يبدو أن مرونة الاقتصاد الأمريكي ومعنويات المستهلك لا تبدي أية مؤشرات على التباطؤ، مما يبقي الاحتياطي الفيدرالي متشدداً بصورة غير معتادة، وفي المقابل فإن معنويات التفاؤل ما زالت قائمة بمنطقة اليورو حيث أشارت أحدث التقارير إلى انكماش الاقتصاد بوتيرة أكثر اعتدالاً، بينما تشهد المملكة
بينما بنك اليابان يفاجئ الأسواق بتعديل غير متوقع لضوابط عائدات السندات، مما سمح لمعدلات الفائدة طويلة الأجل بالارتفاع، وسط توقعات باستمرار مفاجأت المركزي الياباني والتي ربما صل ذروتها مطلع العام المقبل.
استعاد الدولار الأمريكي توازنه بعد مفاجأة اجتماع السياسة النقدية لبنك اليابان هذا الاسبوع، كما أدى تشدد مجلس الاحتياطي الفيدرالي لسياساته النقدية والدعم الاقتصادي القوي إلى إبقاء الدولار مستقراً عند مستوى 104.325، مع الابقاء على مكاسب أقرانه الرئيسيين محدودة.
وفي المقابل استقرت العملة الموحدة في حدود 1.06، لتنهي تداولات الأسبوع عند مستوى 1.0618.
بينما ساهمت الرياح المعاكسة وتزايد احتمالات الركود في التأثير سلباً على الجنيه الإسترليني الذي وصل إلى 1.2062.
وارتفع الين الياباني إلى نحو 132 أمام الدولار، مقابل 137.16 قبل الجلسة مباشرة، وانهى تداولات الأسبوع عند 132.79.
وتأرجح الدولار الأسترالي في حدود 0.6700 وأنهى تداولات الأسبوع عند مستوى 0.6719، بعدما أقر المركزي بأن رفع أسعار الفائدة لم يتسرب بالكامل إلى الاقتصاد حتى الآن ويسبب بعض المعاناة
لم تظهر مرونة الاقتصاد الأمريكي أي مؤشرات دالة على التراجع أو التباطؤ، ورغم تباين مجموعة البيانات التي صدرت مؤخراً، لكنها ما تزال ترسم صورة لاقتصاد قوي يواصل النمو بصفة عامة.
وتم تعديل القراءة النهائية للناتج المحلي الإجمالي عن فترة الربع الثالث من العام الحالي ورفعها بشكل غير متوقع من 2.9% إلى 3.2%، ويعزى هذا النمو إلى تحسن الصادرات والإنفاق الاستهلاكي بوتيرة جيدة.
ماذا عن سوق العمل
بالنسبة لسوق العمل فلم تشهد طلبات الحصول على إعانات البطالة الأمريكية تغيراً يذكر الأسبوع الماضي، إذ ارتفعت الطلبات بمقدار ألفي طلب فقط لتصل إلى 216 ألف طلب، لتظل بذلك قريبة من أدنى مستوياتها المسجلة تاريخياً، مما يؤكد إحجام الشركات عن تسريح الموظفين في ظل قلة توافر العرض في سوق العمل.
وما يزال سوق العمل ضيقاً على الرغم من ملاحظة بعض المؤشرات الدالة على التباطؤ، هذا إلى جانب الاختلال المستمر في سوق العمل بين العرض والطلب مما يضغط على الأجور ويدفعها للارتفاع.
جني الثمار
وهناك بعض المؤشرات الدالة على أن رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة بدأ يؤتي بثماره من خلال إبطاء وتيرة نمو الاقتصاد، حيث تقلصت مبيعات العقارات السكنية في الولايات المتحدة بنسبة 7.7% في نوفمبر، مسجلة الشهر العاشر على التوالي من الانخفاض.
وذلك نظراً لما أدى له ارتفاع معدلات الرهن العقاري في الحد من قدرة المشترين على تحمل التكاليف، وفي مؤشر آخر، ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، مقياس التضخم المفضل لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، بوتيرة أكثر تواضعاً في نوفمبر بنسبة 0.2% على أساس شهري وبنسبة 4.7% على أساس سنوي بما يتماشى مع التوقعات.
