logo

تقرير كيف تستفيد مصر من حضورها الاقتصادي اللافت بليبيا؟

14 فبراير 2022 ، آخر تحديث: 14 فبراير 2022
1823616-80232994.jpeg
تقرير كيف تستفيد مصر من حضورها الاقتصادي اللافت بليبيا؟

تشهد العلاقات المصرية الليبية، تطورا ملموسا خلال الآونة الأخيرة، عكسه بشكل لافت، اتفاقيات اقتصادية ضخمة، وتوقيع العديد من مذكرات التفاهم بين الجانبين، واستحواذ مصر على حصة كبيرة من مشاريع إعادة الإعمار الضخمة التي تسعى ليبيا لتنفيذها خلال الشهور المقبلة.

ومنذ أيام، وقع رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة عقودا مع شركات مصرية لتنفيذ مشروع استكمال الطريق الدائري الثالث، المتوقف منذ مطلع عام 2007، والذي يبلغ طوله الإجمالي 23.8 كلم، وقيمته نحو 930 مليون دولار.

كما كانت الحكومة الليبية قد وقعت قبل ذلك عقودا مع ائتلاف شركات مصرية، لتنفيذ مشروعي صيانة وتوسعة طريقي "أوباري- غات" (غرب)، "أجدابيا- جالو" (شرق) واللذين يأتيان في إطار مشاريع متفق عليها بمليارات الدولارات، ضمن قطاعات الطاقة، الكهرباء، النّفط، مجالات البنية التّحتيّة، الصحة والتعليم، الإسكان، الإدارة والخدمة العامة.

وقدرت دراسة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة "إسكوا" أن تستأثر دول جوار ليبيا بنحو 160 مليار دولار من قيمة المشاريع المخصصة للإعمار، خلال 4 سنوات، وهو ما يسهم في خفض معدل البطالة بنحو 6% في تونس، 9% في مصر، 14% في السودان.

ويتوقع مراقبون أن تستحوذ الشركات المصرية على نسبة تتراوح بين 60 و70% من مشاريع إعادة الإعمار في ليبيا، مما يمثل نقلة نوعية في مستوى العلاقات، يرى خبراء أنه سيكون له أثر إيجابي كبير على الاقتصاد المصري، كما سيمثل قيمة مضافة للاستقرار السياسي في المنطقة.

رهان مصري

الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام يؤكد أن الاقتصاد الليبي مهم جدا لنظيره المصري، ويعتبر رهان القاهرة على طرابلس، ويمكن أن يخرج اقتصادها من عدة أزمات، مشيرا في هذا السياق إلى أن ليبيا كانت في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي مصدرا مهما للنقد الأجنبي، كما أنها كانت مقصدا رئيسيا لصادراتها ومنتجاتها.

وأوضح، في حديثه للجزيرة نت، أن شركات المقاولات المصرية كانت تعتبر ليبيا سوقها الثاني، ومن ثم كانت مصر تحصد مليارات الدولارات سنويا، سواء في شكل صادرات أو تحويلات بنكية، وهو الأمر الذي تسعى إلى استعادته، من خلال ما تقوم به مؤخرا من إعادة تموضع في العلاقات مع جارتها.

ورغم إبرام الحكومة المصرية مع نظيرتها الليبية هذه الاتفاقيات والتعاقدات، وإعلان وزير الاقتصاد الليبي جاهزية بلاده لاستقبال مليون عامل مصري سيتم رفعهم إلى 3 ملايين خلال 3 سنوات، يرى عبد السلام أنه من المبكر توقع جاهزية ليبيا لتنفيذ ذلك، حيث إن حكومتها انتقالية، ومع تأجيل الانتخابات لا يمكن اعتبارها مهيأة لبدء مشاريع إعادة الإعمار الضخمة.

ولفت عبد السلام إلى أنه رغم هذه الاتفاقيات، فإن العمالة المصرية تواجه منافسة شرسة سواء من قبل العمالة الأفريقية الرخيصة أو من ناحية شركات مقاولات عالمية كبرى، ومن ثم فإنه لابد من انتظار إجراء الانتخابات، ليتضح بعدها ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستمضي قدما في اتفاقات سالفتها، أم يمكن أن تراجع تلك التعاقدات.

