو في مستويات السعادة؟
لذلك يعتبر هذا الكتاب من أهم وأكبر المرجعيات الاقتصادية التي ألقت الضوء على المقاييس الفعلية للسعادة وربطها بعلم الاقتصاد ضمن مشاعر حقيقية معترف بها، وليسوا مجرد أدوات أو عوامل إنتاج ومن خلال نظريته التي تسمى تناقض إيسترلين Easterlin paradox حاول اكتشاف اقتصاديات السعادة والتي تقول: بأنه في وقت ما تختلف السعادة بشكل مباشر مع الدخل ولكن بمرور الوقت لا تتجه السعادة إلى الأعلى مع استمرار نمو الدخل، وقال: في جميع دول العالم سواء كانت غنية أو فقيرة، تتمثل السعادة في إنجاز الأمور اليومية، مثل كسب أموال، ورعاية الأسرة، والحفاظ على صحة جيدة، والعمل بوظيفة مثيرة للاهتمام، وأكد أن علماء النفس تحققوا من صحة الإجراءات التي قام بها الاقتصاديون في دراسة طبيعة النتائج، من خلال رسم بياني للسعادة بالعديد بالدول، حيث اتضح أن الأفراد الأقل سعادة هم العاطلين عن العمل والأقل تعليمًا، ومن يعاني من حالة صحية سيئة ويعيش دون شريك للحياة، واعتبر إيسترلين السعادة مقياسًا أشمل للرفاهية، تضع في الاعتبار الجانب الاقتصادي لتحل محل الناتج المحلي الإجمالي.
وبالنظر إلى تقرير مؤشر السعادة العالمي World Happiness Report 2022 نجد بعض الدول التي احتلت المقدمة من الدول الأقل ثروة والأقل في الدخل الفردي متفوقة بذلك على دول متقدمة مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا الصين واليابان من هنا يتعامل اقتصاد السعادة مع التدابير المتعلّقة بالسعادة كأمر يتوجّب تعظيمه، بدلاً من التعامل مع الثروة أو الدخل أو الربح أي أن هناك ارتباطا وثيقا بين الناتج المحلي الإجمالي والسعادة، من هنا فإن مؤشر السعادة العالمي Happy Planet Index HPI يقيس مدى السعادة في الدول والمجتمعات استناداً إلى دراسات وإحصائيات متعددة منها: مدى شعور الأفراد بالسعادة والرضا في حياتهم، إضافة إلى عوامل أخرى مساعدة مثل الدخل الإضافي والدعم الاجتماعي، وغياب الفساد.
مجمل القول: لطالما عبّر الكثير من الناس عن رضاهم بما تحقق لهم من مكاسب غير مالية في نجاح حياتهم وفي الغالب يشكل الحصول على المال أحد الجوانب الرئيسية التي تساعد في تكاليف الحياة في حدودها المتوازنة والمعقولة لكن أحيانا الثراء لا يجلب السعادة في أرقى صورها كما ينبغي عطفاً على الانشغال المستمر ونقص في المشاعر الإنسانية والمجتمعية وفقاً لدراسات وبحوث متخصصة ولكن يبقى السؤال الأهم… كيف تكون سعيداً؟ تذكر دائما أن الحياة مليئة بالفرص لكنها تحتاج إلى التخطيط الجيد والقرارات الصحيحة فالسعادة حالة عابرة وليست دائمة فعالمك سيصبح مكانًا أكثر سعادة عندما يُظهر لنا الناس اللطف ، لكن هل تعلم بأن كونك لطيفًا مع الآخرين يُحسن رفاهيتنا وسعادتنا وإحساسنا بالقيمة المضافة للجميع لتكون حياتنا اجمل .
*نقلاً عن صحيفة "مال"