على الرغم من مرور 6 أعوام على إطلاق الحكومة المصرية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، لكن حتى الآن مازالت الأزمات تحاصر المصريين، سواء في ما يتعلق بالموجات المستمرة من ارتفاعات أسعار السلع والخدمات، أو معدلات التضخم التي واصلت الارتفاع لتسجل أعلى مستوى في سنوات خلال شهر مارس (آذار) الماضي.
البرنامج الإصلاحي، الذي أطلقته الحكومة المصرية في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2016، بدأ بتحرير جزئي للعملة المصرية مقابل الدولار، مع إعادة هيكلة برامج الدعم بشكل كامل لتنخفض حصة الحكومة في فاتورة الدعم، سواء في ما يتعلق بالطاقة والمحروقات أو السلع المدعومة.
لكن حتى الآن، مازال المصريون يشعرون بمزيد من الألم مع كل زيادة جديدة تعلنها الأجهزة الرسمية في ما يتعلق بالتضخم، حيث تشير بيانات الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن تضخم أسعار المستهلكين في المدن ارتفع إلى 10.5 في المئة خلال شهر مارس الماضي على أساس سنوي من 8.8 في المئة خلال شهر فبراير (شباط) الماضي.
رفع الفائدة وخفض قيمة الجنيه
لمحاربة التضخم المرتفع، وخلال اجتماع استثنائي، رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بنسبة 1 في المئة يوم 21 مارس الماضي.
ويرى محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، أن التضخم المستورد من الخارج هو سبب قرار رفع أسعار الفائدة. وأشار وفق بيان حديث للبنك المركزي المصري، إلى أن هدف إصدار شهادات بفائدة 18 في المئة هو جذب السيولة من السوق وجزء من خطة السيطرة على التضخم.
وأكد عامر، على ضرورة الحفاظ على استثمارات الأجانب كمصدر للعملة الأجنبية، مضيفاً أن البنوك المصرية قوية ومستمرة في تمويل أوجه التنمية كافة في البلاد.
وبالفعل، نجحت الشهادة ذات العائد المرتفع، التي أعلن عنها البنك المركزي المصري وطرحت من خلال بنوك الحكومة، في امتصاص جزء كبير من السيولة، حيث جمعت الشهادة نحو 543 مليار جنيه (29.5 مليار دولار) خلال أقل من شهر من طرحها في بنوك الأهلي المصري وبنك مصر.
بموازاة ذلك، قرر البنك المركزي المصري خفضاً جديداً لقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، ليصعد سعر الصرف على خلفية القرار من مستوى 15.64 جنيه إلى نحو 18.4 جنيه في التداولات الأخيرة.
ويرى مراقبون، أن قرار إصدار الشهادة ذات العائد المرتفع من شأنه أن يمتص جزءاً كبيراً من السيولة المتاحة في السوق المصرية، وهذه السيولة تتسبب مع عوامل خارجية في استمرار معدلات التضخم في الارتفاع. لكن الارتفاع المستمر في أسعار النفط زاد من الضغوط المالية التي تواجهها الحكومة المصرية.
ارتفاع جديد بأسعار المحروقات
بخلاف التضخم المرتفع في السوق المصرية بالفعل، فربما تشهد الأسعار موجات جديدة من الارتفاعات خلال الفترة المقبلة، خصوصاً بعد قرار تحريك أسعار الوقود. حيث قررت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، في اجتماعها المنعقد عقب انتهاء شهر مارس الماضي، رفع الأسعار الحالية للبنزين بأنواعه بـ 25 قرشاً، وتثبيت سعر السولار، وذلك حتى نهاية شهر يونيو (حزيران) المقبل.
وأوضحت اللجنة، أنه اعتباراً من الساعة التاسعة صباح الجمعة، تصبح الأسعار 7.5 جنيه (0.4 دولار) للتر البنزين 80، و8.75 جنيه (0.47 دولار) للتر البنزين 92، و9.75 جنيه (0.52 دولار) للتر البنزين 95، وتثبيت سعر بيع السولار عند 6.75 جنيه (0.36 دولار) للتر الواحد.
