يعدّ مشروع الممر الاقتصادي المرتقب الذي يربط بين جنوب آسيا وأوروبا عبر الخليج العربي والشرق الأوسط، وتم الإعلان عنه مؤخرا في قمة مجموعة العشرين، تطورا إستراتيجيا مهما في عالم السياسة والاقتصاد العالمي.
ويهدف المشروع الضخم الذي تدعمه الولايات المتحدة، إلى ربط قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا من خلال خطوط السكك الحديدية والنقل البحري، حيث يتألف من ممرين منفصلين، أحدهما يربط الهند بالخليج العربي والآخر يربط الخليج العربي بأوروبا، في منافسة واضحة لمبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين قبل 10 أعوام.
ويمثل المشروع الجديد نقطة تحول إستراتيجية في التنمية الاقتصادية الدولية، وتعزيز التبادل التجاري من خلال شبكة متكاملة من الخطوط السككية والممرات البحرية، في وقت تتصاعد فيه التحديات العالمية والحاجة الملحة إلى تعزيز التعاون الدولي.
ويقول الخبير الاقتصادي يحيى السيد عمر، إنّ المشروع المطروح ما زال في مرحلة الفكرة، ولم تتضح خطواته التنفيذية، أو مساره الدقيق حتى الآن.
ويبيّن السيد عمر في حديثه للجزيرة نت، أنّ المشروع الأميركي في شكله الأولي يربط الهند بالشرق الأوسط وتحديدا بدول الخليج العربي بحريا، وهذا يوصف بالخط الشرقي، وأما الخط الشمالي فإنه يربط دول الخليج العربي بالأردن وإسرائيل عن طريق السكك الحديدية، ومن إسرائيل يتم الربط بحرا بالسواحل الجنوبية لأوروبا وتحديدا فرنسا وإيطاليا، ومنهما إلى دول وسط أوروبا وشمالها وغربها عن طريق السكك الحديدية.
ويعتقد الخبير الاقتصادي أنّ الهدف الأميركي من المشروع سياسي، وذلك لتعطيل مشروع الحزام والطريق الصيني أو التأثير عليه، فالفاعلية الاقتصادية للمشروع تبدو متواضعة بالمقارنة مع منافع مشروع الحزام والطريق.
ويشير إلى أن الدول المستفيدة من المشروع في الوقت الراهن هي الهند ودول الخليج العربي والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، كما تم توقيع اتفاقية تعاون أولي بين الولايات المتحدة والإمارات والسعودية وفرنسا وإيطاليا وألمانيا.
وأما بخصوص الدول المتضررة، يقول السيد عمر إنها دول وسط آسيا وغربها والتي تعد من ضمن مشروع الحزام والطريق، إضافة للصين، كما أنّ تركيا ستضرر كونها تخطط لأن تكون عقدة تجارية دولية، ولعلّ مصر أكبر المتضررين كون المشروع في حال تنفيذه سيؤثر سلبا على قناة السويس.
وبخصوص مقارنة المشروع الأميركي بمشروع الحزام والطريق الصيني، يرى السيد عمر أن المشروع الصيني يعد قابلا للتطبيق أكثر مقارنة بالمشروع الأميركي، كما أنّ المشروع الصيني يقوم على شبكة هائلة من الخطوط التجارية البحرية والبرية والتي تربط بين عدد كبير من الدول.
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، أهمية المشروع لأنه يعزز التجارة ونقل الطاقة والاتصال الرقمي، كما يعمل على تسريع التبادل التجاري ما بين الشرق والغرب، خاصة بين أوروبا والهند، حيث تشير بعض التقديرات إلى أنه يوفر حوالي 40% من الوقت المعتاد.
ويرى ذكر الله في حديثه للجزيرة نت، أنّ المشروع -بالإضافة إلى أهميته الاقتصادية- يكتسب "أهمية سياسية من وجهة النظر الأميركية والإسرائيلية، لأنه يعمل على تسريع وتيرة التطبيع ما بين إسرائيل وبعض دول الخليج"، كما يأتي في إطار التنافس الأميركي الصيني، وما يمكن أن نسميه الحرب التجارية ما بين واشنطن وبكين المستعرة منذ سنوات.
ويعتقد ذكر الله أن المشروعين الأميركي والصيني متشابهان من حيث الأهداف، لكنهما يختلفان في الطريق، فالمشروع الجديد يتضمّن نقاطا إستراتيجية ارتكازية تعمل على مزيد من دمج إسرائيل في المنطقة، وأيضا يؤسس لمراحل شراكة أكثر عمقا ما بين الغرب والشرق من خلال القواعد التجارية.
