على الأقل إلى الآن هذه أول حرب تأثيرها المالي والاقتصادي أكبر من تأثيرها المادي بمعنى أعداد القتلى والتدمير في أوكرانيا على الرغم من الضرر الواضح على الأوكرانيين، ولكن الموضوع دائما نسبي. الأهمية نبعت من مصدرين الأول أن روسيا مصدر مؤثر للطاقة الهيدروكربونية والمعادن ومع أوكرانيا مصدر لنحو 30 في المائة من القمح. كذلك جاءت الحرب والحظر على خلفية حالة تضخمية ما ضاعف التأثير، وثمة تعقيد آخر أن البنوك المركزية الكبيرة بدأت في اتخاذ إجراءات نقدية للعودة إلى نسب فائدة طبيعية وللحد من التضخم كما حدث الأسبوع الماضي. هزة عالمية لا بد أن يمتد تأثيرها إلى الجميع بدرجات مختلفة. لن نستطيع التعامل مع كل الدول في عمود واحد، ولكن بعضها يدل على حجم التعقيد لأن هناك تأثيرات أولية وثانوية. لن نتحدث عن روسيا وأوكرانيا لأن التأثير عسكري وسياسي قبل أن يكون اقتصاديا.
ربما تكون تركيا أكبر المتضررين لأن أنماط العلاقات التجارية مباشرة بحكم طبيعة الاقتصاد والجغرافيا خاصة أن تركيا تعاني تضخما يصل إلى 40 في المائة عبر عنه انخفاض حاد في الليرة على مدى عدة أعوام وحالة من عدم اليقين في الإدارة الاقتصادية. أحد أهم العناصر اعتماد تركيا على مصادر الطاقة المستوردة التي ارتفعت في وقت تعاني تركيا نقصا في رصيد العملات الأجنبية. كذلك هناك علاقات تجارية في تصدير تركيا إلى روسيا وأوكرانيا بينما قدراتهم على الدفع ضعفت بقوة. التأثير الثانوي أن تركيا تعتمد على السياح من روسيا وأوكرانيا. لذلك يتعرض الاقتصاد التركي لهزة مؤثرة قد تكون الأسوأ منذ عقود.
يأتي ربما بعد تركيا دول المنطقة العربية خاصة تلك المستوردة للحبوب وبعض أنواع الوقود مثل لبنان والعراق ومصر واليمن وسورية ودول المغرب العربي وكثير من الدول الإفريقية بدرجات مختلفة حسب ميزان المدفوعات التجاري والملاءة المالية.
قد تستفيد إيران نسبيا لأن قدرتها على تصدير الغاز محدودة وتعتمد على التصدير لتركيا والعراق خاصة أن العراق يحاول تقليل الاعتماد على الغاز الإيراني.
التأثير في مصر يأتي أيضا بسبب السياحة التي تأتي من روسيا وأوكرانيا، ولكن أكبر تأثير يأتي لكون مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم.
استفادة دول الخليج من أسعار ارتفاع النفط والغاز واضحة، ولكن ليست الاستفادة كاملة، إذ إن هذه الدول مستوردة للغذاء بدرجة كبيرة ومؤشرات أسعار الغذاء العالمي ارتفعت بشكل كبير أخيرا.
التضخم مؤثر اقتصاديا، ولكن أيضا سياسيا في الدول الغربية خاصة في ظل الدورات الانتخابية القريبة وبالتالي محاولة كبح التضخم بالاستمرار في رفع نسب الفوائد ما يرفع خطر الركود.
التأثير في البلدان المختلفة سيعتمد على عدة عوامل منها ميزان المدفوعات التجاري في الوقود والطعام حتى السياحة ونمط علاقتها بروسيا وأوكرانيا، فمثلا هناك تجار حروب سيكونون أعظم المستفيدين مباشرة، ولكن هؤلاء في الأغلب أفراد وأحيانا شركات. بسبب حجم التحدي ومستوى العولمة هناك تأثيرات تطول كل الدول، عمق التأثير سيعتمد على حجمها وعمق اقتصادها ودرجة تنوعه والترابط فيه والمرونة في إدارته. لا أحد يعرف متى تتوقف الحرب خاصة على روسيا من مدى استمرار العقوبات كما سبق أن حذر كينز من الأذى الذي لحق الاقتصاد الألماني بعد الحرب العالمية الأولى لذلك تأثيراتها الاقتصادية في الأغلب تستمر حتى بعد توقف المدافع، ولذلك سيختلف التمركز والأداء بين الدول بسبب اختلاف نقاط البداية والمرونة وتنوع أنماط العلاقات الاقتصادية والمالية.