توغلت الدبابات وقطعت الصواريخ فوق أوكرانيا، وغرد نائب رئيس وزراء أوكرانيا ميخايلو فيدوروف في الـ 26 من فبراير (شباط) قائلاً "قفوا مع شعب أوكرانيا، نقبل الآن التبرعات بالعملات المشفرة"، وعلى مدار الأيام السبعة التالية من ندائه أرسل أكثر من 100.000 شخص ما قيمته 60 مليون دولار من "بيتكوين" و"إيثريوم" والعملات الرقمية الأخرى إلى العناوين التي نشرها فيدوروف.
وأرسل المؤسس البريطاني المشارك لشركة "إيثيريوم" جافين وود 5.8 مليون دولار، وتبرع أليكس ماشينسكي، وهو رائد أعمال مولود في أوكرانيا ورائد مدير صندوق العملات المشفرة "سيلسيوس"، وقدم أيضاً 25 دولاراً من "بيتكوين" لكل حساب مستخدم في أوكرانيا لمساعدة أصحابها في دفع ثمن السلع والخدمات الأساس.
وتوقع ماشينسكي أن ينمو دور العملة المشفرة بينما يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجومه على البلاد، وقال ماشينسكي "هذه مجرد البداية، وإذا تولى بوتين زمام الأمور فسوف يتولى إدارة البنك المركزي وإدارة النظام المالي في البلاد، لذلك إذا كنت ترغب في دعم المنشقين فلن تتمكن من القيام بذلك إلا باستخدام (بيتكوين)، ولن تكون قادراً على القيام بذلك من خلال الوسائل التقليدية لأنها ستزول من الوجود". وأضاف، "أهمية هذه الشبكة المالية الموازية ستكون دراماتيكية للغاية خلال الأشهر والسنوات المقبلة".
إمكانات ومزالق العملات المشفرة
وألقت الحرب الروسية - الأوكرانية بظلال حادة على إمكانات ومزالق العملات المشفرة، ومن ناحية أخرى ربما لم تكن فائدة العملات الرقمية التي لا حدود لها والتي يمكن إرسالها عبر العالم ببضع ضغطات على المفاتيح أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، والجانب الآخر هو أن السياسيين والمنظمين استيقظوا فجأة على حقيقة أن الجهات الفاعلة السيئة يمكن أن تستخدمها أيضاً، وفي هذه الحال من المحتمل أن تتجنب موسكو العقوبات التي فرضتها أميركا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي على المليارديرات والـ "أوليغارشيين" (عائلات نافذة معدودة تورث النفوذ والقوة من جيل لآخر) والسياسيين الذين لهم صلات ببوتين.
وقال رئيس السياسة الأميركية في شركة "تشيناليسيس" المتخصصة في البيانات المشفرة سلمان بانائي لصحيفة "ذا تايمز"، إن الحرب ظهرت مثل "لحظة 11 سبتمبر (أيلول)، فالحكومات دفنت رؤوسها إلى حد كبير في الرمال لسنوات على أمل أن تختفي العملات الرقمية". ورداً على هجوم روسيا غير المبرر على أوكرانيا اجتمع قادة العالم الأسبوع الماضي وقرروا تجميد احتياطات موسكو الأجنبية البالغة 630 مليار دولار، ومشهد القوى الأجنبية التي تحرم دولة ذات سيادة من الوصول إلى أموالها الخاصة كشف حقيقة أن أي عملة ورقية لا قيمة لها إلا إذا سمحت الحكومات بإنفاقها.
وتجميد هذه الاحتياطات إضافة إلى عزل المؤسسات المالية الروسية عن نظام "سويفت" الذي يسمح للبنوك بالتعامل مع بعضها بلغ حد الركب المالي من دون سابق إنذار، وبينما استغرق الأمر لحظة تاريخية من الوحدة والإرادة من قبل الحكومات في مختلف أنحاء العالم، لم يكن من الصعب القيام بذلك بشكل خاص، فذات يوم كان لدى روسيا 630 مليار دولار من الأوراق المالية والودائع لدى البنوك الأجنبية والسمسرة، وفي اليوم التالي لم تكن تمتلكها، كما انهار الـ "روبل" بمقدار الربع.
