كشف أحدث المعطيات الإحصائية الصادرة عن وزارة المالية التونسية عن مستوى التداين العام في البلاد، الذي بلغ مستويات اعتبرها المتخصصون مخيفة، وأن البلاد دخلت مرحلة التداين الجنوني، ما سيزيد من تعقيد الأوضاع المالية.
وتمر تونس منذ بضع سنوات، خصوصاً خلال عامي 2020 و2021، بأزمة مالية خانقة زادت شدتها بتداعيات أزمة كورونا، فضلاً عن تعكر الأوضاع السياسة التي غذت تعقد المسائل الاقتصادية، وما نجم عنها من صعوبة الوصول إلى مصادر التمويل الدولية لتغطية عجز الموازنة إثر تعطل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بينما تأمل تونس أن يتم الوصول في أسرع وقت ممكن إلى اتفاق مع الصندوق منتصف الربع الثاني من العام الحالي لتدارك أمورها المالية المتدهورة.
زيادة لافتة في الديون
بلغ إجمالي الدين العمومي لتونس مع نهاية العام الماضي ما قيمته 107.8 مليار دينار (37 مليار دولار)، ما يمثل 85.5 في المئة من الناتج الداخلي الخام، بحسب ما أفصحت وزارة المالية. وارتفع قائم الدين العمومي بما يقارب 16 في المئة مقارنة بـ2020، وبنحو 30 في المئة مقارنة بعام 2019 البالغ 83.3 مليار دينار (28.7 مليار دولار)، ما يعادل 68 في المئة من الناتج الداخلي. ووصل حجم الدين الخارجي إلى 67.7 مليار دينار (23.3 مليار دولار) بنسبة 62.8 في المئة من إجمالي قائم الدين، ويتكون بنسبة 100 في المئة من ديون متوسطة وطويلة الأجل، تتمثل نسبة كبيرة منها في القروض، وبشكل أكثر تحديداً ديون متعددة الأطراف تبلغ 36 مليار دينار (12.4 مليار دولار) وديون ثنائية تبلغ 13.8 مليار دينار (4.7 مليار دولار).
ويمثل الدين الداخلي 37 في المئة من إجمالي ديون تونس، ويتكون من 96 في المئة من دين متوسط وطويل الأجل. وتتوزع هذه الديون على رقاع الخزينة بـ19.7 مليار دينار (6.7 مليار دولار) وإيداعات بالخزينة العامة للبلاد التونسية بقيمة 10.9 مليار دينار (3.7 مليار دولار) وقروض بـ7.7 مليار دينار (2.6 مليار دولار)، ومنها قروض بالعملة الأجنبية تقدر قيمتها نحو 4.7 مليار دينار (1.6 مليار دولار). وأكدت وزارة المالية التونسية أن الديون التي حصلت عليها تونس بالعملات الأجنبية تمثل 64.5 في المئة (منها 55 في المئة باليورو)، من إجمالي ديون البلاد في 2021، مقابل 69.6 في 2020 ونسبة 72.3 في المئة خلال 2019.
تعمق خدمة الدين
ومن جانب آخر بلغت خدمة الدين في تونس 14.8 مليار دينار (5.1 مليار دولار) مع نهاية 2021، ما يمثل 11.3 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وفق المصدر ذاته. وبالمقارنة مع السنتين الماضيتين، زادت خدمة الدين بنسبة 33 في المئة مقارنة بأرقام 2020 وبنسبة 54 في المئة مقارنة بعام 2019.
تجدر الإشارة إلى أن نسبة خدمة الدين بالنسبة للناتج الداخلي الخام، ارتفعت من 5.1 في المئة خلال 2015، إلى 6.8 في المئة خلال 2017 ومن 7.8 في المئة 2019 لتصل إلى 11.3 في المئة في 2021.
وبلغ أصل الدين زهاء 11.1 مليار دينار (3.8 مليار دولار) خلال 2021، منها الدين الخارجي الذي ارتفع إلى 6.1 مليار دينار (2.1 مليار دولار) بنسبة 55.6 في المئة، ويتكون من قروض متعاقد عليها من السوق المالية العالمية بقيمة 3.4 مليار دينار (1.1 مليار دولار) وقروض من المؤسسات المالية متعددة الأطراف بنحو 1.6 مليار دينار (0.5 مليار دولار) وقروض التعاون الثنائي بمليار دينار (0.3 مليار دولار). وبلغ أصل الدين الداخلي نحو 4.9 مليار دينار (1.6 مليار دولار)، ويتكون، بشكل رئيس، من رقاع الخزينة لأجل 52 أسبوعاً بنحو 2.4 مليار دينار (0.8 مليار دولار) ورقاع الخزينة القابلة للتنظير بـ1.5 مليار دينار (0.5 مليار دولار).
