خطوة شركة مايكروسوفت الجريئة للاستحواذ على الشركة ناشرة ألعاب الفيديو، أكتيفيجن بليزارد، مقابل 75 مليار دولار، فجرت قنبلة في أروقة صناعة ألعاب الفيديو. فإلى جانب الحجم الهائل للصفقة المقترحة، فإن احتمال استحواذ شركة تكنولوجية عملاقة تزيد قيمتها على تريليوني دولار على قيادة صناعة ألعاب الفيديو قد أثار تكهنات مثيرة حول ما إذا كانت الخطوة ستؤدي إلى إعادة تنظيم أوسع للصناعة.
وفقا لبعضهم، الصفقة التي تم الإعلان عنها الأسبوع الماضي، تضيف بشكل كبير للقوى التي كانت بالفعل تعيد تشكيل القطاع في الأعوام الأخيرة، بما في ذلك بث ألعاب الفيديو، ما يؤدي إلى إنشاء إمبراطوريات ألعاب فيديو أكبر من أي وقت مضى.
وفقا لبينج جوردون، وهو مدير تنفيذي لألعاب الفيديو ورأسمالي مغامر منذ فترة طويلة، يلعب الحجم الهائل لجمهور ألعاب الفيديو اليوم، الذي يتفوق بالفعل على الأشكال الأخرى من الترفيه في السوق الشاملة، على نقاط القوة للشركات التي يمكنها بناء وإدارة الأعمال التجارية العملاقة عبر الإنترنت لتوزيع تكاليفها.
يقول، "الكتلة الحرجة الجديدة أكبر من أي وقت مضى". مقارنا الضغط المتراكم في صناعة ألعاب الفيديو بحروب بث مقاطع الفيديو التي تعيد تشكيل أعمال التلفزيون والأفلام، يقول، "سيبتكر أحدهم خدمة ألعاب فيديو تضم مئات الملايين من المشتركين".
في الوقت نفسه، وصف ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، عملية الاستحواذ المخطط لها بأنها خطوة نحو الميتافيرس – الاسم الذي يطلق على العوالم الافتراضية التي تعتقد بعض شركات التكنولوجيا الكبرى أنها ستكون امتدادا لعوالم الإنترنت الغامرة هذه.
لدى شركات التكنولوجيا الكبرى حوافز قوية لاتخاذ الخطوة التالية وتطوير عمليات ألعاب فيديو كاملة، كما يقول مايكل وولف، وهو مستشار إعلامي، "تعلم كل شركة (...) أن ألعاب الفيديو ستكون مجال نمو، وترتبط بطموحاتها المتعلقة في العالم الافتراضي على نطاق أوسع".
مع توسع العوالم الافتراضية لألعاب الفيديو لتصبح أماكن، حيث يمكن للاعبين القيام بأمور مثل إجراء عمليات الشراء أو مشاهدة الأفلام. "كل ما تفعله في العالم الحقيقي ستكون قادرا على القيام به داخل ألعاب الفيديو"، كما يضيف وولف.
إذا كان وولف على حق، فمن المنتظر أن تصبح ألعاب الفيديو ساحة المعركة الرئيسة لشركات التكنولوجيا التي ترغب في الحفاظ على دورها المركزي في الحياة الرقمية لمليارات المستخدمين.
تشكك الصناعة
تشير التشنجات التي مرت عبر سوق الأسهم بعد الإعلان عن الصفقة إلى أن كثيرا من المستثمرين اتفقوا على أن أمرا مهما في الطريق. قفزت أسعار أسهم ناشري ألعاب الفيديو الكبار وسط تكهنات بأنهم سيسعون للحصول على صفقات أكبر، أو سيصطفون بشكل أوثق مع موزعي ألعاب الفيديو الأقوياء بالطريقة نفسها التي تتعامل بها شركة أكتيفيجن مع شركة مايكروسوفت. وتراجعت شركة سوني 13 في المائة وسط مخاوف من أنها ربما تم التغلب عليها، لكن سرعان ما تلاشت صدمة السوق. واسترجعت سوني بعضا من خسائرها في اليوم السابق، بينما كان الارتفاع في أسهم ألعاب الفيديو الأخرى متواضعا عند مقارنته بانخفاض الأسعار الذي تعرضت له أغلب الشركات مع تراجع الجائحة.
