لا تجد شركةً إلا وتقول إنّها تكافح المُداهنين. ولا تجد قائداً إلا وتراه يعلن بغضهم. لكن إذا كنّا جميعاً نمقت المداهنة إلى أقصى درجة فكيف يستمرّ كل ما نراه من تملّق ومحاباة؟
يستشري التعامل بالمُداهنة والمحاباة لأنّ معظمنا نحن البشر يميل بطبيعته إلى إيجاد بيئة تعلّم الناس أن يداهنوا له. وبينما نلاحظ بسهولةٍ ودقة قيام الآخرين بذلك فإنّ ملاحظة أنفسنا عندما نرتكب السلوك نفسه صعبة جداً.
وهكذا فإنّك قد تقول في نفسك الآن “إن غولدسميث قد أحسن الكلام هنا، وأنا أيضاً أرى كثيراً من الناس يتعاملون بالمداهنة والمحاباة، وأشمئزَ من ذلك فعلاً!”
من أجل استكشاف ميلنا البشريّ العميق لتشجيع المُداهنين، فإنني أطرح هذا السؤال دوماً على المديرين المشاركين في دورات التثقيف القيادي: من منكم لديه حيوان منزلي مدلّل؟
وعندئذٍ تجدُ الابتسامات العريضة على محيّا الجميع تقريباً تسارع إلى الإجابة قبل الأيدي الكثيرة المرتفعة. ثم ترى أصحاب الحيوانات المنزلية يبتهجون وهم يخبرونني بأسماء حيواناتهم المدلّلة المخلصة. وبعد ذلك نتابع إلى ما يشبه مسابقة صغيرة، فأسألهم:
في منزلكم من تراه يتلقّى القدر الأكبر من التشجيع المُطلق دون حدود unqualified positive recognition:
أ- الزوج أو الزوجة؟ ب- أم الأطفال؟ ج- أم حيوانكم الأليف؟
وفي ثمانين بالمئة من الأحوال تجد الحيوان الأليف يفوز بنسبة الإجابات الأكبر.
بعدئذٍ أسأل أولئك المديرين أنفسهم: أحقاً يوجد بيننا من يحب حيوانه المدلل أكثر من أحد أفراد أسرته؟
وبعد ضحكاتهم المتعجّبة وهم يقولون لا بالتأكيد! نتابع البحث:
لماذا إذاً ينال الحيوان المنزليّ القدر الأكبر من التشجيع والدلال غير المشروط؟
وتأتي إجاباتهم هنا متشابهة دوماً:
– لأن الحيوان المدلّل لا يردّ علينا الكلام.
– لأنني كلما عدت إلى المنزل أجد كلبي مسروراً باستقبالي.
– حتّى لوعدت إلى البيت متأخراً جداً (أو في حالةٍ مزرية) فإن كلبي لا يبالي بذلك.
– يمنحني حيواني المنزليّ حبّاً غير مشروط، بغض النظر عمّا أفعل.
أجل يا سادة، بكلماتٍ أخرى: حيواننا المنزليّ مُداهنٌ ماهر.
إذا لم نحترس كما ينبغي فلا أسهل من أن نجد أنفسنا نعامل الناس كما نعامل حيواناتنا المنزلية. إن “عقلنا الباطن” يجعلنا نحن البشر ندلّل ونشجّع من يدلّلنا ويشجّعنا.
وأفضل طريقة لإيقاف هذا السلوك هي تفهّم أنّنا جميعاً نميل إلى الانزلاق في هذه المصيدة وكلما ارتفع أحدنا في سلم المناصب كانت المصيدة أكبر.
إنني أرشد المديرين المتدرّبين معي إلى دراسة وتصنيف العاملين تحت إدارتهم بأربع طرق:
1- كم يحبونني؟
طبعاً لا يمكنك التأكد من حقيقة المحبّة لكنّ المهم في الأمر هنا هو ما تراه وتشعر به.
من تعرفُ أنّهم مداهنون ليسوا سوى مبتدئين يتعثّرون، وأمّا المداهنون العظام فإنّك تراهم كأصدق الأصدقاء.
2- كم يشبهونني؟
وهناك قادة لا يدلّلون من يحبّونهم بل يدلّلون من يذكّرونهم بأنفسهم. فلو كان القائد المعنيّ مهندساً فقد نتعرّف على هذه السمة لديه بقوله عن أحدهم “أجل قد يكون صعب المعاملة ولكنّه مهندس” وكأن بقيّة الناس من غير المهندسين ليس لديهم أدمغة.
3- ماذا يقدّمون لشركتنا ولزبائننا؟
4- كم من التقدير والتشجيع الشخصي أقدّم لهم؟
إن ابتغينا الصدق مع أنفسنا، فسنجدُ في عددٍ كبيرٍ من الحالات لا يخطر على بالنا أنّ التقدير يتناسب مع المعيارين 1 و2 (كم أرى أنهم يحبونني، ويشبهونني) أكثر بكثير من المعيار 3 (ماذا يقدّمون للشركة) وقد نجد أننا نقع – دون تعمّد- في الخطيئة التي نمقتُ وقوع الآخرين فيها: المداهنة ومحاباة المتملّقين.
نفّذ هذا الاستكشاف والتصنيف لنفسك، وبعد مراجعةٍ عميقة ابدأ بمراقبة سلوكك.
احرص على أن يكون تقديرك للناس مبنياً على عملهم لإنجاز ما يفيد الشركة وليس لجعلك ترضى وتفرح بنفسك.