تترقب الأسواق هذا الأسبوع سلسلة من الاجتماعات الحاسمة للبنوك المركزية العالمية الكبرى هي الأولى في مستهل 2023 وسط آمال في أن يقود الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مسيرة إبطاء وتيرة رفع الفائدة بعد عام شهد واحدة من أقوى موجات التشديد النقدي لكبح التضخم.
يعقد الفيدرالي الأميركي يومي الثلاثاء والأربعاء، اجتماعه الأول هذا العام، وسط توقعات بأن يكتفي بزيادة الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس فقط، لتصل إلى 4.75 بالمئة، بعد أن رفعها 50 نقطة أساس في ديسمبر، وذلك بعد أن أظهر التضخم بعض الاستجابة لتحركاته المتشددة طوال العام الماضي.
ورفع المركزي الأميركي أسعار الفائدة 7 مرات العام الماضي، بإجمالي 425 نقطة أساس، من مستوى يقترب من الصفر، وهو ما أدى إلى زيادة تكاليف الاقتراض، وساهم في تباطؤ معدل التضخم إلى مستوى إلى 6.5 بالمئة في ديسمبر الماضي، فيما يعتبر أقل زيادة سنوية للأسعار خلال عام.
ورغم هذه التحركات المتشددة من الفيدرالي الأميركي، التي تستهدف مواجهة أعلى معدل تضخم شهدته البلاد في نحو 4 عقود، فإن الاقتصاد الأميركي لا يزال يبدي علامات قوة حيث عاد للنمو في آخر فصلين من العام الماضي، كما أن سوق التوظيف لا تزال قوية، وهو ما دفع بعض الخبراء إلى توقع زيادة أكبر في الفائدة تصل إلى 50 نقطة أساس هذا الأسبوع.
لكن الفريق الأكبر الذي يتوقع زيادة الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس فقط، يشير إلى أن المركزي الأميركي سيفضل إبطاء وتيرة زيادة الفائدة من أجل استكشاف تأثير تحركاته على أداء التضخم والاقتصاد، وتحقيقا لهدفه المتعلق بـ "الهبوط السلس" للتضخم دون جر البلاد إلى خطر الركود الطويل.
وفي كل الأحوال فإن تصريحات مسؤولي السياسة النقدية في أميركا، تؤكد أن زيادات جديدة قادمة في أسعار الفائدة خلال العام الجاري، لتتخطى مستوى 5 بالمئة، من أجل تحقيق هدف الفيدرالي في خفض التضخم إلى مستويات 2 بالمئة.
كما أنه من المتوقع أن تظل معدلات الفائدة الأميركية عند هذه المستويات المرتفعة خلال العامين المقبلين، لتتراوح بين 4.1 بالمئة و3.1 بالمئة في عامي 2024 و2025 على التوالي.
وفي مطلع الشهر، حث صندوق النقد الدولي أميركا على مواصلة رفع الفائدة. وقالت جيتا جوبينات النائبة الأولى للمديرة العامة لصندوق النقد الدولي إن الولايات المتحدة لم تتخط بعد خطر التضخم وإنه من السابق لأوانه أن يعلن الاحتياطي الفيدرالي النصر في معركته ضد ارتفاع الأسعار.
المركزي الأوروبي
عقب اجتماع الفيدرالي الأميركي، بيوم واحد، سيعقد البنك المركزي الأوروبي اجتماعه يوم الخميس، لبحث أسعار الفائدة، في أول اجتماع له في 2023، وسط توقعات بمواصلة زيادة أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس للمرة الثانية على التوالي بهذا المقدار لتصل إلى 3 بالمئة.
وعلى عكس المعتاد، يبدو أن المركزي الأوروبي هذه المرة لن يسير خلف الفيدرالي الأميركي، حيث أكد مسؤولو السياسة النقدية الأوروبية عزمهم مواصلة رفع الفائدة بمعدلات مرتفعة من أجل السيطرة على التضخم وخفضه إلى مستوى 2 بالمئة.
ومنذ يوليو 2022، رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة 4 مرات بإجمالي 250 نقطة أساس في أسرع وتيرة لزيادة الفائدة على الإطلاق، وذلك من أجل كبح التضخم الذي ارتفع لأعلى مستوياته في نحو 40 عاما، على خلفية ارتفاع أسعار الطاقة والأزمة الروسية الأوكرانية.
