رصدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية درجات حرارة قياسية خلال الأيام القليلة الماضية من شهر يوليو/تموز الجاري.
ولم تنكسر موجة الحرّ الشديد في عموم أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا وشمال أفريقيا وغيرها من بقاع العالم.
وفي ظل ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، بات يتعيّن على الناس أن يتحمّلوا أنماطا بعينها من الطقس تستمر لفترات أطول، بحسب جون أبراهام أستاذ العلوم الحرارية بجامعة سانت توماس في الولايات المتحدة.
يقول أبراهام: "موجة الحر التي كانت تنكسر في غضون يوم إلى يومين، باتت تستمر لفترة أطول من ثلاثة إلى خمسة أيام. وأولئك الذين كانوا يتعايشون مع يوم أو اثنين من الحر الشديد، سيجدون صعوبة أكبر في التعايش مع فترة أطول من درجات الحرارة المرتفعة".
ويتوقع علماء أن استمرار التغير في المناخ سيدفع درجات الحرارة إلى الارتفاع وسيدفع الناس إلى التعايش مع موجات الحر الشديد، وفي ظل ذلك ستتغير الطريقة التي يحيا بها الناس.
يقسّم الخبراء التغيرات التي ستطرأ على مكان العمل بشكل عام إلى فئتين: الأولى هي العمل في العراء والبيئات غير المكيّفة – كالعمل في مجال الزراعة أو التصنيع حيث لا مجال للسيطرة على درجات الحرارة المرتفعة.
وفي 2022، سقط كنّاس في شوارع مدريد ميتاً بسبب ضربة شمس، وذلك بعد العمل في ظل درجات حرارة شديدة.
ويقول باحثون إن عددا من التغييرات الكبرى يتعيّن إحداثها في هذه الأنواع من بيئات العمل من أجل حماية العمال.
يقول أبراهام: "العمل في العراء تحت درجات حرارة مرتفعة يتطلب نوبات عمل أقصر وفترات راحة أطول، فضلا عن الإكثار من العمل ليلا".
على أن ترحيل ساعات من عمل هذه الفئة من العمال إلى المساء لا يعتبر حلا نهائيا؛ فلا تزال هناك مخاطر ماثلة.
ومن تلك المخاطر أن درجات الحرارة ليلا باتت تشهد ارتفاعا بوتيرة أسرع من نظيراتها في أثناء النهار.
وفي ذلك يقول أبراهام: "عندما تكون درجات الحرارة في أثناء العمل ليلا مرتفعة على نحو لا يستطيع معه هؤلاء العمال إنعاش أجسامهم، فسيجد هؤلاء وقتا أصعب في النهار التالي"، إضافة إلى مشكلات أخرى قد تعترض طريق هؤلاء العمال في الليل ومن ذلك مسألة الرؤية.
ويعتقد أبراهام أنه بالنسبة للعمال في بيئات لا يمكن السيطرة على درجات حرارتها، قد تصبح مراكز التبريد مكيفة الهواء أمراً شائعا، وسيتعين على أصحاب الأعمال إتاحة فترات من الراحة للعمال من أجل خفض درجات حرارة أجسامهم بما يكفي للعمل مجددا.
أما الفئة الثانية من العمال، فهم الذين يعملون من داخل بنايات أو في بيئات مكيفة، وهؤلاء أكثر أمانا فيما يتعلق بالتعرّض لدرجات حرارة أعلى، لكن ينبغي عليهم كذلك أن يتوقعوا حدوث تغييرات على روتين عملهم اليومي.
يقول منصور سومرو، المحاضر في كلية إدارة الأعمال بجامعة تيسايد: "التدابير المعاصرة كالعمل عن بُعد، والعمل المختلط، والعمل لأربعة أيام في الأسبوع ... والعمل ست ساعات في اليوم أسبوعيا بدلا من ثماني ساعات – هي تدابير أثبتت جدوى في حالات موجات الحر الشديد".
ويضيف منصور: "والحدّ من الانتقال والسفر إلى مكان العمل، وهو ما يفقد خلاله الموظفون جزءا من طاقتهم؛ فضلا عن أن الموظفين يمكن أن يشعروا بمزيد من الراحة أثناء العمل من المنزل رغم درجات الحرارة المرتفعة وذلك بفضل ارتداء ملابس غير رسمية".
وفي كلتا بيئتَي العمل، شرع العديد من العمال في تغيير جداول عملهم بحيث يبدؤون مبكرا أكثر وينتهون قبل وصول درجات الحرارة إلى الذروة في منتصف النهار – وهو إجراء يتوقع منصور أن يصبح أكثر شيوعا.
دور أرباب الأعمال
ربما يحتاج أرباب الأعمال إلى تقديم تدابير جديدة للعمال.يقول الباحث منصور سومرو إن عددا من أرباب الأعمال يقومون بتقييمات دورية لمخاطر ارتفاع درجات الحرارة من أجل تحديد فئات العمال الأكثر عُرضة للخطر، بما في ذلك العُمال الأكبر سِناً والحوامل وذوي الإعاقة.
ويضيف منصور بأن "هذه الفئات يمكن أن تحصل على علاوات متى دعت الحاجة".ويتوقع الباحث أن يشرع المزيد من أرباب الأعمال في تنفيذ تلك التدابير مع استمرار الارتفاع في درجات الحرارة.
وعلى نحو مشابه، يتوقع منصور إقبال الشركات على تنفيذ المزيد من المبادرات الخاصة بالحفاظ على صحة ورفاه العمال في ظل درجات حرارة مرتفعة.
وقد تتضمن تلك المبادرات إطلاق وِرش تدريبية حول إدارة الإجهاد الحراري أو الإعلان عن خطط تستهدف تعزيز اللياقة البدنية والتغذية من أجل مساعدة العمال على التكيف مع التغيّر المناخي.
ويرى منصور أن الاستثمار في البنية التحتية يمكن أن يكون أيضاً ذا جدوى في هذا الصدد.
يقول سومرو: "تعمل الشركات على إتاحة بيئات عمل مقاومة لدرجات الحرارة المرتفعة، ومن ذلك تدشين بنية تحتية مستدامة ذات نظام تكييف أكثر جودة".