يقول مسؤول تنفيذي في أحد أكبر شركات نشر ألعاب الفيديو، إن الافتراض الفوري للسوق أن الصفقة ستؤدي إلى موجة من الاندماجات هو استجابة مبسطة. يضيف، "هل تعلم ما الذي يجعل الحياة ممتعة؟ لا تسير الأمور بهذه الطريقة في العادة".
يشير مراقبون إلى أن الصفقة لا تمثل سوى حدة المعركة التنافسية الجارية بالفعل بين جهاز إكس بوكس التابع لشركة مايكروسوفت، وبلاي ستيشن التابع لشركة سوني، عوضا عن كونها نذيرا باضطراب أكبر في المستقبل. قد يكون تأثيرها الرئيس هو "إعادة إحياء حروب وحدة التحكم، بدلا من التحول من حروب وحدة التحكم إلى حرب أكثر شمولا على عدد من المنصات"، كما يقول بيلهام سميثرز، وهو محلل في صناعة ألعاب الفيديو.
لكن حتى لو ثبت أن شكوك المحللين صحيحة ولم يتبين أنها كانت شرارة البداية لسباق إعادة تشكيل الصناعة على نطاق أوسع، فلا تزال خطوة مايكروسوفت تسلط الضوء على الرهانات المتزايدة على صناعة كانت إيراداتها السنوية 180 مليار دولار في 2021 هي بالفعل ضعف إيرادات صناعة السينما.
الآن تجذب ألعاب الفيديو من شركة أكتيفيجن، مثل كول أوف ديوتي ويرلد أوف كرافت وكاندي كراش، مئات الملايين من اللاعبين فيما بينها. ويتم توزيع ألعاب الفيديو الأكثر شعبية الآن عبر كثير من المنصات المختلفة، ما يجعلها متاحة على وحدات التحكم، والحواسيب الشخصية، والهواتف الذكية. وقد وجد مبتكروها طرقا جديدة لجني الأموال من جمهورها المتوسع، بما في ذلك الإعلانات وعمليات الشراء خلال اللعب والاشتراكات.
يقول نيل كامبلينج، المحلل التكنولوجي في ميرابود للأوراق المالية، "قبل 15 عاما، كان لديك نحو 200 مليون لاعب في العالم، واليوم لديك نحو 2.7 مليار. لقد أصبحت ألعاب الفيديو أكبر شكل من أشكال وسائل الإعلام".
حققت لعبة كول أوف ديوتي، وهي الامتياز الناجح لشركة أكتيفيجن، قفزة كبيرة من وحدات تحكم ألعاب الفيديو والحواسيب الشخصية إلى سوق الهواتف المحمولة، التي ازدهرت لتصبح بالكبر نفسه من حيث الإيرادات كأعمال وحدات التحكم والحواسيب الشخصية مجتمعة. وتمثل عمليات الشراء التي قام بها اللاعبون داخل اللعبة بالفعل جزءا كبيرا من إيرادات شركة سوني للمعاملات داخل اللعبة، وفقا لداميان ثونج، كبير المحللين في شركة ماكواري في طوكيو.
قال بوبي كوتيك، الرئيس التنفيذي لشركة أكتيفيجن، عند شرحه لصفقة مايكروسوفت، إن انتشار المنصات والأشكال الجديدة للتوزيع جعلا من الصعب حتى على الشركات الكبيرة مثل شركته مواكبة المتطلبات التكنولوجية لسوق ألعاب الفيديو اليوم.
