بعد أن أطاح ارتفاع سعر الدولار الأميركي بمحافظ المصرف المركزي الإيراني السابق علي صالح آبادي قبل 25 يوما، تراجعت العملة المحلية (الريال) أمس الأحد إلى مستوى قياسي جديد حيث تجاوز سعر الدولار الواحد 452 ألف ريال بالسوق غير الرسمية.
وكانت العملة الإيرانية قد استعادت جزءا بسيطا من قيمتها الشهر الجاري، حيث انخفض الدولار من 440 ألف ريال الأسبوع الأول إلى 400 ألف ريال الأسبوع الثاني منه بفعل الوعود التي أطلقها حاكم المصرف المركزي الجديد محمد رضا فرزين بشأن تعزيز قيمة العملة الوطنية.
وبعد الاستقرار النسبي الذي شهده الريال خلال الأسبوعين الماضيين، اضطرب سعره من جديد مع ورود أنباء عن عقوبات أوروبية محتملة وأخرى أميركية على بنوك عراقية بهدف التضييق على الاقتصاد الإيراني المحاصر.
وإلى جانب ارتفاع سعر الدولار، شهدت أسعار المعدن الأصفر ارتفاعا ملحوظا في طهران، حيث بلغ غرام الذهب عيار 18 رقما قياسيا جديدا وتجاوز 20 مليونا و110 آلاف ريال، في وقت بلغ سعر اليورو 489 ألف ريال، وفق مكاتب الصيرفة وسط العاصمة الإيرانية.
وبتسجيل العملة الإيرانية أعلى انهيار أمام الأجنبية منذ انتصار ثورة الخميني عام 1979 حيث كان الدولار يوازي حينها 70 ريالا، ولكن الريال تراجع عشية الذكرى الـ 44 لانتصار الثورة نحو 6400 مرة أمام العملة الخضراء بالسوق غير الرسمية.
ويعزو مراقبون بإيران سبب فقدان الريال قيمته إلى تسييس الاقتصاد وتأثره بالتطورات الدولية، لاسيما مستجدات الملف النووي والتوتر مع الغرب الذي ينعكس مباشرة على زيادة العقوبات الأجنبية والتضييق على الاقتصاد الإيراني.
وفي السياق، يقرأ عالم الاقتصاد الإيراني "آلبرت بغزيان" تأرجح العملة الوطنية في سياق الخطط الاقتصادية المتأثرة بالسياسة، موضحا أن سعر الدولار ارتفع نحو 5 آلاف ريال إثر دعوة البرلمان الأوروبي إلى وضع الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية، في حين أن العملة الأميركية كانت قد انخفضت بحدود 4 آلاف ريال عقب استقالة الحاكم السابق للمصرف المركزي الإيراني، مما يؤكد الارتباط الوثيق بين الاقتصاد الوطني وسياسة البلاد الخارجية.
وفي تصريح صحفي نشرته وكالة أنباء انتخاب، يبحث بغزيان عن سبب انخفاض قيمة الريال في ميدان الخلافات السياسية بين طهران وواشنطن من جهة والعواصم الأوروبية من جهة أخرى، ويرى أن الحل يكمن في إزالة شبح العقوبات عن الاقتصاد الوطني.
ويحث عالم الاقتصاد الإيراني سلطات بلاده على التحرك الجاد من أجل التنفيس عن الاقتصاد المحاصر من بوابة المفاوضات النووية الرامية إلى إنقاذ الاتفاق النووي.
وقد تدهورت العلاقات بين الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وطهران خلال الشهور القليلة الماضية مع تعثر الجهود لإحياء الاتفاق النووي، بالإضافة إلى اعتقال طهران عددا من المواطنين الأوروبيين بتهم التجسس أو التحريض على الاحتجاجات الأخيرة ضد الحكومة.
في غضون ذلك، حاول حاكم المصرف المركزي محمد رضا فرزين، الأحد، طمأنة الإيرانيين بشأن عملتهم الوطنية، معلنا أن البلاد لا تواجه مشكلة في احتياطاتها من العملة الصعبة التي ارتفعت نحو 20 مليار دولار موخرا.
وكشف فرزين، في برنامج متلفز، عن الإفراج عن 200 مليون دولار من الأصول الإيرانية بالعراق، مؤكدا أن المصرف المركزي يتابع تحرير جميع الأصول المجمدة بالخارج، وأن مفاوضاته مع الشركاء الإقليميين بلغت نتائج جيدة ستنعكس إيجابا على تثبيت سعر الصرف الرسمي.
من ناحيته، وصف الباحث الاقتصادي، معين صادقيان، وعود فرزين بأنها تأتي في سياق ما يعرف بـ "علاج النطق" مستدركا أن الوعود التي أطلقها حاكم "المركزي" ستؤثر نسبيا في كبح جماح سعر الدولار، إلا أنه يرجح استمرار تراجع قيمة الريال خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقترح صادقيان رفع سعر الفائدة والحد من عجز الميزانية إلى جانب خفض التوتر مع القوی الخارجية لمنع سعر الدولار من الارتفاع وبلوغ آفاق جديدة في السوق الإيرانية، مؤكدا أن التضخم المستفحل يدفع المواطن على اقتناء العملة الصعبة لحفظ قيمة أمواله مما يرفع الطلب على الدولار مقارنة مع العرض المحدود.
وتوقع أن تقدم الحكومة الإيرانية على ضخ العملة الصعبة بالسوق الحرة للحد من استمرار انهيار العملة الوطنية، واصفا تأثير هذه السياسة بأنه مؤقت مثله مثل اعتقال سماسرة الدولار بتهمة الإخلال بالاقتصاد الوطني.
وخلص الباحث إلى أن محاولات بلاده للتبادل التجاري بالعملات الوطنية مع الدول الأخرى لن تستطيع الحد من تراجع قيمة العملة الوطنية، موضحا أنه في ضوء ثبات قيمة العملات الأخرى أمام الدولار، سترفع أسعارها بالسوق الإيرانية مع تراجع قيمة الريال.
وعقب الاستقرار النسبي الذي شهده الريال عقب التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، عاد الاضطراب إلى العملة الإيرانية إثر الانسحاب الأميركي عام 2018 من الاتفاق، ومنذ ذلك الوقت شهد سعر العملة الأميركية طفرات أمام الريال مع تراجع احتمالات إحياء الاتفاق النووي.