إذا سُئلت عن اتجاه حركة إقلاع الطائرات بالنسبة للرياح، فعلى الأغلب لن تجيب الإجابةً الصحيحة. ربما ستجيب بناءً على تصورك لحركة المركبات الأخرى مثل السيارات أو السفن. أو ربما ستجيب ظنًا منك أن ما يسري على تلك المركبات من قوانين الحركة يسري على الطائرات أيضًا، وهذا ما قد يوقعك في الفخ.
أجل، يُفضل أن تقود سيارتك أو حتى سفينتك باتجاه الرياح لتوفير الوقت، والجهد، والمال الناتج عن قلة استهلاك الوقود، ولكن عندما نتحدث عن الطائرات، فسيختلف الأمر تمامًا!
وبسبب ذلك الاختلاف الكبير بين ماهية الطائرات واتجاه حركتها عند الإقلاع -بالنسبة للرياح- عن باقي المركبات التي لا تحلق جوًا، فسنتحدث في هذا المقال عن حركة الطائرات، وكيف تحافظ على تحليقها في الجو، بالإضافة إلى السبب العلمي وراء إقلاعها المعاكس لاتجاه الرياح.
أصبح الطيران جزءًا لا يتجزأ من عصرنا الحالي. في كل لحظة، هناك حوالي 5000 طائرة تحلق فوق سماء الولايات المتحدة الأمريكية فقط. وفي كل عام، هناك حوالي 64 مليون رحلة طيران. لكن السؤال هنا: كيف تحلق تلك الطائرات؟
في ديسمبر 2003، نشرت مجلة New York Times قصة بعنوان “البقاء محلقًا”: ما الذي يبقيهم في الأعلى؟ أي ما الذي يجعل الطائرات تستمر بالتحليق في الهواء؟ وللإجابة عن هذا السؤال، لجأت الصحيفة إلى المسؤول عن قسم الديناميكا الهوائية Aerodynamics بالمتحف الوطني للطيران والفضاء، الدكتور جون د. أندرسون الأصغر John D. Anderson, Jr. والذي أجاب باختصار بأننا لا نعرف مصدر القوة الرافعة LIFT (سنأتي على ذكرها في الفقرة القادمة) بالتحديد.
ما نعرفه عن سبب تحليق الطائرة يتمحور حول 4 أنواع من القوى وهم:
أما عن اتجاه الإقلاع نفسه، فالطائرات تمتلك خاصة ثورية تجعلها تقاوم الرياح وتقلع عكس اتجاهها، ولكن ما السبب العلمي وراء ذلك؟
سبب تحليق الطائرات لا يتعلق بسرعتها بالنسبة للأرض، ولكن بتدفق الهواء فوق أجنحتها. هذا الأمر يُعرف “بمبدأ الاستدامة” أو Sustaining Principle، وهو ما يسمح للطائرة بالحفاظ على وزنها أثناء التحليق في الهواء.
كلما زاد معدل تدفق الهواء فوق أجنحة الطائرة، زادت قدرتها على التحليق. هنا يكمن السبب العلمي وراء الإقلاع عكس اتجاه الرياح؛ فعندما تقلع الطائرة في الاتجاه المعاكس للرياح، تتناقص سرعتها بالنسبة للأرض، ويزداد معدل تدفق الهواء فوق أجنحتها وهذا ما يسمح لها بالتحليق بزاوية أكبر وفي وقت أقصر.
لكي تستوعب الأمر وتتصوره بسهولة، تخيل نفسك راكبًا في سيارة ما. شعرت بارتفاع درجة حرارة الجو، ففتحت نافذة السيارة المنطلقة بسرعة كبيرة وأخرجت يدك في مشهد سينمائي مملوء بالحرية ثم أرخيت أعصابك، فماذا ستلاحظ؟ ما الذي سيفعله الهواء بيدك؟ أحسنت، سيرفعها بدون أي مجهود منك طالما كانت السيارة مسرعة. أما إذا أخذت السيارة في الإبطاء، فستعود يدك إلى وضع الاسترخاء رويدًا رويدا.
وفقًا لسنوري جودموندسون Snorri Gudmundsson، الأستاذ المساعد بجامعة إمبري ريدل للطيران، فإن طائرة بوينج 747 تحتاج أن تنطلق بسرعة 150 ميلًا في الساعة عكس اتجاه الرياح لكي تحلق في الهواء، أما إذا أرادت الطائرة أن تنطلق مع اتجاه الرياح، فإنها ستحتاج إلى 180 ميلًا في الساعة؛ وهذا يعني أن إقلاع طائرة بوينج 747 عكس اتجاه الرياح يوفر عليها 30 ميلًا في الساعة.
في النهاية، يجب أن نعلم أن عالم صناعة الطائرات يتطلب قدرًا مهولًا من الدِّقَّة؛ لا شيء يحدث فيه بالصدفة. كل شيء يتم التخطيط له بداية من الظروف المناخية، ومرورًا بأجنحة الطائرة، وليس انتهاءً بتصميم النوافذ، والخ.
تلك التفاصيل هي من تجعل الرِّحْلات الجوية أكثر أمانًا من السيارات على سبيل المثال. وفقًا للاتحاد الدُّوَليّ للنقل الجوي IATA، ففي 2018، كان هناك حادثة طيران واحدة فقط لكل 5.4 مليون رحلة طيران. أما بالنسبة للوفيات، فاحتمال الوفاة بسبب تحطم طائرة هو 1 إلى 9821 أي حالة وفاة واحدة لكل 16 مليون رحلة. في حين أن احتمال الوفاة بسبب حوادث السيارات، يصل إلى 1 لكل 114!