تمتلك بعض أكبر شركات التكنولوجيا بالفعل حصصا كبيرة في عالم ألعاب الفيديو، حتى لو لم تدفع بعيدا في محاولة إنتاج ألعاب الفيديو بأنفسها. وتشمل هذه متاجر تطبيقات الأجهزة المحمولة من شركتي أبل وجوجل، اللتين تعملان واجهة متجر رئيسة لأكبر قطاع منفرد في سوق ألعاب الفيديو. ويجتذب تطبيق تويتش التابع لشركة أمازون، ومنصة يوتيوب التابعة لشركة جوجل جماهير ضخمة لمشاهدة ألعاب الفيديو. ومن خلال سماعات أوكولوس تمتلك شركة فيسبوك حصة الأسد في سوق الواقع الافتراضي الناشئة.
ميتا بلاتفورمز – وهو الاسم الذي اعتمدته شركة فيسبوك لتعكس تركيزها الجديد على ميتافيرس – كانت إحدى الشركات التي تم التواصل معها من قبل معسكر شركة أكتيفيجن لمعرفة ما إذا كانت تريد استكشاف عملية شراء، وفقا لشخص مطلع على المناقشة.
تصف كاترين رودي هاريجان، وهي أستاذة في جامعة كولومبيا، تحرك مايكروسوفت تجاه شركة أكتيفيجن بأنه ضربة وقائية لانتزاع الصدارة بعيدا عن شركة ميتا في بناء التكرارات الأولى لميتافيرس. تقول، "لقد سرقت شركة فيسبوك بريقها" بانتقالها إلى الواقع الافتراضي، لذا فإن شراء أكتيفيجن سيمنح مايكروسوفت فرصة لتكون لها على الأقل "الأولوية في القرار" قبل فيسبوك.
الجهات التنظيمية والمنافسين
تمتلك أكبر شركات التكنولوجيا أيضا أكثر الأموال للقيام بالرهانات الكبيرة التي يتم وضعها الآن في صناعة ألعاب الفيديو. حتى بالنسبة لشركة كبيرة مثل سوني، فإن شراء أكتيفيجن قد يكون فوق طاقتها، كونها تمثل أكثر من نصف قيمتها السوقية البالغة 145 مليار دولار.
في المقابل، يمثل سعر الشراء 3 في المائة فقط من قيمة مايكروسوفت، وأقل من التدفق النقدي التشغيلي السنوي الأخير. هذا جعل الصفقة الضخمة أكثر من مجرد استحواذ "جشع" – وإن كان كبيرا – لتعزيز الأعمال التي لم ينظر لها معظم مستثمري مايكروسوفت على أنها جوهر مستقبل الشركة.
من المتوقع أن تخضع الصفقة لتدقيق شديد من قبل الجهات التنظيمية قد يستغرق 18 شهرا – ومع مواجهة كل من جوجل وفيسبوك مواقف معارضة من الحكومة الأمريكية متعلقة بمكافحة الاحتكار، فقد تكون عمليات الاستحواذ من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى مستحيلة سياسيا. أيضا فشلت محاولات مبكرة من قبل جوجل وأمازون لابتكار استوديوهات ألعاب خاصة بهما في إحداث تأثير، ما جعلهما وراء مايكروسوفت التي بنت بالفعل استديو ألعاب كبيرا في العقدين الماضيين منذ إطلاق وحدة التحكم الخاصة بها، إكس بوكس.
تواجه شركة مايكروسوفت معارضة قوية من المنافسين الأكبر في صناعة ألعاب الفيديو. ينظر إلى تنسنت، الشركة الصينية التي تقود الصناعة بإيرادات من ألعاب الفيديو في 2020 بلغت 30.6 مليار دولار، على نطاق واسع على أنها نموذج لمستقبل ألعاب الفيديو في أجزاء أخرى من العالم، حيث تجمع بين ألعاب الهاتف المحمول والرسائل للوصول إلى جمهور هائل داخل الصين. وشركة سوني، على الرغم من وضعها في الظل لفترة وجيزة بسبب أخبار صفقة شركة أكتيفيجن، فقد انخرطت أيضا في ألعاب الهواتف المحمولة وتعمل على خدمة اشتراك وتتطلع إلى توسيع نطاق وصولها إلى أسواق جديدة.
