بعد أن استقر سعر صرف الجنيه المصري لفترة طويلة عند 15.65 جنيها للدولار، عاود الانخفاض أمام الدولار مرة أخرى منذ مارس/آذار 2022 وحتى الآن.
وعبر عمليات تخفيض تدريجية، وصل سعر الصرف إلى 27.9 جنيها للدولار يوم الثلاثاء 10 يناير/كانون الثاني 2023، إلا أن ما حدث من انخفاض يوم الأربعاء 11 يناير/كانون الثاني 2023 أثار الكثير من المخاوف، حيث بلغ سعر صرف الدولار 32 جنيها، لكن مع نهاية تعاملات اليوم الاثنين تحسّن سعر صرفه ليستقر قريبا من 29.7 جنيها للدولار.
هذا الأمر جعل الخبراء يقدمون أكثر من تفسير لهذا التحسن الطارئ والمفاجئ، فمنهم من رأى أن هذا التحسن نتيجة ممارسة البنك المركزي دوره، وفق اتفاق صندوق النقد الدولي الذي ينص على تبني سعر صرف مرن، مع حق تدخل البنك المركزي عند وجود صعود حاد في سعر الصرف.
إلا أن وسائل إعلام مصرية وأجنبية نشرت تقارير تفيد بعودة صناديق الاستثمار الأجنبية للعمل في أذونات الخزانة، وأن بعضها ضخ بالفعل نحو 250 مليون دولارا عبر أحد البنوك المصرية، لشراء هذه الأذونات التي تجاوز سعر الفائدة عليها سقف 21%.
هنا استشعر البعض خطر لجوء الحكومة مرة أخرى لتوظيف الأموال الساخنة في معالجة أزمة التمويل بشكل عام، وتحقيق استقرار في سعر الصرف بشكل خاص.
والأموال الساخنة هي أموال مستثمرين ومؤسسات أجنبية يبحثون عن عوائد مالية مرتفعة جدا عبر استثمارات قصيرة الأجل في السندات بكل أنواعها والودائع المصرفية وغيرها.
وعن موقف الحكومة المصرية من الأموال الساخنة، كان وزير المالية المصري محمد معيط قد صرّح في أواخر يونيو/حزيران الماضي بأن "الدرس الذي تعلمناه هو أنك لا يمكنك الاعتماد على هذا النوع من الاستثمار، إنه يأتي فقط للحصول على عوائد مرتفعة، وما إن تحدث صدمة حتى يغادر البلاد".
الجدير بالذكر أن مصر اعتمدت على هذه الأموال بشكل كبير بعد وصولها لاتفاق مع صندوق النقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وتأرجحت قيمتها ما بين 14 مليار دولار و30 مليارا، إلا أنه بعد الحرب الروسية على أوكرانيا خرجت هذه الأموال من مصر بشكل كبير، حيث قدرت قيمتها بنحو 22 مليار دولار، وهو ما أحدث فجوة كبيرة في ميزان المدفوعات المصري للعام المالي 2021-2022.
وكان لهذه الأموال دور كبير في استقرار سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية لفترة طويلة، إلا أن ذلك لم يكن بلا ثمن، فقد تم دفع أعباء الفوائد على هذه الأموال بأعلى سعر فائدة في العالم آنذاك، وهو ما ساهم في تضخيم فاتورة أرباح الاستثمارات الأجنبية بمصر.
وبعد هذا السرد، نجد أن السؤال الذي يجب أن تجيب عنه هذه السطور هو: أين تكمن مخاطر تلك الأموال على الاقتصاد المصري؟
أزمة التمويل التي تعيشها مصر منذ فترة تجعل صانع السياسة الاقتصادية يعمل خلال الفترة القادمة على إيجاد حلول جذرية، تسعى إلى ردم الفجوة الدولارية لتعاملات مصر الاقتصادية مع العالم الخارجي.
لا شك أن عودة الحكومة المصرية مرة أخرى للأموال الساخنة، سينتج عنها المخاطر التالية:
وقد رصد ميزان المدفوعات المصري لعام 2021-2022 مدفوعات الاستثمار للخارج بنحو16.8 دولار، وتتضمن بندين هما: الأرباح المتحققة على الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، والفوائد والتوزيعات المدفوعة على استثمارات غير المقيمين في السندات والأوراق المالية.
إذا مثلت حالة الضرورة القصوى للحكومة المصرية اللجوء للأموال الساخنة، فليكن خلال الأجل القصير، وبما لا يزيد على عام، ثم يكون البديل هو تضييق فجوة الطلب على الدولار، وفق آلية اقتصادية مدروسة، وفق المسارات الآتية: