يحكى أن ملكًا كان يحكم قرية صغيرة آمنة، يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، وكان أهل القرى المجاورة يحسدونهم على أمنهم وسعادتهم، إلى أن غزت قريتهم أفاعي "الكوبرا" فسلبتهم أمنهم ونغّصت عليهم معيشتهم، فطالب الناس الملك بأن يجد لهم حلا لهذه المصيبة. فكّر الملك وجمع مستشاريه إلى أن توصلوا للإعلان عن جائزة نقدية كبيرة لكل من يقتل أفعى ويأتي برأسها إلى ديوان الملك.
وبمرور الأيام تعاطى الناس بإيجابية مع الإعلان، وصاروا يجتهدون لقتل الأفاعي للظفر بالجائزة، لكن الغريب في الأمر أن ديوان الملك لم يعد يستوعب الأعداد المهولة من الناس التي باتت تتوافد على ديوان الملك لتقديم رؤوس الأفاعي؛ الأمر الذي دعا الملك للتحري عن السبب، وإذ به يتفاجأ أن أهل القرية أنشأوا مزارع لتربية "الكوبرا" بغرض تحصيل هذه المكافأة!
حينها وقع الملك في "فخ " قراره، وأصبح في حيرة بين أن يستمر بمنح الجائزة، وهذا سيستنزف موازنة القرية، أم يلغي القرار، وهنا قد يلجأ أصحاب مزارع الكوبرا إلى إفلاتها في القرية، فتعود المشكلة الأولى إلى جذورها بصورة أكبر.
هذه القصة تدفعنا للنظر والتعامل مع المشكلات التي تواجهنا بطريقة استراتيجية وليست مؤقتة، فقد نضطر، كما الملك، أن نبقى أسرى قرارات متسرعة تم اتخاذها للقضاء على مشكلة حالية، دون مراعاة التبعات المستقبلية التي قد تلحق بهذا القرار.
وإذا ما نظرنا إلى حالنا في قطاع غزة لوجدنا العديد من القرارات التي تؤخذ بعيدا عن المنظور الاستراتيجي، ويكون الشغل الشاغل لها معالجة مشكلة حصلت بالفعل، "أي التعامل بردّات فعل ذات أثر مؤقت" أو القيام بمشاريع محدودة الأثر قد تعمل مفعول إبرة التخدير التي لا تنقذ المريض، بل إن زيادة جرعتها قد تودي بحياته.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك في الجانب الاقتصادي، تلك المشاريع التي تم إقرارها بهدف حلّ مشكلة البطالة، وتمثلت في ظاهرة التشغيل المؤقت، التي صحيح أنها أفادت فئة كبيرة كانت تصطف ضمن قوائم العاطلين، ووفرت لهم قوتهم لمدة زمنية معينة، إلا أننا نجد أن هذه القوائم التي تم تشغيلها مؤقتا ما تلبث إلا أن تعود لصفوف العاطلين، وبهذا نكون قد فقدنا مبلغ الرواتب دون تحقيق تنمية مستدامة تعمل على معالجة مشكلة البطالة، ولو جزئيا بشكل حقيقي وفعلي، أو في مثال آخر السماح للمزارعين بتصدير الخضروات إلى الاحتلال دون مراعاة أثر ذلك على وفرتها وأسعارها في السوق المحلي، ولا يعني ذلك منع التصدير بما يضر المزارع، بقدر ما يعني التوازن في الفائدة بينه والمستهلك المقهور حالياً.
والملاحظ أن الحلّ في التشغيل المؤقت كان بهدف إنهاء مشكلة بشكل سريع دون النظر استراتيجيا إلى إمكانية استغلال الأموال الممنوحة، بإنشاء مشاريع تسهم بشكل حقيقي في خفض نسبة البطالة في القطاع التي وصلت 50%.
فكم من قرارات "كوبرا" اتخذناها في عديد من المجالات (الاقتصادية، السياسية، الأسرية. الخ) دون النظر للأبعاد طويلة المدى لها، لذا يتوجب علينا وعلى المسؤولين تحرّي الأبعاد الاستراتيجية للقرارات، وألا نكون ممن ينطبق عليهم المثل القائل "أجا يكحلها عماها".