نظرا لأن شركات ألعاب الفيديو الرائدة اليوم تتنافس على المركز، فإن التأثير الفوري لصفقة شركة مايكروسوفت سيتم الشعور به في سوق وحدة التحكم. بعد الخسارة من حيث المبيعات والمستخدمين لجهاز بلاي ستيشن التابع لشركة سوني في الجيلين الأخيرين لوحدات التحكم لألعاب الفيديو، قد يؤدي شراء شركة أكتيفيجن إلى تعزيز وصولها إلى ألعاب الفيديو الحصرية التي تساعد على زيادة مبيعات وحدة التحكم.
ربما تكون مشكلات إنتاج أخيرة أثرت في جهاز بلاي ستيشن قد أعطت مايكروسوفت حافزا إضافيا للاستيلاء على أكتيفيجن في الوقت الذي تحاول فيه تجاوز منافستها منذ فترة طويلة، وفقا لسميثرز.
إذا كان الأمر على هذا النحو، فسيضيف ذلك إلى الطبيعة الانتهازية للاستحواذ، حيث تكافح أكتيفيجن للتغلب على ادعاءات التحرش الجنسي المنتشرة في مكان العمل، الأمر الذي أضر بسعر سهمها وأدى إلى دعوات لتغيير القيادة في العام الماضي، ما فتح الطريق أمام عرض شركة مايكروسوفت.
على الرغم من أن التنافس على وحدة التحكم يوفر حافزا قويا للاستحواذ، إلا أنه في أسواق النمو الأحدث يمكن أن يتم الشعور بتأثير الصفقة في النهاية بشكل أقوى. ويمكن أن تؤدي إضافة مزيد من المحتوى الحصري إلى تعزيز خدمة الاشتراك الناشئة من شركة مايكروسوفت، وشركة جيم ستوب التي تملك بالفعل 25 مليون عميل. وفقا لناديلا، قد تضع الصفقة مايكروسوفت في موقع أقوى لتقديم ألعاب الفيديو لمستخدمي الهاتف المحمول في الدول الناشئة، ما يفتح أسواقا جديدة كبيرة.
في الوقت الحالي، على الأقل، حاولت مايكروسوفت القضاء على التكهنات بأن السعي وراء خدمات وجماهير جديدة سيقودها إلى إبقاء مزيد من ألعاب أكتيفيجن حصرية – بأن تمنعها عن المنصات المنافسة. غرد فيل سبنسر، وهو رئيس قسم ألعاب الفيديو في الشركة، هذا الأسبوع بأنه شخصيا أكد للمديرين التنفيذيين في شركة سوني "رغبة مايكروسوفت في إبقاء لعبة كول أوف ديوتي على جهاز بلاي ستيشن".
بالنظر إلى تدقيق الجهات التنظيمية، مثل هذه التأكيدات منطقية. يقول أحد كبار المساهمين في شركة سوني، "لا ترغب أكتيفيجن ومايكروسوفت في إيجاد فكرة في أذهان الجهات التنظيمية بأنهما ستشكلان متجرا مغلقا".
نظرا لأن أعمال الاشتراك لا تزال تمثل جزءا صغيرا فقط من عائدات صناعة ألعاب الفيديو، فإن تحويل لعبة كول أوف ديوتي إلى خدمة حصرية لتغذية خدمة جيم باس من مايكروسوفت لن يكون ذا جدوى اقتصادية، كما يقول المحللون الماليون. سيتعين على مايكروسوفت إضافة خمسة ملايين مشترك لتعويض المبيعات التي ستخسرها إذا أبعدت لعبة كول أوف ديوتي عن جهاز بلاي ستيشن، حسب تقديرات ديفيد جيبسون، كبير المحللين في منصة إم إس تي فاينانشيال.
مثل هذه الاعتبارات تجعل من المرجح ألا تفعل مايكروسوفت كثيرا لتغيير الوضع في المدى القريب. لكن مع وصولها إلى جمهور عالمي جديد وكبير، يبدو أن الهيكل طويل المدى لصناعة ألعاب الفيديو سيتغير.