إن التعلم عملية حياتية أساسية نمارسها كل يوم بمختلف حواسنا، ولعلَ خوض غمار التجربة التعليمية إلى حدها الأقصى طموحٌ عامٌ للكثيرين. فالتعلم تمامًا كالحركة والتنفس والكلام. والعقل كالعضلات التي تتطلب إحمائها بصفة مستمرة -وبالطريقة الصحيحة- لتحقيق أقصى استفادة ممكنة في وقت قصير. خاصة لو كنت تنتمي لفئة الطلاب من المتعلمين، فيكون من الضرورة بالنسبة لك أن توفر ما تستطيع من الوقت أثناء جلسات التعلم والدراسة للقدرة على الموازنة بين التعليم وجوانب حياتك الأخرى.
وللقيام بذلك هناك العديد من الطرق التي يجب عليك اتباعها في محاولتك اليومية للتعلم، والتي لا تمكنك فقط من الإسراع من العملية التعليمية، بل وتساعدك أيضًا على إتقان مادتك العلمية أيًا كانت واسترجاع المعلومات بشكل أفضل.
التمتع بذاكرة جيدة يحسن من تركيزك ويزيد من سرعتك على استرجاع المعلومات. وبناءً على ذلك، للاستعداد قبل أي جلسة دراسية عليك أن تقوم بتصفية ذهنك وتهيئته للحفظ، وذلك باختيار البيئة المناسبة للدراسة وإعداد مشروبك الخاص الذي تفضله عند الاستذكار، وتنظيم أهدافك لليوم ومن ثم تخصيص الوقت المحدد لكل مادة علمية.
كما يوصي علماء النفس ببعض الطرق التي تُزيد بقوة من تركيزك وتحسن من كفاءة التعلم، من أهم هذه الاستراتيجيات التي تساعدك على تحسين الذاكرة:
للذاكرة مداخل عدة فيما يتعلق بحفظ المعلومة، فهناك الذاكرة البصرية ومنها يحفظ الدماغ المعلومة عند قراءتنا لها، والذاكرة الصوتية عند الاستماع والإنصات، الذاكرة الشفهية عند التلفظ بالمعلومات، الذاكرة الحسية التي تتكون بالتقصي والتجربة، وذاكرة اليد عند الكتابة. والتنويع بين المداخل التي تتلقى من خلالها المعلومات يحسن من حفظها لدى ذاكرتنا.
فإن كنت تعتمد في تعلمك لإحدى اللغات مثلًا على سماع الدروس الصوتية، فمن الأفضل لك أن تضف إلى ذلك طرقًا أخرى تمكنك من دراسة المعلومة مرئيًا وشفهيًا، كشرح ما تدرسه لإحدى زملائك وتدوين الملحوظات في المحاضرات ورسم الخرائط الذهنية (Mind Maps) لتلخيص العناوين الرئيسية وأهم المعلومات التي تم تناولها.
التعلم بأكثر من طريقة يعمق من فهمك للمعلومة مما يزيد من حفظها وثباتها في الذاكرة.
كما أثبت علميًا أن كتابتك الملاحظات بخط يدك على الورق ينعكس بشكل أفضل على الذاكرة من الكتابة على الهاتف أو لوحة المفاتيح، وذلك لما نمتلكه من ذاكرة يدوية تساهم في استرجاع المعلومات.
شرح المعلومة لغيرك هو أحد أفضل الطرق لفهمها ودراستها، لما يشكل من ذكرى مميزة تسهل من استرجاعك المعلومة التي ارتبطت بها.
قم بصياغة المادة الدراسية بأسلوبك الخاص بعد فهمها ومن ثم ابحث عن طريقة لمشاركتها مع زملائك، كإنشاء مدونة خاصة أو بث إذاعي (Podcast) أو الانضمام لمجموعات المناقشة على الإنترنت.
اعمل دائمًا على التوصيل بين النقاط المتفرقة في ذاكرتك عن طريق الربط بين معلوماتك السابقة والتي تعلمتها للتو.
مثال لذلك، عند تعلمك للغة جديدة بقواعد ومفردات مختلفة، اربط بينها وبين لغتك الأصلية أو احدى اللغات الأخرى التي تجيدها عن طريق الكلمات المتشابهة بين اللغتين.
يشكل حضور المحاضرات، وقراءة المراجع العلمية، والاستماع إلى شرح المواد والبحث في المكتبة أو على الإنترنت للكثيرين الطريقة الأساسية للتعلم، وإن قراءة المعلومة ومراجعتها وكتابتها أثناء الدراسة أمر مهم بلا شك، ولكنه لا يستطيع أن يساعد وحده في تعلم وإتقان مهارة ما.
لذلك فإن التطبيق العملي للمهارات والتدريب المستمر على ما تقوم بدراسته يحسن كثيرًا من فهمك لما تتعلمه، فإن كنت تقوم بحفظ إحدى المعادلات على سبيل المثال، فسيساعد كثيرًا قيامك بتطبيق المعادلة عمليًا في المعمل ومشاهدة النواتج وتغير الألوان في تذكرك الرموز الكيميائية الصحيحة في الامتحان عند استرجاعها فيما بعد.