وفيما يتعلق بفوائد الديون، فقد بلغت قرابة 3.7 مليار دينار (1.2 مليار دولار) في 2021، بانخفاض طفيف نسبته 1.1 في المئة، مقارنة بعام 2020. وزادت الفوائد على الدين الداخلي خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت من 1.6 مليار دينار (0.5 مليار دولار) في 2019 إلى أكثر من 2.1 مليار دينار (0.7 مليار دولار) في 2020 و2021.
الدخول في مرحلة التداين الجنوني
وفي تحليله لمجمل الأرقام حول قائم الدين في تونس قال المتخصص المالي عز الدين سعيدان، "إن هذه المؤشرات تؤكد الأوضاع المالية الصعبة التي تعيشها تونس"، موضحاً، "أن الدين العمومي زاد بين 2020 و2021 بنسبة 16 في المئة".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، "أن ارتفاع قائم الدين العمومي لم يأخذ في الاعتبار ديون الشركات الحكومية ومزودي الدولة وديون الشركات الحكومية التي تلقت ضماناً من الدولة"، لافتاً إلى "أن مجمل ديون هذه المؤسسات يناهز 16 مليار دينار (أي 5.5 مليار دولار)".
وبحسب سعيدان، "فإن تونس دخلت مرحلة التداين الجنوني، الأمر الذي أدى إلى إعادة مراجعة تصنيفها السيادي من طرف مختلف وكالات التصنيف العالمية في 9 مناسبات متتالية لتصل أخيراً إلى مستوى (C C C)". واعتبر أن الحط من تصنيف تونس في ترقيمها الائتماني يعكس عدم قدرتها على خلاص ديونها الخارجية، وأن مجموع الديون الداخلية والخارجية أضحت غير قابلة على التحمل.
إعلان الطوارئ الاقتصادية
وعما إذا كانت تونس تسير على خطى الوضعية المالية لبنان، أوضح سعيدان، "أن لكل بلد خصوصياته وظروفه الداخلية وتركيبة ديونه"، داعياً إلى أن "وجوب اعتماد خطة إنقاذ وطنية للاقتصاد التونسي".
ومن موقعه كمتخصص في الشؤون المالية تقدم سعيدان بثلاثة مقترحات يراها عاجلة ولا تحتمل الانتظار "أولها مضاعفة الجهود في إطار توافق وطني لبلوغ اتفاق في أقرب وقت ممكن مع صندوق النقد الدولي". ولفت في هذا الإطار إلى "أنه في حال الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي فإن المبلغ المراد الحصول عليه وهو 4 مليارات دولار لن يكون كافياً لتمويل الاحتياجات المالية لتونس".
ويتمثل المقترح الثاني في "وجوب إعلان حالة الطوارئ الاقتصادية والمالية في تونس، وتتضمن وفق رأيه، تحجير تعطيل آلة الإنتاج في إشارة إلى منع الاعتصامات والإضرابات في مواقع الإنتاج الاستراتيجية على غرار مواقع إنتاج الفوسفات والبترول. وتتضمن حالة الطوارئ الاقتصادية أيضاً اتخاذ الإجراءات والقرارات ذات الصبغة المالية بكل سرعة من خلال تقليص نظيرتها الإدارية المقيتة".
أما المقترح الثالث فيتمثل في "تكوين خلية أزمة يرأسها رئيس الجمهورية، وتتكون من عدد من المتخصصين تساعده على اتخاذ القرارات الاقتصادية الضرورية". وفي علاقة بتدهور الأوضاع المالية لتونس كشف سعيدان عن "أن التقرير الأخير لهيئة الخزانة العامة الفرنسية أشار إلى أن الحرب الروسية - الأوكرانية قد تؤدي إلى انفجار المالية العمومية التونسية نظراً لتداعياتها على عديد المستويات، وفي مقدمتها توريد المواد الغذائية، بخاصة ارتفاع نسب التضخم المقلقة على الصعيدين العالمي والتونسي".