ما شعورك حيال تسوقك هذا الشهر؟ إنه سؤال يطرحه الكثير من الاقتصاديين في أمريكا مع اقتراب موسم الأعياد.
تثير الحالة الراهنة للاقتصاد الأمريكي الكثير من الحيرة. بعض البيانات تبدو مبهجة. الإنفاق على السلع الدائمة، مثلا، ارتفع 1.3 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر)، أي ضعف المستوى المتوقع. وتتوقع شركة ديلويت أن إجمالي الإنفاق الاستهلاكي سيرتفع هائلة تبلغ 8.1 في المائة في 2021، بعد الانكماش في 2020.
هذا جزء من أثر اللحاق بالركب بعد عمليات الإغلاق بسبب الجائحة. لكن المستهلكين استفادوا من شيكات التحفيز، وازدهار سوق الأسهم، ووفرة الوظائف الواضحة. في الواقع، يوجد حاليا 1.4 وظيفة شاغرة لكل شخص عاطل عن العمل في أمريكا - رقم قياسي تاريخي - وقد ترك 4.4 مليون أمريكي وظائفهم طواعية في أيلول (سبتمبر). تعج وسائل التواصل الاجتماعي بجنون QuitToks، حيث يشارك الناس مقاطع فيديو على منصتي "تيك توك" و"انستجرام" للاحتفال بمشاعر التحرر بعد الاستقالة.
لكن البيانات الأخرى أقل بهجة بكثير. إذا بدت الوظائف وفيرة، فإن نمو الأجور لا يزال ضعيفا نسبيا بالمعايير التاريخية. على الرغم من أن المتسوقين الأمريكيين ينفقون، إلا أن مزاجهم يبدو كئيبا بشكل غريب. في تشرين الثاني (نوفمبر)، كان مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلك، مسح شهري يجمع معلومات عن توقعات المستهلكين فيما يتعلق بالاقتصاد الأمريكي الكلي، عند 67.4، أدنى مستوى في 10 أعوام - ونحو 12.4 نقطة مئوية أكثر كآبة مما كان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 (قريبا من ذروة الجائحة).
قد يكون هذا بسبب تأثير الفاصل الزمني. لكن ريتشارد كيرتن، الخبير الاقتصادي في المسح، يلوم حقيقة أن محافظ المستهلكين تتعرض للضغط بسبب "مزيج من التضخم المتصاعد بسرعة إلى جانب غياب السياسات الفيدرالية التي من شأنها أن تعالج بشكل فعال الضرر التضخمي على ميزانيات الأسرة".
أظن أن هناك مشكلة نفسية: أحد أسباب إثارة التضخم لمثل هذه الكآبة هو أن ارتفاع الأسعار كان غير معروف في العقود الأخيرة لدرجة أن جيلا من المستهلكين لا يعرف كيفية تحليل التوقعات الحالية. يعكس المزاج المتشائم الارتباك بقدر ما يعكس الألم الملموس.
الأسوأ من ذلك، الصدمة تأتي بعد عام من عمليات الإغلاق بسبب الجائحة عندما رأى المستهلكون الكثير من الحقائق الأخرى حول المستقبل التي تم تجريدها أيضا. قد يتسبب هذا في تقلص آفاقهم الزمنية. لذلك حتى لو كانوا سعداء بإنفاق الأموال في الوقت الحالي أو الابتعاد عن الوظائف التي لا يحبونها، هم يشعرون بالخوف من مستقبل مجهول.
مع ذلك، هذا التفسير النفسي المحتمل هو مجرد حدس: ليس لدينا الكثير من البيانات حول كيفية تحول الآفاق الزمنية للمستهلكين بمعنى أوسع. هذا يقودنا إلى نقطة مهمة أخرى: يحتاج الاقتصاديون وصانعو السياسات إلى ترقية أنظمتهم لتتبع الاقتصاد الآن، لدمج المنظورات الكمية والنوعية.
هذا لن يكون سهلا. عادة، يحاول الاقتصاديون تصور المستقبل من خلال جمع رزم من البيانات عن الماضي القريب، والبحث عن الارتباطات ثم استقراء المستقبل. في كثير من الأحيان ينجح ذلك. لكن إذا كان سلوك المستهلك في حالة تغير مستمر، فقد لا يكون الماضي دليلا جيدا للمستقبل، في مثل هذه اللحظات، نحتاج إلى نظرة من الأسفل لاستكمال نموذج النظرة من الأعلى.
تقدم الأحداث التي أدت إلى الأزمة المالية العالمية أحد الأمثلة على أهمية ذلك. قبل 2008، كانت الصناعة المالية تميل إلى تقييم الرهون العقارية عالية المخاطر باستخدام البيانات التاريخية حول تخلف المستهلك عن السداد. بدا ذلك معقولا.
مع ذلك، كانت هناك مشكلة، في أوائل القرن الـ21، تغيرت المواقف تجاه الديون. الجدير بالذكر أنه عندما نفد المال من المستهلكين في أواخر القرن الـ20، عادة ما كانوا يتخلفون عن سداد بطاقات الائتمان أولا، ثم قروض السيارات - وأخيرا قروضهم العقارية. لكن في الأعوام الأولى من القرن الـ21، حدث تحول ثقافي دقيق تسبب في انعكاس هذا التسلسل وشهد تخلف المستهلكين الذين يعانون من ضائقة مالية عن سداد قروض المنازل أولا.
كان من الصعب رؤية هذا التحول من مسافة بعيدة، يمكن فقط رصده من قرب. حتى الاقتصاديون والمحللون يفتقرون إلى هذا المنظور.
(كان الاستثناء الملحوظ هم تجار صناديق التحوط الذين صورهم فيلم The Big Short المبني على قصة حقيقية، واحد منهم التقى براقصة في فلوريدا عليها قروض عالية المخاطر وأصبح لديه فكرة عما كان يحدث). نتيجة لذلك، كانت نماذجهم تسير بشكل خاطئ - بطريقة كان من الصعب رؤيتها.
اليوم، من المحتمل أن تكون هناك تحولات ثقافية طفيفة أخرى جارية. مرة أخرى، هناك حاجة ملحة للاقتصاديين للحصول على وجهة نظر مختلفة أكثر. تحاول بعض المؤسسات فعل ذلك: بنك إنجلترا، مثلا، يستخدم علماء الإثنوغرافيا للحصول على أدلة على أرض الواقع حول الظروف الاقتصادية.
بشكل منفصل، يوسع بعض الاقتصاديين مصادر البيانات التي يستخدمونها، استخدم ألبرتو كافالو، أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، أخيرا بيانات الأسعار في الوقت الفعلي عبر الإنترنت لتتبع التضخم بطريقة أكثر دقة وفي الوقت المناسب من مؤشرات أسعار المستهلك الرسمية.
لكن يمكن، بل ينبغي، عمل مزيد. كلما بدت إشارات البيانات المختلفة وكأنها ترسل رسائل متضاربة، زادت أهمية الجمع بين النظرة من الأسفل والنظرة من الأعلى. نادرا ما كانت حالة الاقتصاد رائعة جدا لكن يصعب قراءتها.