ضمن التطورات التي تشهدها الحرب الروسية - الأوكرانية، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فاجأ الغرب بأن روسيا لن تبيع البترول والغاز إلى الدول غير الصديقة إلا بالروبل الروسي، أي أن روسيا لن تقبل الدولار ولا اليورو في معاملاتها التجارية والمالية، وأكد بوتين أنه سينتقم من الغرب وكل المتحالفين معه، وذلك ردا على حزم العقوبات الاقتصادية التي اتخذتها الدول غير الصديقة ضد الاقتصاد الروسي.
وكانت وكالة الإعلام الروسية قد نقلت عن وزارة الخارجية تحذيرها من حالات إفلاس عالمية إذا رفضت الدول دفع ثمن صادرات الغاز الروسية بالروبل، وقالت الوزارة أيضا إن خروج روسيا من منظمة التجارة العالمية ستكون له تداعيات سلبية، وذكر الكرملين أن بوتين أمر شركة غازبروم بقبول الدفع بالروبل مقابل صادراتها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وأن أمام شركة الغاز العملاقة أربعة أيام لتحديد كيفية القيام بذلك.
وألمح بوتين إلى أن العقوبات الاقتصادية ضد بلاده التي فرضتها دول غربية على موسكو بسبب التدخل العسكري في أوكرانيا أدت إلى شل جزء من النظام المصرفي الروسي، وتسببت في انهيار حاد في قيمة الروبل إزاء العملات الأجنبية الأخرى، ما أدى إلى انخفاض قيمة العملة المحلية إلى 177 روبلا للدولار الواحد، وإضافة إلى ذلك تسببت أيضا في تجميد ما يصل إلى 300 مليار دولار من الاحتياطيات الروسية بالعملات الصعبة في الخارج.
ويعترف الجانب الروسي بأن روسيا لم تشهد في تاريخها المعاصر عقوبات اقتصادية من هذا النوع، حيث إنه تم تجميد أصول البنك المركزي ما حد من قدرته على الوصول إلى 630 مليار دولار من احتياطياته، الأكثر من هذا أن بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حذرت المواطنين والشركات لديها من إجراء أي تعاملات مالية مع البنك المركزي أو وزارة المالية أو صندوق الثروة السيادي الروسي، ثم عزلت البنوك الروسية عن نظام سويفت، ما أعاق قدرة موسكو على الحصول على عائدات بيع نفطها وغازها.
ومن يراقب مسار العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا للوهلة الأولى يراهن على أنها عقوبات تسقط أكبر دولة، وأنها كفيلة بردع طموحات الرئيس فلاديمير بوتين في حربه ضد أوكرانيا، وعلى الرغم من ذلك، فإن الحرب تأخذ طابعا تصاعديا، وستتبعها بالطبع قرارات اقتصادية ومالية معوقة لحركة الاقتصاد الوطني في كل من روسيا ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ثم تمتد إلى سائر أنحاء الاقتصاد الدولي الذي بدأ يشكو من استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية. ولقد نشرت وكالة "بلومبيرج" تقريرا جاء فيه: إن قيمة صادرات خطوط الأنابيب إلى الدول غير الصديقة في كانون الثاني (يناير) من هذا العام بلغت نحو 7،4 مليار متر مكعب، أي نحو ستة مليارات دولار، في حين بلغ إجمالي صادرات الغاز نحو 13،8 مليار متر مكعب بقيمة 9،5 مليار دولار.
ولذلك عدت وكالة "بلومبيرج" الأمريكية أن تأثير بيع البترول والغاز الروسيين بالروبل في الاقتصاد الروسي سيكون محدودا، لأن شركة غازبروم ملزمة ببيع 80 في المائة من إيصالاتها من العملات الأجنبية مقابل الروبل في السوق المحلية، وحتى إذا كان المشتري على استعداد للدفع بالروبل، فقد يكون ذلك صعبا للغاية نظرا للعقوبات المفروضة على عدد من البنوك الروسية.
إن خطة بوتين الرامية إلى حماية عملة بلاده (الروبل) لا تتوقف على تصدير النفط والغاز بالروبل إلى الدول غير الصديقة فحسب، بل من المتوقع أن تعلن الصين (التي لم تخف وقوفها مع روسيا في حربها مع أوكرانيا) أن تعاملاتها التجارية مع العالم ستكون بعملتها الوطنية وليس بالدولار الأمريكي.
وصحيح أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على النفط والغاز الروسيين بيد أن الولايات المتحدة هي أصغر المستفيدين من الغاز الروسي، حيث إنها تتعامل بـ 13 ألف برميل تستوردها يوميا من روسيا، بينما الاتحاد الأوروبي هو الذي يتلقى الصفعات، وتحاول البلدان الصديقة للاتحاد الأوروبي مساعدته للتخفيف من أوار الأزمة، لكن الموضوع أكبر من أن يعالج بالعواطف والرغبات، لأن تداعيات البيع بالروبل كبيرة ولا يستطيع الاتحاد الأوروبي تحملها، ذلك لأن دول الاتحاد الأوروبي دول صناعية وتعتمد كثيرا على الغاز الروسي، ولذلك قد تأتينا أخبار مفادها انهيار اليورو إذا فشلت كل محاولات الاتحاد الأوروبي في العثور عن حلول تمنع وقوع الكارثة المنتظرة.
وأزعم أن الاتحاد الأوروبي يبحث حاليا عن حلول لحل أزمة الغاز الروسي التي يواجهها منفردا، ولا سيما أن أسعار الغاز في الأسواق الأوروبية ارتفعت إلى أكثر من 200 في المائة، ما وضع الحكومات الأوروبية تحت ضغط الشعوب التي بدأت تتحرك وتضغط على الحكومات للبحث عن إجراءات مقبولة لحل هذه الأزمة التي وصلت إلى أقصى مدى ممكن أن تتحمله شعوب أوروبا.
إن خطة بوتين هي محاولة لدعم الروبل من خلال إجبار مشتري الغاز على شراء العملة الروسية التي هبطت 40 في المائة، وحان الوقت للتحرك لإنقاذها من الهبوط لمستويات أكثر وأكثر.
وتقول المالية الروسية، إن خطة بوتين الرامية إلى إنقاذ الروبل حققت كثيرا من النجاح، حيث إنها استعادت كثيرا من قيمته، كذلك ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، وبلغت نحو 132 يورو لكل ميجاواط/ساعة فاقت الـ 30 في المائة.
*نقلا عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.