إلا انه في ظل تراجع معدلات التضخم وانخفاض أسعار البنزين لأدنى مستوياتها المسجلة منذ منتصف عام 2021، تحسنت معنويات الأمريكيين تجاه الاقتصاد.
وارتفعت ثقة المستهلك في ديسمبر إلى أعلى مستوياتها منذ أبريل بعد تسجيلها تراجعات شهرية متتالية، إذ ارتفع مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن كونفرنس بورد إلى 108.3 نقطة، بارتفاع حاد مقابل 101.4 نقطة في نوفمبر.
وارتفع مؤشر الوضع الحالي المستند إلى تقييم المستهلكين للظروف
الحالية للأعمال وسوق العمل إلى 147.2 نقطة مقابل 138.3 نقطة الشهر الماضي. وصعد مؤشر التوقعات الذي يعتمد على توقعات المستهلكين قصيرة
الأجل للدخل والأعمال وظروف سوق العمل إلى 82.4 نقطة صعوداً من 76.7 نقطة، لكن المؤشر مازال يتراوح حول 80 وهو مستوى مرتبط بالركود.
تعالي أصوات المتشددين
مع إشارة البيانات إلى أن ضغوط الأسعار ربما تكون قد بلغت ذروتها وأن الأسواق تتوقع وقف الاحتياطي الفيدرالي وتيرة رفع أسعار الفائدة، تصاعدت الأصوات المتشددة.
وأوضح مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنه مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم على أساس سنوي، متخطية أكثر من 7%، فمن السابق لأوانه التخلي عن سياسات رفع أسعار الفائدة.
وتعهد مسؤولو البنك المركزي بمواصلة رفع أسعار الفائدة حتى يتأكدوا من انخفاض معدل التضخم، ويبدو أن التوقعات الاقتصادية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي تتضمن الافتراض بعودة التضخم للارتفاع مجدداً بنهاية العام الحالي.
كما يتوقع المسؤولون أن ينهي معدل التضخم الأساسي عام 2022 في حدود 4.8%، مقابل 4.5% المتوقعة في سبتمبر.
وواصل مسؤولو البنك المركزي الأوروبي، مثل نظرائهم الأمريكيين، نبرتهم المتشددة، حيث قال نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، لويس دي جويندوس إن البنك المركزي سيواصل رفع سعر الفائدة حتى تظهر التوقعات أن ارتفاعات الأسعار غير المسبوقة في المنطقة تتجه إلى مستوى 2% المستهدف.
واقترح دي جويندوس مناقشة رفع سعر الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس أخرى في الاجتماع المقبل للبنك المركزي الأوروبي مطلع فبراير.
كما شدد يواكيم ناجيل عضو مجلس رئاسة البنك المركزي الألماني على الحاجة إلى رفع أسعار الفائدة نظراً لأن الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى تبدأ معدلات التضخم في التباطؤ للوصول إلى هدف البنك المركزي البالغ 2%.
عاجل: بنوك مصر تترقب قرارًا هامًا.. بانتظار شهادة الـ20%
تفاؤل في منطقة اليورو
في إشارة إلى بدء تباطؤ ضغوط الأسعار، انخفضت أسعار المنتجين في ألمانيا بنسبة 3.9% على أساس شهري في نوفمبر، وذلك للمرة الثانية التي تتراجع فيها الأسعار بشكل كبير على أساس شهري بفضل التطورات التي أدت إلى انخفاض أسعار الطاقة.
فعلى الصعيد النفسي، تزايدت معنويات التفاؤل عبر أوروبا، حيث تحسنت توقعات الأعمال في ألمانيا في ديسمبر للشهر الثالث في ظل ظهور مؤشرات دالة على أن معدلات التضخم التي وصلت إلى مستويات ثنائية الرقم قد تكون قد بلغت ذروتها ويمكن تجنب ركود عميق خلال فصل الشتاء.
