على نحو متسارع تتصاعد أزمة إغلاق الطريق القومي الرابط بين السودان ومصر بعد إعلان تجمع المزارعين تصعيدا شاملا اعتبارا من يوم الأحد، يمنع بموجبه مرور الرحلات البرية بين البلدين وكذلك الشاحنات التجارية.
ويطالب تجمع المزارعين في الولاية الشمالية بإلغاء تعرفة الكهرباء التي أقرتها الحكومة مطلع هذا العام لكونها غير مجزية، وتلقي بتكلفة عالية على المزارعين البسطاء.
وأجرت وزارتا الطاقة والمالية في السودان الأسبوع الماضي تعديلا على تعرفة الكهرباء بلغ بموجبها سعر الكيلووات للقطاع الزراعي المحلي 9 جنيهات، والاستثمار الزراعي الأجنبي 22 جنيها.
وبحسب المتحدث باسم التجمع عثمان خالد فإن اجتماعا موسعا التأم الخميس الماضي شارك فيه ممثلون لكل مزارعي الشمالية أقر "الإغلاق الشامل للولاية الشمالية بمنع عبور الشاحنات والرحلات السفرية باستثناء سيارات الإسعاف والحالات الإنسانية".
وقال خالد إن التجمع كذلك قرر إيقاف الجبايات في كل الولاية الشمالية بما في ذلك نقاط التحصيل الواقعة قبل موقعي الإغلاق حيث يضع المزارعون الحواجز في منطقتي جسر الحماداب (336 كلم شمال الخرطوم) والقرير (حوالي 347 كلم شمال الخرطوم) في انتظار صدور قرار حكومي بإلغاء الزيادة الجديدة للكهرباء وحل أزمة سماد اليوريا الذي ارتفعت أسعاره بنحو جنوني على نحو يهدد بانهيار الموسم الزراعي الشتوي وفقا للمتحدث.
وتتكدس عشرات الشاحنات المحملة بالبضائع من وإلى مصر ومدن السودان الشمالية على جانبي الطريق بعد منعها من المرور لأيام طويلة، لكن المزارعين ظلوا يسمحون للسيارات الصغيرة والباصات السفرية بالعبور حيث يعد هذا الطريق حيويا في الربط بين السودان ومصر براً.
ومع قرار التصعيد الجديد الذي سيطبق اعتبارا من يوم غد الأحد، فلن يكون بمقدور الرحلات السفرية المرور، مما سيفاقم الوضع ويلقي بآثار سلبية على التبادل التجاري مع مصر، ويؤثر على حركة الصادر والوارد بين البلدين حيث يعد طريق الشمال معبرا لأكثر من 65%من التبادل التجاري بين البلدين.
وتشمل الصادرات المصرية للسودان العديد من المنتجات تامة الصنع بينها الكيماويات، والمواد الغذائية، والآلات والمعدات. وفي المقابل تأتي على رأس الواردات المصرية من السودان الحيوانات الحية، والسمسم، والفول السوداني، والقطن.
ووصل حجم التبادل التجاري بين السودان ومصر إلى أكثر من 700 مليون دولار خلال النصف الأول من العام 2021 بحسب بيان صحفي للقنصل المصري بالخرطوم أحمد عدلي، الشهر الماضي. وجاءت الصادرات المصرية للسودان بواقع 419 مليون دولار، مقابل 299 مليونا للواردات من السودان.
كما تحدث المستشار الاقتصادي للسفارة المصرية بالخرطوم طارق قشوع في ذات البيان، قائلا إن الأرقام تظهر ارتفاع حجم الصادرات المصرية للسودان خلال النصف الأول من العام المنصرم بنسبة 143% مقارنة بنفس الفترة لعام 2020، كما ارتفعت الواردات المصرية من السودان بنسبة 150.2%، وقال إن حجم التبادل التجاري بين البلدين من المفترض ألا يقل عن 3 مليارات دولار سنويا.
