عقب الانهيار التاريخي للريال الإيراني أمام الدولار الأميركي قبل أسبوعين، إذ تجاوز سعر الدولار الواحد نحو 610 آلاف ريال في السوق الموازية، أقدمت طهران على إنجاز اتفاقيتين شكّلتا منعطفا مهما لاستعادة العملة الإيرانية جزءا من قيمتها، فقد تمكن اتفاق المصالحة بين طهران والرياض من تعويض بعض الخسائر التي تكبّدها الريال الإيراني في الأشهر الستة الأخيرة.
وشكّل الاتفاق بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في مطلع الأسبوع الماضي لمواصلة التعاون بشأن النقاط الخلافية بينهما دافعا قويا لرفع قيمة الريال الإيراني، دفع الاتفاق بين طهران والرياض الإيرانيين إلى بيع ما لديهم من مخزون دولاري في محال الصرافة فأدى ذلك إلى انخفاض سعر الدولار الواحد إلى 410 آلاف ريال إيراني خلال 48 ساعة بعد إصدار البيان الثلاثي الإيراني السعودي الصيني، في وقت كانت فيه قيمة الريال تعادل 500 ألف مقابل الدولار الواحد قبل إعلان المصالحة.
أدى اتفاق المصالحة بين طهران والرياض إلى اختفاء الطوابير لشراء العملة الأميركية أمام محال الصرافة في ساحة فردوسي وسط العاصمة طهران، في حين زاد عدد الأشخاص الذين يريدون بيع الدولار الأميركي في السوق الموازية في ظل التوقعات بتراجع سعر الصرف مقابل الريال الإيراني.
من ناحيته، أرجع الأمين العام لنقابة الصرافين الإيرانيين كامران سلطاني زاده تراجع سعر الدولار إلى عزوف المضاربين عن شراء العملة الأميركية وبيّن أن ذلك أدى إلى تعافي الريال الإيراني، وتوقع أن تواصل العملة الإيرانية وتيرة الارتفاع في الأيام المقبلة ليبلغ سعر الصرف دون 300 ألف ريال مقابل الدولار الواحد.
وفي تصريحات صحفية، أشار سلطاني زاده إلى أهمية الاتفاق الإيراني السعودي بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية خلال شهرين ودوره في ارتفاع قيمة الريال الإيراني، مؤكدا أن هذا الاتفاق أدى إلى إقبال حائزي العملات الأجنبية على بيع ما لديهم، في وقت امتنع فيه ناشطو سوق العملات الأجنبية عن الشراء، ومن ثم تفوق العرض على الطلب وتراجع سعر الصرف في السوق الموازية.
وإلى جانب ارتفاع قيمة العملة الإيرانية أمام الدولار، شهدت أسعار المعدن الأصفر تراجعا ملحوظا في طهران حيث بلغ غرام الذهب (عيار 18) ملیونا و976 ألف ريال بعد أن تم تداوله بـ3 ملايين ريال قبل أسبوعين، في وقت تراجع فيه سعر اليورو إلی 453 ألف ريال، وفق مكاتب الصيرفة وسط العاصمة الإيرانية.
بعد أن كانت شريحة كبيرة من المراقبين الإيرانيين تعزو تراجع قيمة العملة الوطنية إلى الانسداد السياسي في الملف النووي والتوتر في العلاقات الإيرانية مع الجوار، وجدت في إعلان توافق طهران والرياض عاملا مساعدا على ارتفاع سعر الريال الإيراني مقابل العملات الأجنبية.
وفي هذا السياق، يصف محمد حسين سيف اللهي رئيس تحرير الشؤون الاقتصادية، لوكالة مهر الإيرانية، تحسن قيمة العملة الإيرانية بأنه بارقة أمل للأسواق الإيرانية في وجه التطورات الإيجابية على الساحة السياسية، موضحا أنه إذا كان الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أبعد شبح القرارات الدولية فإن الاتفاق على استئناف العلاقات بين إيران والسعودية يبشر بانفراجة اقتصادية وشيكة.
وتوقع سيف اللهي -في حديثه للجزيرة نت- أن ينعكس الاتفاق الإيراني السعودي على تعزيز علاقات بلاده التجارية مع الجوار العربي.
كما توقع الباحث الإيراني ارتفاع المبادلات التجارية بين إيران والدول العربية عقب استئناف العلاقات السياسية بين إيران والسعودية، مؤكدا أن خفض التوتر بين الدول النفطية الكبرى في المنطقة سيرفع حظوظ إيران لزيادة صادراتها من البترول نحو الصين.
من ناحيته، يؤكد الباحث في الشؤون الاقتصادية سهراب رستمي كيا أهمية الاتفاق الإيراني السعودي في حلحلة الخلافات السياسية بوساطة صينية في إطار حرص بكين على ضمان أمن الطاقة في الشرق الأوسط، مؤكدا أن شراكة الصين مع كل من طهران والرياض سوف تعزز نظام "البترو-يوان" (تسعير النفط باليوان) في المرحلة المقبلة.
وأوضح رستمي كيا -للجزيرة نت- أنه في ضوء الخلافات بين طهران وواشنطن من جهة والتنافس المحتدم بين الصين والولايات المتحدة من جهة أخرى، فإن انضمام إيران إلى نظام "البترو-يوان" سيمكّن طهران من زيادة صادراتها النفطية إلى الصين وتراجع حاجتها إلى العملة الأميركية في الوقت نفسه.
وخلص إلى أن وضع إيران والسعودية خلافاتهما جانبا يمهد الطريق لانضمامهما إلى مجموعة "بريكس" الاقتصادية، موضحا أنه في حال اعتماد مجموعة "بريكس بلس" عملة موحدة فإن ذلك سيضع حدا لهيمنة الدولار الأميركي.