وفي حال تم إقرار تلك الاتفاقيات، فإن عبد السلام يتوقع أن ينعكس ذلك بشكل قوي على الاقتصاد المصري الذي يبحث عن موارد دولارية إضافية، ستتمثل حينها في تحويلات المصريين المرتقبة، وإيرادات شركات المقاولات والصادرات، وهو ما يدفع مصر إلى الحرص على أن تكون رقم واحد في مشاريع إعادة الإعمار.

ويضيف الخبير الاقتصادي، بهذا السياق، أنه في ظل قراءة المشهد الحالي، فمن الواضح أن الحكومة الليبية متحمسة للحضور المصري، كما أن الجانب المصري حريص على هذا لأسباب تتعلق بحرصه على استقرار الحدود، وإيجاد الموارد الدولارية التي يمكن أن تكون بديلا عن الاقتراض الخارجي.

ليس جديدا

ويعتبر الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أن هذا التقارب والتناغم بين البلدين ليس جديدا وإنما هو الأصل، فعلاقات مصر وليبيا الاقتصادية تاريخية، ولم تتوقف حتى في ظل أسوأ الظروف.

وفي حديثه للجزيرة نت، أرجع عبد المطلب تفضيل الحكومة الليبية للشركات المصرية، في تعاقدات إعادة الإعمار، لقلة تكاليفها، لافتا إلى أنه في حال إتمام ما أعلن عنه من تعاقدات، فمن المتوقع مساهمتها في إفادة الاقتصاد المصري بالعديد من القطاعات.

وأفاد بأن من أمثلة ذلك عودة الشركات المصرية للسوق الليبي، وتوفير فرص عمل ضخمة للعمالة المصرية، مما سيساهم في تقليل معدلات البطالة والفقر، وارتفاع الصادرات المصرية، إضافة إلى أن زيادة أعداد العاملين المصريين ستساهم في زيادة تحويلات المصريين بالخارج.

ورغم تأجيل الانتخابات، إلا أن عبد المطلب لا يعتقد بأن ذلك سيعيق تنفيذ تلك التعاقدات الجديدة، حيث إنها مبرمة مع حكومة شرعية متوافق عليها، والمؤشرات على استقرار الأوضاع، وتوافق الأطراف على عدم تجاوز مساحات خلافهم إلى استخدام العنف، يؤكد ذلك.

وفي سياق الحديث عن آثار هذا التقارب، يرى عبد المطلب أن ذلك سيسمح بطمأنة مصر على حدودها الغربية، وسوف يمكنها من تركيز جهودها على المناطق التي تسبب لها قلقا، سواء في الحدود الجنوبية، أو الشرقية.

تقارب متبادل

بدوره، يرى خيري عمر، أستاذ العلوم السياسية والخبير في العلاقات المصرية الليبية، أن تنامي تلك العلاقات مؤخرا جاء نتيجة استقرار موقف مصر من الوضع بليبيا، حيث صارت على مسافة واحدة من كل الأطراف، ولم يعد هناك ما يمكن أن يمثل خصومة أو تباعدا من طرفها تجاه الأطراف السياسية بليبيا.

ولفت، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن هذا التقارب كان متبادلا من الطرفين، لقناعة كل منهما بحاجته لاستقرار تلك العلاقة، حيث فتحت مصر بابها لمختلف الجلسات الحوارية للأطراف الليبية، كما أدرك الليبيون أن خصوماتهم الفائتة لم تكن ذات معنى أو دافع حقيقي، وساعد في ذلك سياق عام من المصالحات بالمنطقة.

ويعد أثر هذا التقارب الاقتصادي والسياسي، حسب خيري، أكبر على الطرف الليبي، إلا أنه مرتبط باستقرار حقيقي فيها، وهو الذي لم تضح ملامحه بعد، نتيجة غياب التوافق حول مرحلة الانتخابات وكيفية إجرائها. في حين تسعى مصر لهذا التوافق عبر توطيد علاقتها بالسياسيين في الغرب الليبي، لتجنب أي توتر على حدودها الغربية.

ويرى الخبير في علاقات البلدين أن الوقت سابق لأوانه لتحديد مآلات هذا التقارب، والوقوف على آثار الاتفاقات المبرمة بينهما، فهي في تقديره اتفاقيات بالأحرف الأولى، والأمر مرتبط بموقف الحكومة المقبلة التي يفترض أن تستمد شرعيتها من انبثاقها عن انتخابات متوافق عليها تكون معبرة عن إرادة الليبيين.

أخبار ذات صلة

جميع الحقوق محفوظة لموقع البوصلة الاقتصادي © 2024