في عام 2012 بدأ صدأ أوراق البن بالانتشار في المكسيك وأميركا الوسطى، المناطق المعروفة تاريخياً بإنتاج حبوب البن على نطاق واسع، وعلى رغم معرفة المزارعين في المنطقة بالمرض الفطري منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن ظواهر تغير المناخ من زيادة هطول الأمطار جنباً إلى جنب مع الطقس الغائم ودرجات الحرارة الأكثر برودة شكلت بيئة مثالية لانتشار المرض على نحو أسرع.
يهاجم صدأ أوراق البن الجانب السفلي من الورقة، مما يتسبب في اصفرارها والحد من التمثيل الضوئي ثم تساقطها قبل النضج، وبمجرد عودة ظهور المرض في مناطق تشياباس المكسيكية (تستحوذ على 40 في المئة من الإنتاج) وفيراكروز (25 في المئة)، أطلقت جمعية منتجي القهوة استغاثة في شأن وضع استراتيجيات للمساعدة في منع انتشاره، ضمن حملة تستهدف إنشاء برنامج للطوارئ وأخذ عينات لتحديد المناطق المتأثرة، مع تمويل المبيدات الفطريات المكلفة، وتدريب المزارعين.
بحلول موسم 2013-2014، استمر صدأ أوراق البن في الانتشار إلى أكثر من 50 في المئة من مساحة البن في المكسيك على رغم جهود التخفيف، مما تسبب في انخفاض الإنتاج 700 ألف كيس إلى إجمال أربعة ملايين فقط.
انخفض الإنتاج 2.3 مليون كيس (الكيس 60 كيلوغراماً) في موسم 2015-2016 لأسباب تتعلق بضعف إنتاج جزء كبير من الأشجار، قبل أن تبدأ زراعة المنطقتين في موسم حصاد 2017-2018 بأصناف مقاومة للصدأ، وانتعش الإنتاج منذ ذلك الحين وإن كان لا يزال أقل 12 في المئة من مستويات ما قبل الصدأ.
تظل مشكلات الإنتاج في المكسيك، المصدر الرئيس لحبوب البن شبيهة إلى حد كبير بمشكلات الإنتاج في بقية المناطق المصدرة، من حيث تراجع الإنتاج بفعل التحديات الناجمة عن التغير المناخي، الأمر الذي يثير مخاوف في شأن تراجع وفرة حبوب البن للاستهلاك العالمي.
من المتوقع أن يظل إنتاج أميركا الوسطى والمكسيك من دون تغيير تقريباً عند 17.9 مليون كيس، بينما ستحقق كل من هندوراس والسلفادور وكوستاريكا زيادات متواضعة تعوض انخفاضاً طفيفاً في غواتيمالا.
بواعث طمأنة وقلق معاً
وبينما يبعث تقرير وزارة الزراعة الأميركية "القهوة - الأسواق العالمية والتجارة" قبل أيام، ببعض إشارات الطمأنة في شأن وفرة السلعة الاستراتيجية عالمياً، إلا أن التقرير يلفت في الوقت ذاته إلى ضعف المخزون العالمي مع ارتفاع تحديات الإنتاج مستقبلاً.
تتوقع وزارة الزراعة الأميركية، أن يكون إنتاج البن العالمي لموسم 2023-2024 عند مستوى 174.3 مليون كيس بزيادة 4.3 مليون كيس عن الموسم السابق، وأن تعوض الزيادة في إنتاج البرازيل – أكبر منتج في العالم لحبوب أرابيكا - وفيتنام الانخفاض لدى إندونيسيا.
ويشير التقرير إلى زيادة متوقعة في الصادرات بنحو 5.8 مليون كيس بإجمال 122.2 مليون بسبب الشحنات القوية من جانب البرازيل، مع توقعات باستهلاك 170.2 مليون كيس، مع بقاء المخزونات ضيقة عند 31.8 مليون كيس.
يرجح التقرير ارتفاع شهية الاستهلاك في الاتحاد الأوروبي، عند مستوى 47.5 مليون كيس بزيادة ثلاثة ملايين كيس، يأتي أغلبها من البرازيل (35 في المئة)، فيتنام (22 في المئة)، أوغندا (سبعة في المئة)، وهندوراس (ستة في المئة)، بينما الولايات المتحدة صاحبة ثاني أكبر استهلاك للبن في العالم فمن المتوقع أن تستورد 26.5 مليون كيس بزيادة 2.5 مليون يأتي غالبيتها من البرازيل (31 في المئة)، كولومبيا (19 في المئة)، فيتنام (10 في المئة) وغواتيمالا (ستة في المئة).
ومن المتوقع أن تحصد البرازيل من بن "أرابيكا" و"روبوستا" 66.4 مليون كيس في الموسم المقبل، بزيادة 3.8 مليون، ومن المتوقع أن تصدر البرازيل حبوب البن إلى العالم بزيادة ثمانية ملايين كيس عن العام الماضي، بإجمال 41 مليوناً.
ثاني أكبر منتج عالمي
سيكون حظ كولومبيا – ثاني أكبر منتج في العالم من حبوب أرابيكا - في إنتاج البن عاثراً الموسم الجديد، إذ سيقل الإنتاج المتوقع إلى 11.3 مليون كيس بتراجع قدره 1.3 مليون عن الموسم الماضي، في حين يتوقع تراجع إنتاج هندوراس إلى 5.4 مليون كيس بتراجع 600 ألف كيس عن الموسم الماضي، بسبب صدأ أوراق البن الذي خفض الإنتاج بأكثر مما كان متوقعاً.
تراجع أعداد العمالة الكافية للحصاد في بيرو هبط بالإنتاج المتوقع لحبوب البن إلى 3.6 مليون كيس بتراجع قدره 600 ألف عن الموسم الماضي، بينما من المتوقع أن تعزز فيتنام إنتاجها بزيادة 1.5 مليون كيس عن العام الماضي، بإجمال 26 مليوناً.
وبينما من المتوقع أن يرتفع إنتاج كولومبيا من حبوب بن أرابيكا 300 ألف كيس إلى 11.6 مليون، لا تزال الغلات أقل من المعتاد بنسبة 15 في المئة تقريباً لأن المزارعين حدوا من استخدام الأسمدة بسبب ارتفاع أسعارها.
سيتراجع حصاد حبوب البن في إندونيسيا 2.2 مليون كيس إلى 9.7 مليون في الموسم الجديد، إذ أدى هطول الأمطار إلى انخفاض الغلة، بينما من المتوقع استقرار إنتاج إثيوبيا من حبوب "أرابيكا" عند 8.4 مليون كيس.
من المتوقع أن ينخفض حصاد الهند من "أرابيكا" و"روبوستا" مجتمعة بمقدار 400 ألف كيس إلى 5.8 مليون كيس بسبب فترة الجفاف الطويلة من من ديسمبر (كانون الأول) 2022 إلى مارس (آذار) 2023، التي أعقبتها أمطار ضعيفة قبل موسم الرياح الموسمية.
يلفت تقرير وزارة الزراعة الأميركية إلى انخفاض مخزونات كبار المنتجين، فيذكر أن كولومبيا فقدت من مخزونها 700 ألف كيس، وبيرو 600 ألف كيس واليابان 700 ألف كيس، كما خفض مخزونات العالم من حبوب البن إلى 31.8 مليون كيس بانخفاض 2.5 مليون.
على ما يبدو سيظل فنجان القهوة في مرمى تقلب المناخ عالمياً الذي يؤثر بدوره في إنتاج المحصول لدى عديد من المنتجين، في وقت تتسع السوق الاستهلاكية كل يوم بمريدين كثر.