logo

الاقتصاد الياباني جثة حية .. زومبي ؟

10 ديسمبر 2020 ، آخر تحديث: 10 ديسمبر 2020
صور-علم-اليابان-2
الاقتصاد الياباني جثة حية .. زومبي ؟

تتقدم اليابان بخطوتين على الغرب في طريقها نحو الانهيار الاقتصادي، وبالنظر إليها بإمكاننا أن نرى ما سيحدث مستقبلا مع العالم بأسره.

شاهدنا جميعا الجزء الأول من فيلم هوليوود الشهير "الموت القاسي" Die Hard، من بطولة النجم بروس ويليس. هل تذكرون أن ناطحة السحاب التي جرت فيها أحداث الفيلم، كانت مملوكة لشركة يابانية؟

في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، كان التوسع الياباني هو إحدى قصص الرعب التي استخدمتها هوليوود لتخويف الأمريكيين، حيث كانت اليابان بالفعل في ذروة ازدهارها وقوتها.

لقد فتحت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، ولأسباب سياسية، سوقها المحلية أمام السلع اليابانية، وهو ما خلق ازدهارا اقتصاديا في اليابان، وبحلول الثمانينيات من القرن الماضي، أصبحت اليابان ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وبدأت في إزاحة المنتجات الأمريكية، تماما كما تفعل الصين الآن.

ومع ذلك، أجبرت الولايات المتحدة اليابان، باستخدام السيطرة السياسية عليها، على زيادة سعر الين الياباني، وهو ما جعل السلع اليابانية باهظة الثمن، وخفض من قدرتها التنافسية.

منذ ذلك الحين، استمر ركود الاقتصاد الياباني لأكثر من ثلاثة عقود، بل ظهر مصطلح "يابانية الاقتصاد" Japanification.

 

تعني "يابانية الاقتصاد" وصول الإنتاج إلى سقف الطلب، وعجزه عن النمو أكثر من ذلك، فتبدأ أزمة فائض الإنتاج. ولكن، ومن أجل تجنب إفلاس بعض الشركات والكساد (مثلما حدث في الكساد الكبير عام 1929)، تحفز الحكومة الاستهلاك، وتنقذ الشركات من خلال منح القروض. إلا أن المشكلة تكمن في أن مدفوعات القروض، مع زيادة مبلغ الدين تقتل المدين بسرعة، ولإطالة هذه العملية، من الضروري زيادة الدين باستمرار، مع خفض سعر الفائدة في الوقت نفسه. فينمو الدين، لكن المبلغ الذي يدفعه المدين في الفائدة لا يتغير بسبب انخفاض سعر الفائدة. وهنا تظهر مشكلة أخرى: لا يمكن خفض معدل الفائدة إلى ما لا نهاية، إلى ما دون الصفر، لأن ذلك يعني عمليا التبرع بالمال مجانا، بل وربما أيضا دفع مبلغ إضافي للمدين حتى يأخذ قرضا. لكن هذا أيضا لا يمكن أن يستمر طويلا، وهذا النظام المالي مصيره الانهيار حتما، لأنه بحلول تلك اللحظة لن يكون جثة هامدة فحسب، وإنما سيصبح "زومبي".

أضف إلى ذلك التدهور الديموغرافي وشيخوخة السكان.

وهذا بالضبط ما يحدث الآن لا في اليابان وحدها، وإنما في الغرب بأسره. وإذا كانت اليابان في السابق قادرة على أن تصدر منتجاتها إلى الدول التي لا زال اقتصادها ينمو، فإن الغرب بأسره قد وصل إلى حدوده القصوى على مستوى العالم أجمع.

لقد قامت أكبر البنوك المركزية في العالم بالفعل بتخفيض سعر الفائدة إلى ما يقرب من الصفر، أو حتى أقل من الصفر (الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، الاتحاد الأوروبي، سويسرا، بريطانيا، السويد، الدنمارك، كندا، كوريا الجنوبية، أستراليا). ومع أخذ التضخم في الاعتبار، يتبين أن المعدل أقل من الصفر، حيث يبلغ سعر الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال 0.25%، والتضخم 1.2%، أي أن المعدل الحقيقي في الولايات المتحدة الأمريكية بالسالب (-0.95%).

