تتواصل التساؤلات والتكهنات في الأوساط الاقتصادية والشارع المصري بشأن مستقبل الجنيه أمام العملات الأجنبية، ووضع الفائدة مع استمرار زيادة معدلات التضخم بوتيرة أكبر من المتوقع، وارتفاع الأسعار عاليا.
وتزداد مخاوف المصريين يوما تلو الآخر مع توالي التقارير الاقتصادية والمذكرات البحثية بشأن مستقبل الجنيه في ظل عدم وجود سقف لوقف التدهور في قيمة العملة واستمرار موجة الغلاء لجميع المواد والسلع منذ التعويم في 2016.
وقرر البنك المركزي الأسبوع الماضي رفع معدلات الفائدة 2% دفعة واحدة بعد زيادتها في مارس/آذار الماضي بمعدل 1% في محاولة لكبح التضخم الذي بلغ 13.1% في أبريل/نيسان 2022، مسجلا أعلى معدل له منذ 3 سنوات، ومن أجل جذب المستثمرين الأجانب إلى سوق الدين المحلية.
وإذا كان بعض المحللين المحليين والأجانب توقعوا أن يمر الجنيه بمرحلة استقرار نسبي في الأيام المقبلة مع حدوث تحسن في تدفقات النقد الأجنبي، ففي المقابل تتوقع وحدة أبحاث "الإيكونوميست" أن يستمر سعر الجنيه في التراجع أمام الدولار خلال الأربع سنوات المقبلة، أي حتى عام 2026 ليلامس 20 جنيها للدولار رسميا.
يقول الخبير المصرفي في الولايات المتحدة شريف عثمان إن "البنك المركزي لم يترك الجنيه للعرض والطلب (آليات السوق) وهو من يقوم بتحديد سعر صرف الجنيه، وهو من يسمح بخفض قيمة الجنيه إذا ارتأى ذلك، ولكنّ هناك ضغوطا من صندوق النقد الدولي للحد من تدخل المركزي في مساندة الجنيه".
وأشار للجزيرة نت إلى أن قيمة الجنيه مرتبطة بالعجز في الحساب الجاري، وهو عجز مزمن يصل إلى أكثر من 15 مليار دولار في السنة، ومن ثم سوف تنخفض قيمة الجنيه، ولكن سوف تصبح هناك مراجعات دائمة لسعر صرف الجنيه من قبل صندوق النقد حتى يضمن أنه مقوم بقيمته الحقيقية، وقد يفرض على المركزي المصري خفض الجنيه تدريجيا كل عام، وذلك بدوره سوف يحافظ على سعر فائدة مرتفع يوفر عائدا للمستثمر الأجنبي في أدوات سوق الدين المحلي.
وتشير أغلب التحليلات والتوقعات لدى كثير من بنوك الاستثمار والمحللين إلى أن سياسة البنك المركزي المصري في رفع الفائدة مستمرة، وتدور في فلك الفدرالي الأميركي الذي يعتزم رفع أسعار الفائدة مجددا، في الوقت الذي سوف تواصل فيه معدلات التضخم ارتفاعها أيضا على نحو يجعل الخروج من دائرة رفع الفائدة وزيادة التضخم صعبا.
وستكون تداعيات رفع الفائدة على الاقتصاد المصري سلبية، وحسب تقرير لموقع "مدى مصر" (مستقل) "تبدو الأداة الوحيدة التي تستعملها الحكومة في محاولة احتواء التضخم هي رفع سعر الفائدة، لكنها تصبح مع الوقت أداة غير فعالة".
ولفت التقرير إلى أن رفع الفائدة مشكلة كبيرة للنمو الاقتصادي، حيث يبطئ من قدرة شركات القطاع الخاص على النمو والتوسع من خلال الاقتراض بأسعار فائدة معقولة، ويؤثر على قدرتها على تكلفة رأس المال العامل المهم في النفقات التشغيلية، كما أنه يولد مزيدا من التضخم، لأن الزيادة في تكلفة رأس المال العامل غالبا ما تنعكس في السعر النهائي للسلع.
