بين المحال التجارية المخصصة لبيع الملابس والمنظفات، ووسط منازل مخيم جباليا شمال مدينة غزة، تختبئ ثلاث نقاط عشوائية تعمل على إعادة تعبئة أسطوانات غاز الطهي، هذا المشهد بات ظاهرة منتشرة في مختلف أحياء القطاع، وسبب انتشار هذه النقاط بين بيوت السكان وقوع كوارث راح ضحيتها مدنيون.
ومن بين الحوادث التي سببتها النقاط العشوائية، كانت في مارس (آذار) 2020، حينها جرى تسريب غاز من صهريج ونشب على إثره حريق في سوق وسط غزة، وراح ضحية هذا الحادث 23 قتيلاً، و50 جريحاً، وتضرر بسبب ذلك 70 محلاً، و18 مركبة.
لا معايير سلامة
وعادة ما تكون مساحة المحال أو نقاط تعبئة أسطوانات غاز الطهي العشوائية ضيقة جداً، وبحسب المتابعة فإنها في معظم الأحيان لا تزيد على أربعة أمتار مربعة، وتتكدس فيها نحو 100 أنبوبة بحاجة إلى عادة تعبئة.
ويروي خليل تجربته في إحدى تلك المحطات، "فور وصولي إلى المكان، وضعت أسطوانة الغاز فوق الميزان، ووصلها العامل هناك بأنبوب التحويل من أسطوانة أخرى، وبدأ في ضخ الكمية التي أرغب في شرائها، وما إن انتهى حتى أزال التحويلة وانتشرت رائحة الوقود، لو كنت حينها أشعل سيجارة لتحول المكان إلى لهيب ونار وأكل البشر قبل الحجر".
العشوائية أسرع وأسهل في توفير غاز الطهي
على الرغم من إقرار خالد بأن هذه النقاط تسبب مخاطر كبيرة، إلا أنه يعتبر نفسه مضطراً للتعامل مع تلك المحطات العشوائية، كونه يرغب في الحصول على غاز الطهي بشكل فوري، أما إذا أراد التعامل مع الموزعين الرسميين فإن الأمر يستغرق يومين على الأقل حتى تعاد تعبئة الأنبوبة التي يمتلكها.
وفي العادة، إذا رغب السكان في التعامل مع الموزعين المعتمدين، فإنه يتوجب عليهم انتظار سيارة نقل وتجميع الأسطوانات الفارغة، لتحميلها ونقلها إلى المحطة الرئيسة وإعادة تعبئتها هناك، ثم إعادتها لمنازل المواطنين، وعادة ما تستغرق هذه العملية يومين، لذلك يبرر الناس أن النقاط العشوائية، على الرغم من مخاطرها إلا أنها توفر الانتظار.
أما أصحاب المحطات العشوائية، فيبرر أحدهم الأمر قائلاً، "البلد كلها تعب، وإذا رغبت في تسوية أوضاعي والعمل قانونياً، فإن هذا الأمر يتطلب مني دفع ما يزيد على 300 دولار، وفي الحقيقة لو أدخر هذا المبلغ لأفتتح به مصلحة أخرى".
القانون
في الواقع، تعاقب نصوص القانون الفلسطيني المخالفين، إذ تنص المادة 133 من قانون العمل لسنة 2000، على "الإغلاق الكلي والفوري لكل نقاط بيع الغاز والوقود العشوائية المخالفة لشروط السلامة والصحة المهنية، التي تشكل خطراً كبيراً على حياة العاملين فيها والمواطنين القاطنين بجوارها".
ووفقاً للبيانات الرسمية، فإن عدد موزعي غاز الطهي في قطاع غزة يقدر بحوالى 1200 موزع معتمد، وهناك ما يزيد على 350 نقطة عشوائية تعيد تعبئة أسطوانات الغاز من دون الحصول على إذن القيام بذلك.
ويقول مدير إدارة الأمن والسلامة في الدفاع المدني الفلسطيني محمد المغير، إنهم يقومون بجولات ميدانية لمراقبة المحطات وتتضمن الجولات التفتيشية اتخاذ إجراءات قانونية مثل مصادرة المعدات وإخطار العاملين بتسوية أمورهم القانونية، أو إجراءات أخرى.
وبحسب مسؤول الدفاع المدني، فإنهم أغلقوا خلال العام الماضي 2021، نحو 154 نقطة عشوائية تقوم بالعمل المذكور إلى جانب مصادرة 112 جهازاً لتعبئة غاز الطهي يمتلكها أشخاص غير معتمدين، وما زالوا يصدرون الأوامر الإدارية ذات الاختصاص بحق المخالفين، اعتماداً على القانون الساري في الأراضي الفلسطينية.
العقوبات
ويؤكد المغير أن نقاط إعادة تعبئة غاز الطهي العشوائية تشكل خطورة عالية على حياة السكان، وسجلت الجهات العاملة أكثر من حالة انفجار أسطوانة غاز، نتيجة لعدم الالتزام بإجراءات السلامة، وبخاصة العمل داخل مناطق مغلقة وبين السكان، ما يسهل انتشار الغاز في مكان الحادثة، ويضيف، "العقوبات المتبعة تتمثل في مصادرة جهاز تعبئة الغاز، ثم إخطار المخالفين بضرورة تسوية أوضاعهم القانونية، وفي حال لم يتراجعوا عن عملهم، يتم تنفيذ القانون القاضي، بحبس المخالفين لإجراءات السلامة مدة ستة أشهر، أو دفع غرامة مالية تقدر بحوالى 700 دولار أميركي، وفي بعض الحالات الدمج بين العقوبتين".
وعادة، تشرف كل من وزارة الاقتصاد والدفاع المدني والبلديات والمباحث والهيئة العامة للبترول، على ملف محطات إعادة تعبئة أسطوانات الغاز، ويعد هذا التشابك في المهام إحدى المعضلات الأساسية في متابعة وتطبيق القانون والعقوبات.
وكيل وزارة الحكم المحلي إبراهيم رضوان يقول، إن دورهم يتمثل في إصدار رخصة ممارسة المهنة، لكن ذلك يأتي بعد الحصول على موافقات من الجهات المختصة الأخرى، مشيراً إلى أن البلديات، وهي تابعة لإدارته، لا تستطيع القيام بالإجراءات القانونية الرادعة، كونها جهة تنفيذية وليست قضائية.
ووفقاً للمعلومات المتوافرة، فإن جهات الاختصاص تدرس إصدار قانون ناظم لترخيص المحطات العشوائية، وتحويلها إلى مركز لتجميع أسطوانات الغاز فقط، من دون العمل على إعادة تعبئتها، وفق شروط لها علاقة بعدد الأسطوانات الموجودة داخل المكان وآليات الاستلام والتسليم للمواطنين، لكن لم تتم المصادقة على هذا النص وبقي قيد النقاش.