كما قررت اللجنة زيادة سعر طن المازوت المورد لباقي الصناعات 400 جنيه (21.7 دولار) ليصل سعر طن المازوت إلى 4600 جنيه (250 دولار) وثبات أسعار المازوت المورد للصناعات الغذائية والكهرباء.
وشهدت أسعار البترول العالمية تحركات حادة ومفاجئة عقب الأزمة الأوكرانية، ويتراوح سعر البرميل بين 110 و117 دولاراً. وكانت وزارة المالية في الحكومة المصرية قد حددت سعر برميل البترول في موازنة العام المالي الحالي 2021- 2022 عند 61 دولاراً، مقابل 68 دولاراً في الموازنة السابقة.
وتعتمد لجنة تسعير الوقود، التي تضم ممثلين لوزارتي البترول والمالية، في قرارها على قياس مستوى الأسعار العالمية للبترول، وأسعار الصرف وتكاليف النقل والتشغيل والإنتاج، وتجتمع بشكل ربع سنوي لمراجعة أسعار الوقود، وتحريكها ارتفاعاً أو انخفاضاً بنسبة 10 في المئة أو تثبيتها.
الاحتياطي يواصل التراجع
ربما أضافت الحرب الروسية كثيراً من الأزمات إلى المالية المصرية، وهو ما يكشفه احتياطي النقد الذي شهد تراجعاً كبيراً خلال الأيام الماضية، ووفق البيانات التي أعلنها المركزي المصري، فقد تراجعت احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي لتسجل نحو 37.082 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، مقابل نحو 40.99 مليار دولار في نهاية فبراير الماضي، بواقع 3.909 مليار دولار.
وقال البنك المركزي، في بيان، إنه استخدم جزءاً من أرصدة الاحتياطي الأجنبي لتغطية احتياجات السوق المصرية من النقد الأجنبي، وتغطية تخارج استثمارات الأجانب والمحافظ الدولية واستيراد السلع الاستراتيجية، إلى جانب سداد الالتزامات الخاصة بالمديونية الخارجية. وأشار إلى أن الاحتياطي المتاح في الوقت الحالي مازال يغطي أكثر من 5 أشهر من الواردات السلعية.
ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية أعلنت في 30 مارس الماضي، إيداع 5 مليارات دولار في البنك المركزي المصري. وأكد البنك المركزي، أنه سيستمر في متابعة وتقييم الأوضاع العالمية عن كثب لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة أيه تداعيات تطرأ مستقبلاً.
وبسبب الأزمات، سواء الداخلية أو الخارجية، خفضت الحكومة المصرية توقعاتها لمعدلات النمو خلال العامين الماليين الجاري والمقبل مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الغربية على روسيا وآثارها على الاقتصاد العالمي.
وقالت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، إنها تتوقع أن يسجل الاقتصاد المصري معدل نمو خلال العام المالي 2021-2022 بنسبة 5.7 في المئة، مقارنة مع توقعات سابقة عند 6.4 في المئة، وذلك بسبب تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وتأثيراتها على التضخم والنمو عالمياً.
وكشفت أنه من المخطط أن يبلغ معدل نمو الاقتصاد الحقيقي 5.5 في المئة خلال العام المالي 2022-2023، وهو معدل يقل عن النسبة المتوقعة قبل الأزمة الروسية الأوكرانية، الذي كان مقدراً عند 5.7 في المئة.
وكان الاقتصاد المصري قد سجل نمواً بنسبة 9 في المئة خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية 2021-2022، مقابل 1.35 في المئة خلال الفترة نفسها من العام المالي السابق، بحسب ما قالت الوزيرة الشهر الماضي، قبل الحرب الروسية بيومين، وهو ما دفعها لرفع التوقعات لنمو الاقتصاد هذا العام قبل أن ينخفض مجدداً بسبب تداعيات الحرب.