تطبع البنوك المركزية نقودا غير مغطاة بالبضائع، وتلقيها من مروحية على البنوك والمؤسسات وعلى المواطنين العاديين (في زمن الجائحة). يتم تمويل عجز موازنة الدولة عن طريق طباعة النقود غير المغطاة (في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 50%، وفي بريطانيا بنسبة 40%).

في عهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بدأ الاحتياطي الفدرالي في شراء سندات الشركات الأمريكية في الديون، أي أن الإعانات امتدت مباشرة إلى قطاع الصناعة، وبدون هذه الإعانات لكان جزء كبير من الصناعة الأمريكية قد أفلس. حدث الشيء نفسه لأوروبا في وقت سابق، وحتى وقت سابق في اليابان. الخطوة التالية سوف تكون الشراء المباشر لأسهم الشركات من قبل البنوك المركزية.

لهذا لم يكن عبثا أن أقول إن اليابان ستموت بخطوتين قبل الغرب، حيث يشتري البنك المركزي الياباني منذ فترة طويلة أسهم الشركات اليابانية، وأصبح اليوم أكبر مساهم في سوق الأسهم اليابانية، بعد أن اشترى أسهم الشركات اليابانية مقابل 434 مليار دولار.

نعم، تتمتع السيارات اليابانية بجودة فائقة. لكن سعرها الحقيقي أعلى بكثير من السعر الذي تباع به، وبهذا السعر لن تكون السيارات اليابانية مطلوبة، حيث تدعم الحكومة المصنعين اليابانيين، حتى يتمكنوا من خفض تكلفة الإنتاج، وإلا فإن اليابان ستفلس على الفور.

ولكن نتيجة لهذه السياسة، أصبحت اليابان أكبر مدين في العالم، حيث بلغ دينها العام نسبة 237% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019. دعونا نتذكر أن الدين الذي كان يعاني منه لبنان قبيل إفلاسه عام 2018 بلغ نسبة قدرها 151% من الناتج المحلي الإجمالي.

الأسوأ من ذلك، هو أن اليابان تعمل على زيادة هذه الديون من خلال طباعة ين ياباني غير مغطى بالبضائع.

لم تعلن اليابان إفلاسها بعد، لأنها لا تزال اقتصادا كبيرا ومتطورا، ولديها رصيد حساب جار إيجابي. لذلك فإن جميع النقود غير المغطاة التي يصدرها البنك المركزي الياباني لا زالت تتمتع بالثقة في الخارج بفعل القصور الذاتي لا أكثر. ولكن، حينما يبدأ هرم الديون حول العالم في الانهيار، فإن اليابان ستموت أولا (سوف تكون بريطانيا الثانية بالمناسبة).

هذا هو جوهر الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، وهو أنها أزمة عظمى من حيث فائض الإنتاج على نطاق عالمي، حيث لم يعد الاقتصاد يدر أرباحا، لذلك تدعمه الحكومات من خلال توسيع الائتمان وخفض سعر الفائدة إلى ما دون الصفر. يحدث هذا لجميع الاقتصادات الكبرى في الغرب في نفس الوقت، لذلك لا تنخفض عملاتها بالنسبة لبعضها البعض، ولا تنخفض كثيرا مقارنة بعملات الدول الأخرى، حيث أن الدول الأخرى تأتي في المرتبة الثانية بالنسبة للاقتصاد الغربي. علاوة على ذلك، لا يمكنهم دعم اقتصاداتهم من خلال إصدار نقود ورقية غير مغطاة، كما يفعل الغرب.

أي أن الإفلاس الجذري للاقتصادات الغربية يتوازن مؤقتا مع الركود الاقتصادي لاقتصادات الدول الثالثة المعتمدة على الغرب.

إن هذا الهيكل برمته مهتز للغاية، وهذه الحركات البهلوانية لا يمكن أن تدون طويلا، ولن يتمكن الغرب من الثبات على يد واحدة وساقاه لأعلى لفترة طويلة.

يقف العالم اليوم بالفعل على أعتاب تغيير عالمي هائل.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024