واجه قرار البنك المركزي المصري الخاص بقواعد تنظيم الاستيراد رفضا واسعا على مستوى المستوردين والتجار ورجال الأعمال، الذين تقدموا بمذكرات عاجلة لمجلس الوزراء من أجل وقف تنفيذ القرار.
وفي اليوم التالي لإصدار القرار المثير للجدل، أكد محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر -الثلاثاء- أن قواعد تنظيم الاستيراد التي تم الإعلان عنها لا رجعة فيها، ولن يتم إجراء أية تعديلات عليها؛ ردا على رفض المعارضين للقرار.
وشدد عامر على أن البنوك المصرية جاهزة لتنفيذ الإجراءات الجديدة بكفاءة، ودعا رجال الأعمال إلى ضرورة الإسراع في توفيق أوضاعهم وعدم إهدار الوقت في جدال لا علاقة له باستقرار التجارة الخارجية لمصر وسلامة أدائها.
وكان البنك المركزي المصري قد قرر بشكل مفاجئ وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ كافة العمليات الاستيرادية، واستبدالها بالاعتمادات المستندية فقط، وذلك اعتبارا من بداية مارس/آذار المقبل.
لكن البند الأكثر إثارة للجدل في القرار والذي واجه انتقادات كبيرة، هو استثناء البنك المركزي فروع الشركات الأجنبية والشركات التابعة لها، مما يعني انتفاء المنافسة العادلة، وفتح باب الاحتكار، وفق مستوردين تحدثوا للجزيرة نت.
وعن معنى القرار على أرض الواقع، أكدوا أنه يعني قيام المستورد بوضع كلفة البضاعة المتعاقد عليها بالكامل في بنك المستورد قبل وصولها، ثم يقوم البنك بإرسالها إلى بنك المستلم بعد وصولها، أما في طريقة مستندات التحصيل فيكون التعامل بين المستورد والمصدر بشكل مباشر، ويكون تحويل الأموال بوضع جزء من كلفة البضاعة.
وفي خطاب مشترك لرئاسة الوزراء، طالب اتحاد الصناعات وجمعية رجال الأعمال والاتحاد العام للغرف التجارية بإلغاء القرار بشكل فوري، نظرا لتأثيراته السلبية المتوقعة على إمدادات الصناعة ومستلزمات الإنتاج وأسعار المنتجات والسلع، في ظل مشاكل سلاسل التوريد بسبب استمرار تداعيات جائحة كورونا.
وأكدوا أنه سوف يأتي بنتائج عكسية، وسبق أن فشل تطبيق مثل هذا النوع من القرارات التي وصفوها بالمنفردة والأحادية، حيث ينذر القرار بوجود خلل في توافر العملة الصعبة بالبلاد، ويسمح بعودة ظهور سوق سوداء موازية، لأنه سيرفع الطلب على العملة الصعبة سواء من قبل شركات الاستيراد أو المنشآت الصناعية؛ لتغطية الاعتمادات المستندية.
لكن البنك المركزي برر الخطوة بأنها تأتي في إطار توجيهات مجلس الوزراء بشأن حوكمة عمليات الاستيراد، وتفعيل منظومة التسجيل المسبق للشحنات التي سيبدأ تطبيقها بصورة إلزامية اعتبارا من بداية الشهر المقبل.
وأيد الخبير المصرفي محمد عبد العال قرار البنك المركزي، ووصفه -في تصريح صحفي- "بالحكيم"، وبأنه يتوافق مع توجه الدولة الإستراتيجي للتحول الإلكتروني ومع التشريعات والقوانين المرتبطة، مشيرا إلى أنه يسهم أيضا في تحقيق الشفافية وعدم تلاعب البعض في الفواتير التجارية.
ورفض رئيس شعبة المستوردين السابق باتحاد الغرف التجارية أحمد شيحة القرار؛ لأنه جاء دون تشاور مع المعنيين بالأمر، ويمس شريحة كبيرة من المستوردين والمصنعين والتجار، وسوف يؤثر بالسلب على البضائع ومستلزمات الإنتاج المستوردة.
وانتقد -في حديثه للجزيرة نت- استثناء الشركات الأجنبية من القرار، مما يعني عدم وجود تكافؤ فرص في المنافسة، وهذا القرار يُحَمِّل المستوردين عبئ تمويل الاعتماد المستندي بالكامل قبل شحن ووصول واستلام البضاعة، بدلا من تحصيله على دفعات بحسب الاتفاق بين المورد والمستورد.
وشدد شيحة أن هذا القرار يشكل عبئا على التمويل، ويعني تجميد أموال المستوردين والمصنعين لعدة شهور في البنك بانتظار وصول الشحنة دون أي وجه استفادة، لافتا إلى أن هناك شركات كثيرة لن تستطيع الاستمرار بسبب أعباء التمويل، في المقابل سوف تنفرد الشركات التي لديها قدرة على التمويل، وبالتالي سيؤدي ذلك إلى زيادة عملية الاحتكار، ومن ثم ارتفاع تكلفة البضائع والسلع على المستهلكين.
وأعرب شيحة عن أمله في أن يوقف مجلس الوزراء القرار بعد الاطلاع على المذكرة التي أرسلتها الجهات المتضررة وشرحت من خلالها سلبيات القرار وتداعياته على السوق المصرية في ظل الظروف الحالية، خاصة أنه يأتي قبل شهرين من موسم رمضان حيث يزيد حجم الاستيراد لتلبية مستلزمات الشهر الكريم.
بدوره، انتقد عضو مجلس إدارة الاتحاد العام للغرف التجارية حاتم عبد الغفار القرار بشدة، وتوقع أن يتسبب في حدوث ارتباك في حركة الاستيراد وارتفاع الأسعار محليا بنسبة تتراوح بين 15% و20%.
وأضاف في بيان على صفحة الاتحاد على فيسبوك، أن هذا القرار يحمل ضررا كبيرا للمستوردين في الداخل والموردين في الخارج، خاصة أن البنك المركزي لم يستطلع آراء المستوردين والمعنيين بالأمر، واعتبره تقييدا لحركة الاستيراد وسيؤدي إلى خروج عدد كبير من المستوردين من السوق.
وأعرب رئيس شعبة المستلزمات الطبية محمد إسماعيل عن اعتقاده أن الغرض من القرار هو "تحجيم" الطلب على الدولار؛ لأن مع تطبيق هذا القرار لن يتحمل الكثير من المستوردين الاستمرار في نفس مستويات الاستيراد، بسبب نقص السيولة، مما يدفعهم إلى تقليص الواردات قدر الإمكان.
واعتبر إسماعيل -في تصريحات صحفية- أن استثناء البنك المركزي لفروع الشركات الأجنبية والكيانات التابعة، هو خوف من الفضيحة أمام منظمة التجارة العالمية، لأنها سوف تعتبر القرار بمثابة تقويض للتجارة الحرة.
وزاد عجز الميزان التجاري لمصر إلى نحو 38.2 مليار دولار نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مقابل 37.5 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام السابق، بحسب نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وارتفعت واردات مصر إلى 78.7 مليار دولار حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2021، مقابل 63.7 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2020، بارتفاع نسبته 20.3%، بينما قفزت قيمة الصادرات المصرية إلى 38.5 مليار دولار بنسبة 46.6% مقابل 26.2 مليار دولار.