ياسر الزعاترة
أرقام صادمة تضمّنتها الدراسة الأخيرة التي قدمتها مؤسسة "أوكسفام" الخيرية لمنتدى "دافوس" الأخير، وإن كانت استمرارا لأرقام أخرى سابقة للمؤسسة ومؤسسات أخرى.
عنوان الدراسة يكفي لمنح فكرة عن مضمونها. العنوان هو: "اللامساواة تقتل".
مما ورد فيها:
ضاعف أغنى 10 أشخاص في العالم ثرواتهم منذ آذار 2020.
تقريبا؛ تمّت صناعة ملياردير جديد يوميا خلال جائحة كورونا.
أصبح 99٪ من سكان العالم أسوأ حالا بسبب الإغلاق وانخفاض نسب التجارة الدولية وقلة السياحة الدولية، ونتيجة لذلك، تم دفع 160 مليون شخص إضافي نحو الفقر.
الدخل المنخفض لأفقر الأشخاص حول العالم، ساهم في وفاة 21 ألف شخص كل يوم.
هذا على المستوى العالمي، أما عربيا، فكان الوضع بائسا أيضا.
فبحسب دراسة نشرها موقع "العلوم السياسية في الشرق الأوسط" قبل شهرين، واعتمدت على أرقام "إسكوا"؛ "تمّ تصنيف 116 مليون نسمة ضمن الفقراء في عشر دول عربية شملها مسح الـ"إسكوا" (أي ما نسبته 41% من التعداد الإجمالي للسكان)، بينما صُنّف ما نسبته 25% من السكان ضمن فئة المعرّضين للفقر. وارتفعت نسبة الفقراء في مصر من 19.5% في عام 2005 إلى 28% عام 2015".
وأضافت الدراسة إنه "إذا ما كان هذا المستوى من الفقر/ التعرّض للفقر عند نسبة 66%، ينطبق على العالم العربي بأسره، فهذا يعني أن 250 مليون نسمة قد يكونون فقراء أو عرضة للفقر من مجمل تعداد السكان في العالم العربي البالغ 400 مليون نسمة".
لا تختلف المعادلة الدولية عن نظيرتها العربية في هذا السياق، ولا الأسباب قبل ذلك، مع فارق أن المنظومة الغربية، وإن شهدت ذلك التفاوت الرهيب في المداخيل، إلا أن الدولة ما زالت تتكفّل بتأمين الحد الأدنى من العيش المعقول للمواطن، بصرف النظر عن طبيعية عمله ودخله، في حين لا تقدم الدولة في العالم العربي، والعالم الثالث شيئا ذا قيمة للفقراء؛ بل إنها وسعيا لمزيد من الجباية، ولأجل تحسين وضعها في المؤشرات الاقتصادية الدولية، ولأجل الحصول على مزيد من القروض، ذهبت تزيد الضرائب، وترفع الدعم عن المواد الأساسية، الأمر الذي يفاقم من بؤس الفقراء، ويشطب الطبقة المتوسطة أو ما تبقى منها.
ويحدث ذلك كله في ظل طمأنينة الأنظمة لسطوة القوة التي تستخدمها، ولا تسمح للناس بالاحتجاج، ومن يتابع حجم القرارات التي مسّت الفقراء في دولة مثل مصر خلال الأعوام الأخيرة، سيدرك حقيقة ما يجري، في حين يتمّ ترويج ذلك بالحديث عن تحسّن الترتيب في المؤشرات الاقتصادية الدولية، لكأن الفقراء يأكلون المؤشرات، كما عبّر أحد الكتاب الاقتصاديين.
لقد أصبحنا أمام معادلة بالغة الوضوح في العالم العربي، وفي كثير من دول العالم، بجانب معادلة دولية بين الدول ذاتها.
إنها معادلة تقول إن التباين بين الأثرياء والفقراء بات يزداد تصاعدا على نحو مجنون، في حين يزداد وضع الفقراء بؤسا على بؤس، الأمر الذي قد يفضي إلى ثورات جياع في المدى المتوسط.
أما التباين بين الدول، أو مواطنيها بتعبير أدق، وفي ظل ثورة الاتصالات، فسيفاقم من ظاهر الهجرة غير الشرعية، لا سيما أن أرقام البطالة على وجه التحديد، وبخاصة بطالة الشباب، قد باتت تتصاعد بشكل مذهل، وكان ذلك قبل كورونا، وزاد سوءا بعده.
ما هو الحل؟
المواعظ كثيرة، وبعضها ورد في تقرير "أوكسفام" المشار إليه، وهي ذاتها تقريبا تعاليم ديننا الحنيف، فالمعادلة الراهنة (الأثرياء يزدادون ثراء، فيما يزداد الفقراء فقرا) هي عكس تلك التعاليم، وعكس المنطق أيضا ("كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"- الأحقاف-7).
في هذا السياق دعا داني سريسكاندراجاه (مدير "أوكسفام" في بريطانيا) لدعم استراتيجيات اقتصادية أكثر جرأة من أجل "تغيير المسار المميت الذي نمضي فيه".
وتشمل تلك الاستراتيجيات؛ أنظمة ضريبية أكثر تصاعدية، تفرض ضرائب أعلى على رؤوس الأموال وأصحاب الثروات، وأن يتم إنفاق الإيرادات التي يتم جنيها جراء ذلك على "الرعاية الصحية الشاملة الجيدة والحماية الاجتماعية للجميع".
ما ينبغي قوله هنا، وفيما خصّ واقعنا العربي هو أن انتصار "الثورة المضادة" على "ربيع العرب"، قد أنتج مزيد من البطش، ومزيدا من الفقر في آن، رغم أن مسار الفقر كان سابقا أيضا، وتصاعد بسبب "كورونا"، لكن ذلك ليس نهائيا، فالغضب يتصاعد بالتدريج، وبطالة الشباب هي عنوان التفجير، وما لم يُعَد النظر في ذلك كله، فإن الانفجارات الاجتماعية قادمة لا محالة، أكان عاجلا أم آجلا، لا سيما أن هناك فشلا واضحا أيضا في معالجة التحديات الخارجية، وهي كثيرة بالطبع.
ما يتبع ذلك هو ضرورة القول إن على القوى الحيّة في الأمة، وفي مقدمتها القوى الإسلامية أن تجعل لهذا الجانب أولوية في حراكها، عبر التعبير عن هموم الفئات الفقيرة والمهمّشة، وعبر طرح برامج اقتصادية ذات رؤية منحازة لهم، بعيدا عن التقليد البائس لبرامج الليبرالية الاقتصادية.