وفي تصريحات هذا الشهر، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، إن المركزي الأوروبي سيواصل رفع معدلات الفائدة، بوتيرة مطردة، حتى تصل إلى المستوى المناسب للسيطرة على التضخم، وخفضه إلى المستوى المستهدف البالغ 2 بالمئة.
وقبل أيام، قال كلاش كنوت، العضو في مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، إن البنك يعتزم رفع أسعار الفائدة 50 نقطة أساس في فبراير ومارس وإنه سيواصل رفع الأسعار في الشهور التالية.
بنك إنجلترا
في بريطانيا، التي تعاني من تحديات اقتصادية كبيرة على خلفية ارتفاع الأسعار وتداعيات بريكست، فإن التوقعات تشير إلى أن بنك إنجلترا سيرفع الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس لتصل إلى 4 بالمئة، في اجتماعه يوم الخميس المقبل، وهو نفس يوم انعقاد اجتماع المركزي الأوروبي.
ورغم انخفاض معدل التضخم في بريطانيا إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أشهر عند 10.5 بالمئة في ديسمبر الماضي، فإن أسعار المواد الغذائية والمشروبات استمرت في الارتفاع بأسرع وتيرة لها منذ عام 1977.
وتعاني الأسر البريطانية ارتفاعات كبيرة في فواتير الغذاء والطاقة، وهو ما أدى إلى سلسلة قوية من الإضرابات في قطاعات مختلفة للمطالبة بتحسين الأجور.
كما أن المملكة المتحدة شهدت في الشهور الماضي بعض الأزمات السياسية التي أدت لعدة تغيرات في رئاسة الحكومة البريطانية والتي كان لها انعكاسات سلبية على الأداء الاقتصادي في البلاد.
يذكر أن بنك إنجلترا رفع أسعار الفائدة في ديسمبر الماضي، للمرة التاسعة على التوالي، بمقدار 50 نقطة أساس لتصل إلى 3.5 بالمئة، وهو أعلى مستوى للفائدة منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، وذلك بهدف كبح التضخم الذي ارتفع لأعلى مستوى في نحو 40 عاما.
البنك المركزي المصري
وفي المنطقة العربية، يعقد البنك المركزي المصري، اجتماعه الأول هذا العام، يوم الخميس، بعد يوم واحد من اجتماع الفيدرالي، وسط توقعات متباينة ما بين زيادة أسعار الفائدة مجددا من أجل كبح التضخم خاصة بعد الانخفاض الكبير في سعر صرف الجنيه، أو الإبقاء على المعدلات الحالية دون تغيير.
وكان المركزي المصري فاجأ الأسواق، في ديسمبر الماضي، بزيادة الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس دفعة واحدة، في خطوة كانت تمهد لتعويم ثالث للجنيه المصري في أقل من عام.
وعلى مدار العام الماضي، رفع المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 800 نقطة أساس لتصل إلى 17.25 بالمئة على الإقراض، و16.25 بالمئة على الإيداع.
وتشهد الأسعار في مصر زيادات غير مسبوقة، إذ بلغ معدل التضخم السنوي في المدن 21.3 في المئة في ديسمبر الماضي، وهو أعلى مستوى منذ نهاية 2017، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء.
وتشير بعض التوقعات إلى أن المركزي المصري قد يرفع الفائدة بمقدار 1 بالمئة، يوم الخميس، وسط توقعات بمزيد من الضغوط التضخمية وانخفاض سعر الجنيه، في حين يتوقع البعض أن يؤجل المركزي هذه الخطوة لوقت لاحق هذا العام، بعد تراجع الضغوط نسبيا على الجنيه الذي يتداول حاليا عند مستوى قريب من 30 جنيها، بعد دخول بعض الأموال الأجنبية في سوق أدوات الدين الحكومية، وأيضا حتى يتضح تأثير قراره برفع الفائدة 3 بالمئة في ديسمبر.
البنوك الخليجية
تترقب البنوك المركزية الخليجية إعلان قرار الفيدرالي الأميركي بشأن الفائدة، مساء الأربعاء المقبل، وسط توقعات بأن تتبع تحركاته برفع الفائدة، خاصة أن أغلب دول الخليج تربط عملاتها بالدولار الأميركي.