رحيل أشهر محتال في أميركا، تعرّف الى طريقته في الاحتيال/
أعلنت إدارة السجون في الولايات المتحدة وفاة أحد أشهر المدانين في قضايا الاحتيال المالي، بيرني مادوف، في سجنه، أمس الأربعاء، حيث كان يقضي حكماً بالسجن لمدة 150 سنة.
وكان مادوف اعترف في عام 2009 بالاحتيال المالي بعد انهيار شركته "برنارد إل مادوف انفستمنت سيكيوريتيز" التي أسسها عام 1960.
واشتهرت عملية الاحتيال المالي التي اتبعها مادوف، وتُسمى إعلامياً "بونزي سكيم" (Ponzi scheme)، وتُستخدم في وصف أي نشاط استثماري مشبوه.
واتخذت السلطات المالية وهيئة سوق المال الأميركية إجراءات وسنّت قواعد جديدة لضمان عدم تكرار مثل هذه العمليات، بعد الكشف عن احتيال شركة مادوف، التي اعتُبرت أكبر عملية احتيال مالي في تاريخ أميركا.
وتوفي بيرني مادوف عن عمر 82 سنة، في مصحة سجن فيدرالي في ولاية كارولينا الشمالية، بعدما لم يمض أكثر من 12 سنة من مدة الحكم البالغة 150 سنة. وكان القضاء رفض العام الماضي التماساً قدمه مادوف للإفراج الصحي عنه.
وبرر القاضي ديني تشين رفضه بالقول،
إن "هناك من ضحاياه من لا يزالون يعانون بعد خسارتهم استثماراتهم".
وأضاف "أعتقد أيضاً أن السيد مادوف لم يكن أبداً نادماً على ما فعله (بضحاياه) بل كان فقط يشعر بالأسف لأن حياته التي عرفها انهارت من حوله".
وكان مادوف ولِد في حي كوينز بنيويورك، ودرس القانون والعلوم السياسية، وبدأ نشاطه في البورصة بالاستثمار في سندات الخردة عديمة القيمة وتحقيق مكاسب من ذلك.
وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت تلك تعاملات مشبوهة، إلى أن أصبحت مقبولة في الصفقات الكبيرة، وعندها أصبح بيرني مادوف نجماً في حي "وول ستريت".
وصادق مادوف كبار التنفيذيين في أسواق الأسهم والسندات، وأصبح بعضهم يطلب مشورته أحياناً.
حتى أنه في بداية تسعينيات القرن الماضي، شغل منصب رئيس سوق "ناسداك" في "وول ستريت" ثلاث مرات.
في تلك الفترة وربما قبلها، بدأ مادوف عبر شركته للاستثمار في الأوراق المالية، عملية احتيال تشبه ما عُرف في مصر بنهاية القرن الماضي باسم "شركات توظيف الأموال".
وبدأ مادوف يزوّر حسابات الشركة لتُظهر عائدات وأرباحاً خيالية. وكان يفعل تماماً كشركات توظيف الأموال
المصرية، يأخذ استثمارات المشاركين الجدد ليدفع عائدات كبيرة لمَن سبق ودفعوا استثماراتهم دون وجود
استثمارات حقيقية أو عائدات تغطي كل ذلك.
وحققت هيئة الأوراق المالية الأميركية 8 مرات في نشاطات شركة مادوف، لكن في كل مرة كان التحقيق
ينتهي إلى "لا شيء"، مع تأكيد من بيرني مادوف أن "كل شيء تحت السيطرة".
حتى جاءت الأزمة المالية العالمية عام 2008، وحاول المستثمرون سحب أموالهم المستثمَرة في شركة
مادوف، فلم يستطع الدفع حين أصبح مطالَباً بنحو 7 مليارات دولار وقتها.
حينئذ، اعترف مادوف لولديه أن "الأمر كله كذبة كبيرة"، فأبلغا مكتب التحقيقات الفيدرالي عن والدهما وأُلقي القبض عليه.
نتائج القضية
وأظهرت القضية أن عدد
ضحاياه بلغ 37 ألف شخص من 136 دولة. وكان من بين ضحاياه مشاهير من أمثال
المخرج الشهير ستيفن سبيلبيرغ والممثل كيفين بيكون وإيلي ويز الحائز جائزة نوبل.
وانكشفت بنوك كبرى عدة في العالم على أثر انهيار شركة مادوف، منها "أتش أس بي سي" و"باركليز" و"نومورا" الياباني وغيرها.
لكن ضحايا مادوف لم يكونوا بنوكاً كبرى ومشاهير أغنياء فقط، بل الآلاف من الناس العاديين من مزارعين ومدرسين وعمال.
وانتحر عدد كبير من هؤلاء عندما اكتشفوا إفلاسهم بعد ضياع مدخراتهم التي كانوا يظنون أنها ستدر عليهم عائداً كبيراً باستثمارها لدى مادوف.
حتى ولديه توفيا أيضاً، إذ انتحر ابنه الأكبر مارك بعد سنتين من القبض عليه، بينما مات ابنه الآخر أندرو عام 2014
بعد معاناة مع مرض السرطان، كما اعتُقل شقيق مادوف وأُدين لدوره في عملية الاحتيال والنصب وحُكم عليه بالسجن 8 سنوات.
ولا يُعرف حتى الآن، على وجه الدقة متى بدأ بيرني مادوف عملية النصب والاحتيال تلك في توظيف أموال المستثمرين لديه.
وكان قد قال سابقاً إنه بدأ ذلك في التسعينيات بعد حرب الخليج التي صدمت السوق في أميركا، بينما
تشير تحقيقات هيئة الأوراق المالية إلى بدئه ذلك في ثمانينيات القرن الماضي.
ها قد مات بيرني مادوف ولم يمض عُشر مدة عقوبته، ولم يحصل كثيرون من المستثمرين لديه على أموالهم.
وعلى الرغم من الإجراءات الجديدة لسلطات المال والأسواق الأميركية، يتساءل البعض إذا كانت كفيلة
بضمان عدم ظهور بيرني مادوف آخر.