إذ انتعش مؤشر لمناخ الأعمال الألماني، أحد أبرز المؤشرات الرئيسية في البلاد، ليصل إلى 88.6 نقطة هذا الشهر مقابل 86.4 نقطة في نوفمبر، كما كان هناك مؤشر آخر، وهو مؤشر مناح المستهلك الألماني (GFK) الذي يقيس مستوى ثقة المستهلك في النشاط الاقتصادي، حيث ارتفع للمرة الثالثة على التوالي ليصل إلى -37.8 نقطة مقابل -40.1 نقطة بفضل أسعار الطاقة المعتدلة وحزم الإغاثة التي تقدمها الحكومة الألمانية للحد من تكاليف الطاقة.
مخاوف الركود
وعلى الرغم من تحسن مشاكل سلسلة التوريد العالمية إلى حد ما، إلا ان المؤشرات المبكرة من الدول الآسيوية تدل على إمكانية ضعف التجارة العالمية خلال الأشهر المقبلة بالتزامن مع ظهور موجة جديدة من تفشي الجائحة في الصين ما قد يؤثر على التجارة.
وأخيراً، يتم تحميل ارتفاع أسعار الطاقة تدريجياً إلى المستهلكين، وهو اتجاه سيستمر طوال العام المقبل وبالتالي قد يؤثر على الاستهلاك الخاص، وعلى الرغم من إمكانية دخول أوروبا في مرحلة ركود اقتصادي، إلا أن البيانات الصادرة تميل أكثر نحو تراجع إمكانية حدوث انكماش.
سقف الغاز
وعلى الصعيد السياسي، تمكن الاتحاد الأوروبي من التغلب على خلافات دامت شهوراً بتحديد سقف لأسعار الغاز عند 180 يورو لكل ميغاواط/ساعة، وبذلك يمكن للاتحاد الأوروبي تطبيق ما يسمى بآلية تصحيح سوق الغاز، وهو إجراء مؤقت لمنع تقلبات الأسعار بدءًا من 15 فبراير 2023.
ويعتبر الحد الأقصى الذي تم التوصل إليه أقل بكثير من الاقتراح السابق، الذي لم يكن بإمكانه منع الارتفاع المفاجئ الذي شهدته المنطقة في وقت سابق من هذا العام عندما قلصت روسيا إمدادات الغاز خلال حربها في أوكرانيا.
المملكة المتحدة.. انحدار سريع
ينحدر الاقتصاد البريطاني بشكل أعمق نحو الانكماش، خاصة بعد تعديل بيانات الناتج المحلي الإجمالي وخفضها للربع الثالث من العام الحالي، إذ تراجع بنسبة 0.3% مقابل التقديرات الأولية التي اشارت إلى تسجيل تراجعاً بنسبة 0.2%.
ونما قطاع الخدمات خلال الربع الثالث بنسبة 0.1% بينما انخفض قطاع الإنتاج بنسبة 2.5%، ومقارنة بمستويات ما قبل الجائحة، انخفض الناتج المحلي الاجمالي لقطاع الخدمات بنسبة 1.3% عن مستويات الربع الرابع (أكتوبر إلى ديسمبر) 2019، بعد تعديله وخفضه من 0.9%.
وتقلص نمو قطاع الإنتاج الآن على مدار خمسة أرباع متتالية منذ الربع الثالث من عام 2021، وكان كلا من قطاعي التصنيع والبناء والتشييد الأكثر تضرراً، واستمر الدخل الحقيقي المتاح للأسر في الانخفاض وسط مواصلة ارتفاع معدلات التضخم.
ويقدر الآن أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي السنوي قد ارتفع بنسبة 7.6% من عام 2020 إلى عام 2021، بعد تعديله من التقدير السابق البالغ 7.5%.
إلا انه على الرغم من المراجعة التصاعدية للنمو السنوي للعام 2021، فإن المراجعات النزولية ربع السنوية للعام 2022 تعني أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يقدر تراجعه الآن بنسبة 0.8% مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة، بعد تنقيحه من التقدير السابق الذي اشار إلى تراجعه بنسبة 0.4%.
سياسات تيسير للغاية في اليابان
فاجأ بنك اليابان الأسواق في اجتماع السياسة النقدية الأخير الأسبوع الماضي بالإبقاء على سعر الفائدة عند مستوى -0.10% الذي يعد أدنى مستوياته المسجلة، وقام بتعديل سياسة التحكم في منحنى العائد في وقت أقرب بكثير مما كان متوقعاً.