العملات المشفرة محصنة ضد تدخل الدول
كان هذا نوعاً من الأحداث الدرامية التي حذر عشاق العملات المشفرة منها لسنوات، وتم تصميم "بيتكوين" عام 2008 على أنها "نظام نقدي إلكتروني من نظير إلى نظير" بلا حدود، وبدلاً من الاعتماد على الوسطاء الماليين لمعالجة المعاملات فإنها تستخدم بدلاً من ذلك دفتر أستاذ لامركزي موجود على آلاف أجهزة الكمبيوتر حول العالم، ويتم تشغيلها بواسطة رمز لا يتحكم فيه أي شخص أو دولة أو كيان واحد، كما أن عامل الجذب الأساس هو أنها محصنة ضد تدخل الدولة، والحقيقة هي أن العملة المشفرة، سواء كانت "بيتكوين" أو واحدة من آلاف العملات الأخرى التي تم إنشاؤها بعد ذلك، يتم الوصول إليها في الغالب من خلال منصات مثل "كوين بيز" و "بينناس" و "كراكين"، وهذه الشركات مثل أي شركة أخرى تخضع للوائح وغرامات وضغوط سياسية.
في الواقع وكجزء من حملة القمع ضد احتجاجات سائقي الشاحنات "قافلة الحرية" الأخيرة في كندا، أصدرت السلطات الشهر الماضي قائمة سوداء تضم 34 محفظة تشفير، وهي غالباً عناوين مجهولة على الإنترنت يستخدمها الأفراد للاحتفاظ بالعملات المشفرة والتعامل معها، ولم يحظر الأمر معاملات "بيتكوين" في حد ذاتها، ولكنه حظر بدلاً من ذلك المؤسسات المالية المنظمة من التعامل مع تلك العناوين لأنها سعت إلى تحويل العملات المشفرة إلى نقود لتمويل الاحتجاجات، وبالمثل تعهدت بورصات العملات الرقمية الكبرى باتباع أوامر العقوبات ضد السياسيين ورجال الأعمال الروس، وحاول فيدوروف الأوكراني الذهاب إلى أبعد من ذلك وطالب الأسبوع الماضي بتجميد حسابات جميع الروس.
وقال مؤسس شركة "كراكين" جيسي باول إنه لا يستطيع التصرف "من دون شرط قانوني". وأضاف، "مهمتنا تخدم بشكل أفضل من خلال التركيز على الحاجات الفردية فوق حاجات أي حكومة أو فصيل سياسي".
كما رفض مؤسس "بينناس" تشانغبينغ تشو حظراً شاملاً، وقال لـ "بي بي سي" إن القيام بذلك من شأنه أن يطير بـ "جوهر العملات المشفرة".
وبالنسبة إلى الروس العاديين يمكن أن يؤدي تحويل الـ "روبل" لعملات رقمية إلى حماية مدخراتهم من انخفاض العملة، ومع اقتراب بوتين من الحرب في فبراير وصلت مشتريات "بيتكوين" المقومة بالـ "روبل" إلى أعلى مستوى لها خلال تسعة أشهر.
ارتفاع أسعار "بيتكوين" و"إثيريوم"
ارتفعت أسعار "بيتكوين" و"إيثريوم" بنسبة 10 في المئة وأربعة في المئة على التوالي منذ بدء الحرب، ومع ذلك فمن المرجح أن يتصاعد الضغط على الصناعة والبورصات بخاصة.
وشجبت وزير الخارجية الأميركية السابق هيلاري كلينتون عدم رغبة القطاع في استبعاد روسيا بالكامل "بسبب فلسفة الليبرتارية (يطلق عليها أيضاً فلسفة الحرية) أو أي شيء آخر"، فعادة ما تتطلب التبادلات الأكبر حجماً من الأشخاص التعريف بأنفسهم عند إنشاء حساب، مما يسهل على الشركات الامتثال لأوامر العقوبات، لكن البعض يسمح بحسابات مجهولة تماماً بالعمل مما يفتح الطريق أمام غسل الأموال والتهرب من العقوبات.
أوكرانيا صديقة العملات المشفرة
في غضون ذلك يقوم الأوكرانيون بتمويل جماعي دعماً للمقاومة، وساعدهم أن هذه واحدة من أكثر الدول الصديقة للعملات المشفرة في العالم، وحتى قبل الحرب عالجت معاملات بالعملات المشفرة كل يوم أكثر من تلك التي كانت بعملتها الخاصة "هريفنا"، وقبلت العديد من الشركات العملات الرقمية وسيلة للدفع، وأصبح هذا أمراً بالغ الأهمية وسط الانهيار الناجم عن الحرب لنظامها المالي الذي أدى إلى إغلاق البنوك ونفاد أموال الآلات النقدية.
العملة المشفرة ليست الدواء الشافي لكنها تمر بلحظة تفي فيها بوعدها وتفي بمخاوفها، يا له من شيء رائع وفظيع في آن.