محمد البهزاد
فيما يتعلق بعلامة الاستفهام التي طرحناها بمقالة الأربعاء قبل الماضي وقلنا فيها: هل ستلحق معظم الدول العربية والإسلامية بمجموعة الدول الست المنضمة -رسميًا اعتبارًا من يناير 2024- وهي: الأرجنتين والسعودية والإمارات وإيران ومصر وإثيوبيا، في الدخول بعضوية بريكس BRICS؟
مبدئيًا نقول إن أمام أي ظاهرة جديدة لأي نشاط بشري عامة وليس -النشاط السياسي / الاقتصادي فحسب- عادة ما تنشأ بصددها ثلاثة مواقف محددة وهي (مؤيدة، معارضة، محايدة) وكل لها أسبابها المبررة. وبالقياس، حول مسألة الدخول كعضو أو متعاون مع تحالف بريكس، فهناك ثلاثة اتجاهات بين النخبة الاقتصادية العربية والإسلامية. الفريق المؤيد للدخول في أو التعاون مع تكتل بريكس يبرر ذلك بأنها فرصة تاريخية سانحة لأجل تحرير شعوب العالم الثالث من إجحاف النظام الاقتصادي الحالي ونهبه لثرواتها بحكم السيطرة التكنولوجية والعسكرية لدول القطبية الغربية المُهيمنة، ومن ثم إنهاء تبعيّتها للاستعمار الاقتصادي الجاري والاستعاضة عنه تدريجيًا بنظام اقتصادي عالمي جديد، يكون متعدد الأقطاب وأكثر عدلًا وإنصافًا ليحقق المساواة لكل شعوب العالم دون استثناء. عوضًا عن النظام الحالي المُنبثق من برمجية نظرية الرأسمالية المتوحشة، وإمبرياليتها المتعجرفة الساعية إلى الصعود بالعالم عسكريًا وتكنولوجيًا إلى الهاوية. من خلال نشر الحروب العسكرية والأزمات والاضطرابات والأوبئة في مختلف بقاع العالم، كل ذلك لأجل الحفاظ على مكتسباتهم الاقتصادية ومصالحهم السياسية (سعيًا لصناعة الدنيا بمفهوم فقهاء الاقتصاد الإسلامي).
أما الفريق المعارض للدخول في تكتل بريكس، فحُجته أنه ليس من السهولة بمكان عملية التحوّل بين عشية وضحاها من نظام -اقتصادي رأسمالي- عايشه العالم لعقود طويلة واستمر بحماية عسكرية وسيطرة تكنولوجية غربية، ونفوذ سياسي غربي كبير على دهاليز الأمم المتحدة ومنظماتها وقراراتها الدولية. وإن حدث تغيير فلن يكون دون تكاليف باهظة تدفعها شعوب العالم وأولها حرب كونية نووية مُحتملة. حيث بدأت بوادرها التمهيدية في أوكرانيا حسب تصريحات رؤساء الأركان للمعسكريْن الشرقي والغربي مؤخرًا.
أما الفريق الأخير المحايد، فهو بحكم توجهاته العقائدية وبيئته التاريخية، غير مقتنع تمامًا بالاتجاهين المذكوريْن أعلاه، لأن لسان حاله يقول بإيجاز: لا شرقية ولاغربية بل إسلامية، فلا يجب علينا كمسلمين أن نتحالف مع أي تكتل حتى لا نصبح ضحايا الصراع الجيوسياسي/ اقتصادي بين الشرق والغرب، بل لدينا مايغنينا عن تطبيق نظرياتهم الوضعية، حيث إن تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي الذي مرجعه كتاب سماوي، أنزله المولى سبحانه وتعالى ليكون دليلًا لحياة بشرية هانئة، مستقيمة دنيا ودينًا، ومستقرة، والذي يحوي علاجات لكل ظواهر العلل الاقتصادية المعاصرة الطارئة والمزمنة والمتوطنة والمتوقعة.
ولكن، هل ستسمح قوى النظام الاقتصادي العالمي القائم بنشوء قوة جيواقتصادية عالمية جديدة تتبنى نظامًا اقتصاديًا إسلاميًا يكون منافسًا لها ومناقضًا لكل طروحاتها الوضعية؟ خاصة أنه لم يختبر قط على الساحة الدولية كما اختبر النظامين الاشتراكي والرأسمالي وتبنتهما معظم دول العالم.
لاشك أن هذا الأمر بعيد المنال في الحاضر العربي الإسلامي المستضعف بالداخل والخارج، رغم أنه نظريًا يحوي مزايا النظامين ويخلو من كل عيوبهما ونواقصهما. لأنه يمثل النظرية الثالثة لا اشتراكية جالبة للفقر والقمع، ولا رأسمالية متوحشة مؤدية للكفر بحقوق الإنسان الدنيوية وآخرته، بل إسلامية نزيهة تطور صناعة الدنيا بأمان وتحفظ ذخرًا للعباد صناعة الآخرة بسلام.