كما أن قيامك بالتحدث مع الآخرين واستخدام مفرداتك الجديدة التي تعلمتها في كلامك يساعدك بشكل كبير في اكتساب لغة جديدة وصقل التجربة التعليمية.
بدلًا من المكوث فترة طويلة للدراسة والشعور بالملل بعد وقت قصير، قسم جلستك الدراسية لعدة فترات تتخللها استراحة قصيرة.
ابدأ بقراءة إحدى فقرات المادة ودراستها ثم خذ استراحة قصيرة وعد بعدها لقراءة ما حفظته وزيادة فقرة أخرى للسابقة.
يعد العلماء هذه الطريقة من إحدى أكفأ الطرق وأفضلها للتعلم والدراسة.
أثبتت الدراسات أن قيامك بحل العديد من الأسئلة والتدريبات يساعدك بشكل أفضل في تذكر المعلومة، وتلك الطريقة هي الأفضل مقارنةً بما يعتقده البعض من أن قضاء ساعات أكثر في الاستذكار هو الوسيلة الأفضل للحفظ.
فعندما تقوم بحل أسئلة الامتحان يقوم دماغك باستحضار المعلومات من الذاكرة باستمرار، مما يحسن من ذاكرتك طويلة المدى (Long-term Memory) للمعلومات، حتى ولو لم تكن ضمن الأسئلة التي تقوم بحلها، فهي عملية تدريبية للذاكرة بحد ذاتها.
عند الاستذكار والدراسة، هناك أيضًا بعض الأمور التي يجب عليك تجنبها لتكون جلسات استذكارك أكثر فاعلية وإنجازًا من أهم هذه الأمور:
فيما أصبح من الشائع الآن الترويج لفكرة ضرورة امتلاك العديد من المهارات سريعًا واستغلال الوقت بأقصى صورة ممكنة، وأن من يستطيع القيام بأكثر من نشاط في وقت واحد يمتلك الأفضلية على أقرانه، أثبتت التجربة في كل مرة أن التركيز على أمر واحد لفترة من الزمن هو أفضل الطرق المضمونة للإنجاز والتعلم، وينطبق ذلك أيضًا على أدائك للنشاطات اليومية أثناء الدراسة.
أثناء الدراسة، لا تزد المصادر التي تذاكر منها عن اثنين ولا تتنقل بين المواد كل فترة، ركز على مهمة واحدة أو مادة علمية واحدة وضع -مسبقًا- وقتًا محددًا للانتهاء منها؛ بتلك الطريقة تتمكن من التغلب على مشكلة "تعدد المهام" وما تسببه من تشتت وضياع لتركيزك.
جميعنا نتعلم منذ الصغر أن علينا تجنب ارتكاب الأخطاء، ولكن مؤخرًا ساهمت الأبحاث في كشف الجانب الإيجابي لارتكابنا الأخطاء.
عندما تخطئ في حل أحد الأسئلة وتقوم بتصحيح السؤال فيما بعد، فإن ذلك يساهم في تعلم المادة العلمية، خاصة عندما تكون إجابتك قريبة للإجابة الصحيحة.
وعند ارتكابك للأخطاء وتتبعك الأسباب التي جعلتك تخطئ في اختيار الإجابة أو تتوصل للاستنتاج الخاطئ، فإن قضاءك ذلك الوقت في البحث ومطالعة المادة العلمية يزيد من قوة حفظك لها، لذلك لا تقلق أبدًا من أخطائك أثناء التعلم.
الممارسة تحسن من جميع النشاطات خاصةً الدراسة، وقد أثبتت الدراسات العلمية حديثًا أنه على الرغم من قدرة الدماغ على تصنيع خلايا عصبية جديدة (Neurogenesis) باستمرار، فإن العديد من هذه الخلايا سوف تضمر تدريجيًا إن توقفت عن تنشيطها بالتعلم تمامًا كما هو الحال مع عضلات جسدك.
لذلك لا تتوقف أبدًا عن تعلم واكتشاف مهارات ومعلومات جديدة باستمرار ولا تركز اهتمامك على مجال واحد للمطالعة، بل استكشف أمورًا جديدة ومختلفة في مجالات عديدة، ووسع آفاقك عندما يتعلق الأمر بالتعلم وممارسة نشاطات جديدة.
في النهاية، بناء عادات جديدة يتطلب جهدًا وإصرارًا كبيرين للوصول إلى النتائج المرغوبة خاصة فيما يتعلق بالتعلم، لذلك عليك أن تشرع في استخدام بعض الطرق التي عرضناها اليوم أثناء الدراسة وتختار منها ما يتناسب مع قدراتك وأسلوبك في المطالعة. والأهم من ذلك، عليك أن تؤمن في قدرتك على التعلم واكتساب المهارات الجديدة، وأن تستشعر ذلك قبل كل شيء، فلا فائدة أبدًا في شيء لا يمكنك الإيمان به.