إذ تم الإبقاء على هدف التحكم في العائد عند مستوى 0% للسندات لأجل 10 سنوات، لكن نطاق تداول العائد تم توسيعه إلى 0.50%، أي ضعف الحد السابق البالغ 0.25%.
ونظراً لأن ارتفاع معدلات التضخم تؤدي إلى زيادة الضغوط، لذا فإن رفع سقف عوائد سندات الحكومة اليابانية يعني أن الدين الياباني قد يؤدي إلى رفع سعر الفائدة.
صرح بنك اليابان إنه سيزيد بشكل كبير مشترياته من السندات إلى 9 تريليون ين (67.5 مليار دولار) شهرياً مقارنة بمستويات بالخطة الحالية البالغة 7.3 تريليون ين شهرياً.
ورأى حاكم بنك اليابان، هاروهيكو كورودا بأن الهدف تحسين سيولة سوق السندات وتعزيز استدامة التيسير النقدي، إلا ان العديد من المستثمرين يرون أنها الخطوة الأولى نحو تطبيع السياسات.
ووصل الأمر إلى توقع البعض رفع بنك اليابان سعر الفائدة في وقت ما من العام المقبل، وتواصل بيانات التضخم في اليابان ارتفاعها رغم وصف حاكم البنك المركزي كورودا لها بأنها عابرة ومؤقتة.
وسجل مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية، لكنه يشمل تكاليف الطاقة، أعلى مستوياته المسجلة في 40 عاماً، وصولاً إلى 3.7% على أساس سنوي
وتفاعلت الأسواق بوتيرة حادة بعد تحرك سياسة تحكم بنك اليابان في منحنى العائد. إذ قفز العائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى 0.46% من 0.25% بعد صدور القرار.
تراجع شهية مواصلة رفع الفائدة في أستراليا
وفقاً لمحضر الاجتماع الأخير للبنك الاحتياطي الأسترالي الذي تم عقده في وقت سابق من هذا الشهر، تم النظر في ثلاث خيارات تمثلت في رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، أو 50 نقطة أساس، أو التوقف مؤقتاً قبل رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس.
وتعتبر تلك المرة الأولى خلال دورة التشديد التي استمرت 8 أشهر التي يطرح فيها أعضاء الاحتياطي الفيدرالي الأسترالي مسألة الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير.
وقرر بنك الاحتياطي الأسترالي عدم رفع سعر الفائدة لأن البيانات الاقتصادية التي وردت مؤخراً لم تستدع تغيير الموقف بعد، إلا ان التفكير في إيقاف رفع سعر الفائدة يشير إلى أنه قد يكون على وشك تهدئة وتيرة السياسات المتشددة.
وفيما يتعلق باتخاذ قرار الاستمرار في التشديد، أشار أعضاء مجلس الإدارة إلى أن أحدث توقعات البنك المركزي أن التضخم كان من المتوقع أن يستغرق عدة سنوات للعودة إلى مستوى 2-3% المستهدف، حتى مع مواصلة رفع سعر الفائدة.
وسعياً منه لتعزيز مستويات المرونة لأقصى درجة للتمكن من المناورة خلال الدورة الحالية، أكد بنك الاحتياطي الأسترالي أنه يتوقع مواصلة رفع سعر الفائدة مع التأكيد على عدم وجود مسار محدد مسبقاً.
وسوف يستمر في تحديد حجم وتوقيت الارتفاعات المستقبلية بناءً على البيانات الواردة وتوقعات التضخم وسوق العمل، وكشف المحضر أن الأعضاء رأوا قدراً كبيراً من حالة عدم اليقين بشأن التوقعات الاقتصادية على الصعيدين المحلي والعالمي،
وما يزال توقيت ومدى التباطؤ المحتمل لإنفاق الأسر غير معروف. كما أقر مجلس الإدارة أيضاً بأن رفع أسعار الفائدة لم يتسرب بالكامل إلى الاقتصاد حتى الآن ويسبب بعض المعاناة، حيث لا يزال عدد كبير من الأسر يخضع لمعدلات رهن عقاري ثابتة ولم يتأثر بتسارع وتيرة سياسات التشديد النقدي حتى الآن.