ومن المرجح أن تتنافس الدول والمنظمات الكبرى للاستفادة من هذا المشروع وفرصه، مما يجعله نقطة تلاق مهمة للقوى العالمية في سبيل تحقيق مصالحها وتعزيز تأثيرها الجيوسياسي.
وحول دوافع المشروع الجديد يقول الباحث التركي محمد رقيب أوغلو، إنّ تداعيات الحرب في أوكرانيا دفعت الولايات المتحدة وأوروبا إلى التحالف في مواجهة تحركات الصين وروسيا، كما تحاول أميركا أن تمنع الصين من تعزيز قوتها الاقتصادية.
وفي حديثه مع الجزيرة نت، يستبعد رقيب أوغلو قدرة المشروع الجديد على منافسة المشروع الصيني الذي سبقه بسنوات عديدة، ولن يكون تأثير المشروع الأميركي جذريا، لكنه فرصة كبيرة لتعزيز التبادل التجاري بين آسيا وأوروبا.
وينوّه إلى أن اهتزاز الثقة بين دول المنطقة والولايات المتحدة، وكذلك النفوذ الصيني الكبير، يعدّان من أكبر التحديات التي تهدد المشروع الجديد.
وحول تصريحات الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بشأن ضرورة أن يتم المشروع الجديد بالتنسيق مع مبادرة الحزام والطريق، يؤكّد الباحث التركي أن "أردوغان سياسي براغماتي يفضّل التعامل المتوازن مع جميع القوى ولا يريد أن يكون مع الصين ويترك الولايات المتحدة، أو العكس، بل تحاول تركيا الاستفادة من المشروعين معا".
ويعوّل المشاركون في مشروع الممر الجديد على قدرته في تغيير مسار التنمية بشكل كبير لينعكس على الاقتصادات والأمن والسياسات في دول المنطقة.
ويتوقع أستاذ العلوم السياسية في جامعة سكاريا التركية محمد سليمان الزواوي، أن يعزز هذا المشروع من أمن الطاقة النظيفة والمتجددة، وكذلك عملية نقل البضائع عبر جنوب آسيا إلى أوروبا، وتأمين إمدادات الأخيرة من الطاقة، ومن ثم سيسهم في استقرار الشرق الأوسط بعد دمج مصالح دول الخليج بإسرائيل وأوروبا.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعرب الزواوي عن اعتقاد بأن يستغل المشروع مدينة "نيوم" السعودية الجديدة والتي يخطط لها أن تكون مركزا لجذب الاستثمارات العالمية في مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف، كما يمكن للمشروع أن يستغل البنية التحتية العملاقة لتركيا في نقل الغاز والنفط والهيدروجين عبر شبكة أنابيبها المحلية، ومن ثم سيعمل ذلك المشروع على دمج مصالح دول الشرق الأوسط وربط بعضها ببعض نحو مزيد من الاعتمادية المتبادلة.
ويلفت إلى أن المشروع الضخم قد يعمل على تعزيز التكامل الاقتصادي، وتقارب وجهات النظر السياسية في الشرق الأوسط، كما ستؤدي عوائد التنمية إلى رفع مستوى سكان المنطقة وتقليل حدة النزاعات، وسيمثل رافدا جديدا للمدخولات في عصر الطاقة المتجددة، وسيحث الدول المعنية على التعاون المشترك من أجل إنجاح ذلك المشروع واستفادة الجميع من عوائده.
وعن تأثيراته السلبية، يرجّح الزواوي أن تمثّل عملية نقل الطاقة من الشرق إلى الشمال عبر خطوط أنابيب وعبر خطوط سكك حديدية تحديا كبيرا أمام قناة السويس، حيث ستكون التكلفة أقل وذات سرعة أعلى في توصيل البضائع وعلى رأسها منتجات الطاقة، كما ستقل المخاطر وتكلفة تأمين الشاحنات العملاقة، كما سيعزز ذلك من تأمين سلاسل الإمداد في حالة الانقطاعات التي يمكن أن تحدث في مجال الشحن البحري كما حدث إبان أزمة وباء كورونا.
ورغم أن المشروع الجديد يبدو فرصة استثنائية لتحقيق التعاون الدولي وتعزيز التنمية المستدامة على المستوى العالمي، فإنه يتطلب جهودا دولية كبيرة لتجاوز التحديات المتعددة التي تحيط به.