لا يجدي النفي الحكومي المتكرر لوجود نية لرفع أسعار الخبز في تبديد مخاوف المواطنين الأردنيين، بعد أن أصبحت هذه السلعة الأساسية الوحيدة التي لا تزال تحظى ببعض الدعم، ووسط هذه المخاوف التي تعززها مؤشرات عدة، ثمة تحذيرات من اندلاع ثورة جياع في البلاد بعد سلسلة من قرارات رفع الأسعار التي طالت منذ خمس سنوات كل شيء تقريباً، وأحالت حياة الأردنيين إلى معاناة يومية، مع ارتفاع نسب الفقر والبطالة وتجاوز المديونية حاجز 40 مليار دولار.
فمنذ بداية العام، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والكهرباء والمحروقات مرات متتالية، ودفعت في أحدث صورها الأردنيين قبل أيام إلى إطلاق حملة لمقاطعة شراء الدجاج.
مخزون قمح كاف
وحاولت الحكومة الأردنية، خلال الساعات الماضية، طمأنة المواطنين بأنه لن يتم رفع سعر الخبز مهما ارتفع سعر القمح، ففي عام 2018، وعلى الرغم من النفي الحكومي، ارتفعت أسعار الخبز ما بين 60 و100 في المئة، ومع تداعيات الأزمة العالمية التي تسببت بها الحرب الروسية- الأوكرانية، يؤكد الأردن أنه الدولة العربية الوحيدة التي لديها مخزون يكفي لأكثر من عام من القمح والشعير.
وتحدث وزير الصناعة والتجارة الأردني يوسف الشمالي عن مخزون من القمح في المملكة يكفي لمدة تزيد على 13 شهراً، موضحاً أن الخبز مدعوم ولا تغيير في أسعاره للمواطن الأردني بغض النظر عن الأسعار العالمية، لكن الكاتب الصحافي باسل العكور يرد على الحكومة التي تحاول أن تقول إنها تدفع الفرق في سعر القمح، بالتأكيد أن مخزون القمح في البلاد تم شراؤه قبل اندلاع الأزمة العالمية، ودعا العكور الحكومة لالتقاط الإشارات، والقيام بحملة زراعة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والشعير والنباتات المنتجة للزيوت، كما فعل كثير من الدول التي تحرص على مصلحة شعوبها، بدلاً من التضييق على المزارعين ودفع غالبيتهم لترك هذه المهنة، وقد تكبدوا الخسائر وباتوا ملاحقين من جهات الاقتراض المختلفة.
ويزيد استهلاك الأردنيين من الخبز على 20 مليون رغيف يومياً، لكن الحكومة تتذرع بأن نحو نصف هذه الكمية تذهب لغير الأردنيين المقيمين في المملكة، حيث يوجد نحو ثلاثة ملايين سوري إضافة إلى مصريين ويمنيين وعراقيين.
ويستورد الأردن، الذي كان يصدر القمح حتى عام 1989، ما نسبته 97 في المئة من احتياجه من الخارج ولا ينتج حالياً أكثر من ثلاثة في المئة، أما معدل استهلاكه السنوي من مادة القمح فيبلغ نحو 780 ألف طن.
ثورة جياع تلوح في الأفق
وحذر النائب صالح العرموطي من اندلاع ثورة جياع في ظل تردي الأوضاع المعيشية في الأردن، وفشل الحكومات في إيجاد حلول لمعالجة الفقر والبطالة والمديونية، ورصد العرموطي مؤشرات قد تؤدي لاندلاع احتجاجات، إذ إن المواطن يعيش حالة قلق وتوتر شديدة لأنه عاجز عن تلبية حاجاته الأساسية ما يفاقم مشكلة الأمن الاجتماعي في البلاد. وأشار النائب العرموطي إلى أن ارتفاع الأسعار سيشمل كل شيء تقريباً، وسيطال الأدوية وأجور النقل.
وتأتي هذه المخاوف والتحذيرات بموازاة تقارير دولية تتحدث عن تفاقم الجوع في الأردن في وقت الإنفاق الغذائي إلى تراجع.
ففي العام الماضي، صنفت دراسة أطلقتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو"، الأردن في المرتبة الثامنة عربياً من حيث مستويات الجوع، داعية إلى إحداث تغييرات جذرية في نظم الأغذية الزراعية في المنطقة ككل لتوفير الأمن الغذائي.
ويرى مراقبون أن انسحاب الدولة من دورها الرعوي، وخصخصة معظم القطاعات، عاملان أسهما في ارتفاع نسب الفقر بالتالي الجوع، إلى جانب عوامل أخرى كاستضافة الأردن اللاجئين السوريين، ومدى تأثير ذلك على الأمن الغذائي.
ويعتبر الأردن من الدول المستوردة للغذاء، نظراً لاعتماده بشكل رئيس على الاستيراد في توفير الغذاء لسكانه، إذ يستورد أكثر من 57 في المئة من المواد الغذائية، كما أثبتت الجائحة أن الأردن بلد استهلاكي بامتياز، وأظهر الاضطراب في مواجهة كورونا اعتماد الأردن على سلاسل التوريد من الخارج وعدم وجود أمن غذائي داخلي مع ضعف حجم الزراعة والإنتاج الغذائي المحلي، ما دفع الحكومة للإعلان عن خطة اقتصادية لزراعة القمح بالشراكة مع مصر، بعد أن توقع البنك الدولي تزايد ظاهرة الجوع في الأردن خلال العام الحالي.
الإنفاق على الغذاء يتراجع
ويتوقع البنك الدولي زيادة عدد الأشخاص الذين يعيشون في الأردن تحت خط الفقر المدقع، بمبلغ يومي قدره نحو دولار واحد، وتظهر دراسات محلية أن نحو 46 في المئة من إنفاق الأسر الأردنية كان على الغذاء، في حين تراجع، أخيراً، لصالح احتياجات أخرى كالكهرباء والنقل.
ويبلغ معدل إنفاق الأسر الأردنية على السلع الغذائية نحو 5600 دولار سنوياً، ويرصد مراقبون، من بينهم نقابة تجار السلع الغذائية، تراجع الإنفاق على الغذاء منذ بدء جائحه كورونا بسبب تراجع الدخل أو حتى توقفه تماماً، بفعل الإغلاقات وإجراءات الحظر، ووفقاً لمسح محلي عن الأمن الغذائي في الأردن، ثمة 12 ألف أسرة في المملكة غير آمنة غذائياً والرقم مرشح للتصاعد.