لا تتوقع كبيرة الاقتصاديين لدى بنك الاستثمار "بلتون" عالية ممدوح أن يكون لارتفاع أسعار الفائدة تأثير فوري على هبوط معدلات التضخم، وقالت إن "اقتصاد مصر قائم على النقد، فقد أثبتت الحركة في أسعار الفائدة ضعفها في احتواء الضغوط التضخمية"، موضحة أن استقرار الجنيه هو الحل لدعم معدلات التضخم المتدنية.
ورجح بنك "بي إن بي باريبا" (BNP Paribas) وشركة "برايم" المالية وعدد من المحللين الماليين تحرك سعر الفائدة في مصر مجددا بمقدار 200 نقطة في الاجتماعات المقبلة حتى نهاية العام، ليصل سعر الفائدة إلى 13.25% في الربع الأخير.
وتراجع سعر صرف الجنيه المصري بنحو 18% أمام العملات الصعبة منذ رفع الفائدة في مارس/آذار الماضي، وبسبب شحّ الدولار ظهرت السوق الموازية (السوداء) بعد سنوات من تحجيم نشاطها، وانخفض الجنيه إلى ما يراوح بين 20 و22 جنيها للدولار. وحسب رئيس الحكومة المصرية، فإن تخارجات المستثمرين الأجانب من سوق أدوات الدين الحكومي جاوزت 20 مليار دولار أميركي في الأشهر القليلة الماضية.
كما ارتفع الدَّين الخارجي لمصر منذ عام 2012 بنسبة 275% ليصل إلى 145.5 مليار دولار في عام 2021 مقارنة بـ38.8 مليار دولار في عام 2012، وبلغ متوسط الزيادة السنوية للدَّين الخارجي في السنوات الثلاث الأخيرة 16 مليار دولار، حسب موقع "بلومبيرغ" (Bloomberg).
ورغم التكلفة الضخمة لرفع أسعار الفائدة مثل زيادة أعباء الفائدة على الديون، وتكلفة الاقتراض لقطاعات الأعمال فإن ذلك، وفق الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار، يرفع قدرة الجنيه المصري على جذب الأموال الساخنة الباحثة عن الفائدة المرتفعة، ومن ثم يحمي الجنيه "نسبيا" من الانخفاض إلى مستويات أقل.
وأضاف نوار في تصريحات للجزيرة نت أن من الواضح أن البنك المركزي يتبنّى سياسة رفع أسعار الفائدة على المدى المتوسط، وذلك يعني أن النظرة المستقبلية لها (أي الفائدة) أنها صاعدة للأعلى.
وفي تقديره، يرى خبير الاقتصاد السياسي مصطفى يوسف أنه على الرغم من أن زيادة أسعار الفائدة هي أداة نقدية لكبح التضخم وخفضه، فإنه لن يكون لها أثر سريع وسوف تزيد من أعباء الكلفة التمويلية للشركات ومن ثم سيستمر ارتفاع الأسعار، ولن يتوقف المركزي عن زيادة الفائدة حتى تعود الأموال الساخنة.
وبخصوص مستقبل الجنيه المصري أوضح يوسف، في حديثه للجزيرة نت، أنه وفق تقارير دولية فإن خفض الجنيه جاء بناء على تعليمات صندوق النقد الدولي الذي تتفاوض معه مصر على حزمة تمويلية جديدة، وسوف يواصل الجنيه الانخفاض إلى حدود 20 جنيها للدولار، هي القيمة المتداولة في السوق السوداء التي تراوح بين 20 و22 جنيها.
وتُقدر مصر كلفة الأثر المباشر للحرب الروسية الأوكرانية على موازنتها بنحو 130 مليار جنيه سنويا (نحو 7.1 مليارات دولار)، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الذي أوضح أيضا أن كلفة الأثر غير المباشر للحرب الروسية الأوكرانية على موازنة مصر تقدّر بنحو 335 مليار جنيه سنويا (18.3 مليار دولار).