ويتحدث المسؤولون المصريون في الخرطوم عن جهات تسعى إلى بث الشائعات والترويج لمعلومات مغلوطة عبر حملة ممنهجة لتعكير أجواء العلاقات السودانية المصرية، كما يقول المستشار الإعلامي للسفارة المصرية في الخرطوم عبد النبي صادق في حوار مع صحيفة "السوداني". ومن بين الشائعات الرائجة استخدام الطريق الشمالي للسودان في تهريب المواد الخام السودانية وتصنيعها وتصديرها باعتبارها مصرية مؤكدا أن ذلك غير صحيح ويصعب تصديقه.
ويتابع "كيف لمصر أن تصنع وتصدر منتجاً من دون إرفاق شهادة المنشأ، مثلاً كيف لنا أن ندعي تصدير وإنتاج التبلدي في مصر، والعالم كله يعلم أن أشجار التبلدي لا تزرع في مصر، كما أن قوانين التجارة العالمية وشهادة المنشأ والتجارة الإلكترونية يصعب معها التلاعب في أصل المنتجات".
وكانت وسائل التواصل الاجتماعي في السودان ضجت بمقاطع فيديو وصور، تظهر شاحنات مصرية محملة بالبضائع السودانية المختلفة وهي محتجزة على الطريق الشمالي على أنها تهريب للسلع السودانية لإعادة تصنيعها في مصر كبلد منشأ.
لكن بكري إلياس أحد أكبر الموردين والمستوردين من مصر، يقول للجزيرة نت إن البضائع لا يمكن أن تخرج من السودان دون مستندات وإجراءات بنكية معروفة وفق دورة مستندية كاملة تدخل فيها هيئات الجمارك والمواصفات، دون أن ينفي وجود فساد بتزوير أوراق الصادر على يد من يطلق عليهم "الوراقة" الذين يعملون على بيع المستندات مما يؤثر على الاقتصاد بعدم إرجاع حاصلات الصادر، وهو ما ينبغي الالتفات إليه ومحاربته كما يقول.
ويؤكد إلياس أن حجم التبادل التجاري بين السودان ومصر متقارب لحد كبير وفقا لتقارير رسمية تشير إلى أن الصادرات للسودان من مصر بلغت 502 مليون دولار، بينما كانت واردات مصر من السودان 559 مليونا خلال العام 2021.
ويلقي إغلاق طريق الشمال -وفقا لإلياس- بأضرار بالغة على الحركة التجارية والوضع الاقتصادي حيث تسبب في زيادة أسعار النقل باعتبار أن الشاحنة التي كانت تصل السودان خلال أسبوع قد تتأخر لشهر، وبلغت كلفة الشحنة حوالي 64 ألف جنيه سوداني (الدولار يساوي 460 جنيها) مقارنة بحوالي 53 ألف جنيه قبل الإغلاق.
كما يشير إلياس إلى أن المنتج السوداني يتضرر بشكل بالغ من عملية الإغلاق خاصة المصانع وأصحاب المواشي سيما أن نسبة كبيرة من المواد الخام تصل من مصر، كما تستورد الأخيرة كميات كبيرة من الماشية الحية.
وتوقع أن تحدث خلال الفترة المقبلة فجوة ملحوظة في السلع المستوردة من مصر على غرار ما أفرزته عملية إغلاق شرق السودان، قبل عدة أشهر، بندرة ملحوظة في سلع مهمة مما أدى نهاية الأمر لزيادة أسعار المتوافر منها في الأسواق.
ويخشى إلياس من تأثيرات سياسية ملحوظة على حركة التبادل التجاري بين السودان ومصر، قائلا إن الأجندة السياسية بدأت تلعب دورا في التطورات المتصاعدة برغم عدالة مطالب المزارعين بالولاية الشمالية ورفضهم لزيادة أسعار الكهرباء في موسم زراعي مهم مما يستوجب النظر للأمر بحكمة منعا لانهيار البلاد اقتصاديا.
ومن وجهة نظر المتحدث باسم تجمع المزارعين، فإن تحركهم المرتقب للإغلاق الشامل لا يرمي لتحقيق أي أهداف سياسية ولا يستهدف بأي حال التجارة مع مصر، لكنه الوسيلة الوحيدة للضغط باتجاه تنفيذ مطالبهم بإلغاء أسعار الكهرباء الجديدة وتوفير السماد لتمكين المزارعين من اللحاق بالموسم.